شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2010-10-23
 

إثيل مانين..لا يحق لنا النسيان!

بسام الهلسه

*لا نملك الحق في النسيان. وبخاصة, عندما يتعلق الأمر بواجب الشعور بالعرفان تجاه من أحسنوا الينا بهذا الشكل أو ذاك دون أن ينتظروا مقابلاً لما فعلوه.

راودتني هذه الفكرة فيما كنت أستعيد ذكرى الكاتبة البريطانية الايرلندية الراحلة: إثيل مانين(Ethel Mannin) , صاحبة الرواية المميزة عن النكبة الفلسطينية: "الطريق الى بئر السبع"

(The Road To Beersheba) , التي صدرت باللغة الإنجليزية في العام 1963م, فكانت واحدة من أوائل الروايات عن النكبة, والرواية الأجنبية الأولى عنها في حدود ما أعلم.

ولا أنسى الإنطباع المؤثر الذي تركته فيَّ عندما قرأتها مترجمة إلى العربية خلال مرحلة دراستي الثانوية. إنطباع ما زالت بقايا منه في البال رغم السنوات الطويلة التي انقضت على تلك الأيام البعيدة. أذكرُ, قبل سنوات, أن أحد معارفي القدامى من المهتمين بالمجال الروائي التلفزيوني(المسلسلات), طلب إليَّ أن أقترح عدداً من القصص والروايات ليرشحها لإحدى الجهات الإنتاجية, فكانت " الطريق الى بئر السبع" واحدة من بين الأعمال التي اقترحتُها.

بالطبع, ظهرت روايات وقصص وأعمال فنية متنوعة كثيرة عن النكبة فاقت ما قدمته " الطريق الى بئر السبع" سواء على مستوى الموضوع أو على مستوى المعالجة الفنية والدرامية, لكن الشعور بالعرفان يظل واجباً تجاه إثيل مانين, ليس فقط لريادتها المهمة في هذا الحقل البكر آنذاك, وإنما لكونها أجنبية وقفت لتناصر قضية فلسطين العادلة, ولتكشف لقومها وللعالم جانباً من المأساة التي تسببت سياسات حكومات بلادها الإستعمارية بها. فعندما أعلن وزير خارجية بريطانيا, آرثر بلفور, تصريحه المشؤوم في أواخر العام 1917 بمنح فلسطين للصهاينة لتكون وطناً قوميا لليهود, كانت إثيل شابة ( ولدت في تشرين الاول ـ اكتوبر 1900) لم تعِ بعد مصاعب الحياة. وقد وَسَّع من نطاق مداركها واهتماماتها عملُها في الصحافة والادب, والرحلات الكثيرة لقارات وبلدان العالم التي قامت بها وكتبت عنها. لكن فكرها وانتماءها اليساري, بوصفها (أناركية) مؤيدة للحركات والجماعات اللاسُلطوية(Anarchism) التي كانت حاضرة وفاعلة في اوروبا وأميركا قبل الحرب العالمية الثانية, كشفا أمام ناظريها مدى بشاعة الإستعمار والإستغلال والتمييز, ودفعاها للتعاطف مع قضايا الاُمم والطبقات والجماعات المستضعفة المضطهدة ضد مُستعبِديها ومُستغِليها الذين كانت دولتها بريطانيا في طليعتهم حينما كانت إمبراطوريتها العظمى تحتل خُمْس الأرض وتسيطر على رُبْع سكان العالم وتنهبهم.

خلال حياتها المديدة الحافلة (1900ــ1984م) نشرت إثيل قرابة مئة كتاب شملت طيفاً واسعاً من المجالات والأجناس الكتابية: المقالات الصحفية, القصص القصيرة, قصص الأطفال, الروايات, السِّيَر الذاتية, أدب الرحلات...الخ. وقد زارت بلادنا العربية وجالت فيها وكتبت عنها العديد من الموضوعات, لكنها خَصَّت مَظلَمة فلسطين وجرحها المفتوح الصارخ, بمشاعرها واهتمامها الذي سكبته في كلمات روايتها الشاهدة على الجور والألم الكبيرين اللذين حَلَّا بشعبها.

مع أن هذه المقالة مكتوبة لتحية ذكرى إثيل مانين, إلا أنها قد تكون مناسبة لتوجيه الدعوة لمن يعنيهم الأمر لإعادة ترجمة الرواية ونشرها, فإذا كان النسيان جائزاً في حالات, وضرورياً في حالات اُخرى, فإن التذكَّر واجب لا يجوز نسيانه عند أولئك الذين يقدِّرون التعاطف الإنساني, ويعني لهم الوفاء الشيء الكثير.




 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه