إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

لعنة الشرق... كنزه الأسود

داليدا المولى - البناء

نسخة للطباعة 2011-03-02

تدور رحى الفوضى في الشرق، وسط انبثاق فجر جديد لارادة شعوبه، الأمر كعملية قلب المعادلات القديمة وفك الارتباط بالارادات الخارجية.. ولكن في العالم العربي يقبع «شيطان الانجازات» الشعبية في وجهها الآخر، حيث تختفي التظاهرات والحشود لتفسح المجال أمام اصحاب الحقائب الدبلوماسية، حاملي الاتفاقيات الدولية التي ستحدد مصير الشعوب المنتفضة على وقوف الزمن عند حكامها وانقطاعها عن ارادتها الى حين.

ماذا يخفي الوجه الآخر لما يشهده العالم العربي عموماً؟ ما هي معالم العولمة الجديدة وهي المقسومة بين عولمتين: الفوضى والمقاومة؟

عند طرق باب البحث عن الأسباب الحقيقية التي اتت بالتدخل الاميركي في بلاد مثل السعودية وليبيا، لا نجد مبرراً اساسياً سوى «الطاقة السوداء» التي قامت على امكانياتها الحضارة الصناعية اي قوة أميركا واوروبا وغيرهما عملياً. هذا الكنز فتح شهية الدول الصناعية – التكنولوجية على استغلال اكبر كمية منه، لا بل والعمل على ضمان عدم وقوع اي نزاع حول هذه الموارد، بالسيطرة التامة عليها.

من هنا تتضح المعركة المرسومة في العالم العربي، كما يتبين هدف القواعد العسكرية المنتشرة في عموم الشرق، وما احتلال العراق الا احد هذه القواعد، دون اغفال ما يجلبه ذلك الى كيان العدو، المستفيد الاول والاخير من التواجد الاميركي المباشر. وهي علاقة تكاملية بين الاصل (اميركا) والفرع (اسرائيل). اذا الشرق اليوم يعيش عولمة النفط بلا منازع.

هو الذهب الاسود، الذي اتى بالولايات المتحدة بكل ثقلها الى العالم العربي، فمارست فيه مبدأها الجديد الذي يحكم سياساتها الخارجية عبر «التدخل والحماية» ابتداء من السعودية، مصر، اليمن، وليبيا، العراق والسبحة تطول..

ضمن هذه الخارطة الواسعة، تلعب واشنطن بشطرنج الانظمة، تفقدها توازنها في مكان وتدفع بها الى الثبات في مكان آخر.. حتى لا تنهار اللعبة: فهي الخصم والحكم والرابح دائماً.. أما الخاسر فلا يمكن أن تكون إلا شعوب العالم العربي في معايير الستاتيكو الاميركية – «الاسرائيلية».

فالشعوب التي ثارت ضد أنظمتها، وحققت انجازات تاريخية، كانت محل مساومة واضحة بين واشنطن والمستفيدين من هذه الثورات. وقد سارعت واشنطن الى التخلي عن حلفائها من الرؤساء ومدراء الاجهزة لتسرع الى أحضان الشعب، وتضمن حلفاء جدد في السلطة لرسم أنظمة تساندها، انما بنكهة حديثة.. فحيث تجد واشنطن بديلاً يخفف عن كاهلها حماية الديكتاتوريات التي ترعاها، لا بل تحرجها امام شعبها والمجتمع الدولي المتمظهر بالديمقراطية، تقوم بعملية الانتقال سريعاً. وغالباً، ستجد واشنطن في اليمن من تدعمه بدلاً من علي عبدالله صالح كما فعلت مع حسني مبارك، وصدام حسين في السابق وغيرهم كثر. كل ذلك لضمان موارد النفط حتى إن اضطرت الى اضافة الحلف الاطلسي على المعادلة في ليبيا مثلا.

فلا اميركا ولا اوروبا مهتمتان بآلاف الضحايا التي تسقط في هذه الدول، أو التي سقطت في مصر وفلسطين والعراق، انما همها الوحيد هو مصالحها، اي الطاقة ومن ثم كل شيء يأتي رزمة واحدة ويمكن التعامل معه.

هذا السيناريو طبق في مصر وعملية الالتفاف على الثورة بدأت معالمها بالاتضاح.. اذ تبقى مصر هي الاهم في المعادلة الجديدة، فقد عملت الادارة الاميركية على ضمان عدم خروج اي نظام جديد فيها من يدها، بعد ان تخلصت من تبعات دعمها لمبارك. وبقدرة سحرية كسبت الجيش في صفها، وهذا لن يبدو مستغرباً حال معرفة حجم العلاقات التي تجمع رئيس اركانه سامي عنان والبنتاغون الاميركي. وهو المرشح الاوفر حظا حالياً لتولي السلطة والمدعوم ايضاً من كيان العدو، فسفير حكومة الاحتلال الصهيوني في مصر، فور وصوله الى القاهرة اعلن تأييده انتخاب عنان لرئاسة الجمهورية. اتى ذلك تأكيدا على موقف وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون منذ اليوم الاول لانتصار الثورة، وحتى قبلها حين زار عنان واشنطن والشعب المصري ما زال في ميدان التحرير. كلها احجار دومينو تسيطر عليها اميركا بربط الاشخاص بمصالحها، لضمان مصر حائطاً جديداً في وجه الهجوم على «اسرائيل» وممراً رحباً لمشاريعها. وحتى وضوح الصورة اكثر في مصر، لا يبدو أن النظام تغير في مضمونه انما فقط اسماء سقطت واخرى ظهرت، ستتسم الثورة المصرية بالكثير من الثغرات قد تبدد الثورة.

اما الصورة العامة فتبدو اكثر تعقيداً. فالمشاعر التي اجتاحت العالم العربي، ومهدت للثورة في اكثر من بلد، لا يمكن ان تنتج حكماً مستقراً بالاعتماد فقط على الفوضى. واذا كانت الثورة مطلوبة في مصر، ففي العراق الوضع لا يحتمل انقلاباً جديداً. بعد اقل من سنة على انتخابات تشريعية وعدة اشهر على تشكيل حكومة بعد مخاض طويل بين الافرقاء السياسيين، والسؤال الاهم، هل ستضمن اي ثورة عراقية سلطة مدنية دون فساد، ام محاصصة جديدة بين المكون السياسي العراقي وخلفياته الطائفية؟

وفي اليمن، يبدو النظام هشاً امام ضربات المعارضة المتصاعدة، دون تغير في المعادلة القائمة.. فاليمن مرتبط بالخليج، الخزان النفطي الاهم حالياً بالنسبة لواشنطن، وهو الذيعوض عن نقص صادرات النفط الليبي.

المعادلة الجديدة، اكبر من ثورة، وأصغر من وطن تحكمت بها الولايات المتحدة، ودائماً ما تجد في الشرق من يتبعها، وينفذ رغباتها دائماً في ظل ثورة او بدونها، بينما الخيانة يجب ان تقاتل اينما وجدت. هذه الخيانة حولت كنز الشرق الى نقمة، وبدل ان تستخدم الانظمة ثروات الشعوب لخدمة شعوبها، اتخذتها سلاحاً خارجياً في وجه انسانها ومجتمعاتها حتى فقدت سيطرتها عليها.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024