شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1948-08-01
 

محاضرة الزعيم في مؤتمر المدرسين "توجيه المدرسين" ج 2

أنطون سعادة

نحن الأن، في هذا المؤتمر الأول للمدرسين والطلبة، نتابع أعمالنا التأسيسية العظيمة التي لنا اليقين أنها تنقذ أمتنا كلها، كما أنقذت مجموعنا القومي الاجتماعي، من الخراب والفوضى. وقد رأيت الاقتصار على ذكر صعوبة انعدام المؤسسات الصالحة لقيام بناء الحياة القومية الاجتماعية الجديدة، لأن الموقف ليس موقف الدخول في صلب هذا الموضوع دخولاً أرغب فيه في محله ووقته، فلست بمتناول التهدم النفسي وانعدام القيم وفوضى المناقب وانحطاط الأخلاق، وما تضعه هذه الآفات من صعوبات هائلة في طريق سيرنا نحو مصير جديد لأمتنا – مصير الحرية والواجب والنظام والقوة.

من هذه النظرة العجلى على الصعوبات والمشاكل الضخمة، المعقدة التي اعترضت وتعترض سير النهضة السورية القومية الاجتماعية، ندرك، إذا كان لنا شيء من قوة التصور، مبلغ خطر المهمة الملقاة على الزعامة القومية الاجتماعية وعلى جميع العاملين الأذين أقسموا للعقيدة والنظام السوريين القوميين الاجتماعيين، وبصورة خاصة على الذين يتولون تدريس الأحداث وتدريبهم وإرشادهم من السوريين القوميين الاجتماعيين. ولإيضاح خطر مهمة المربّي، المدرس أريد أن أتناول بعض القضايا المختصة بهذه الناحية من العمل القومي الاجتماعي.

إنّ أول خطوة كان يجب على الحركة السورية القومية الاجتماعية القيام بها لتتقدم، هي تعليم العقيدة السورية القومية الاجتماعية والغاية الرامية إليها، لأنها هي الحقيقة الأساسية التي بها نوجد شعباً وأمة ولها نعمل. كل عمل آخر سياسة وتنظيم لا قائدة منه بدونها ولا يجدي القيام به إن لم يكن متفرعاً عنها وعائداً إليها. إنها محور الحياة والفكر الأساسي، فكل عمل يجب أن يدور عليها، ولذلك كان الغرض الأساسي من الحركة السورية القومية الاجتماعية جعلها عامة ومنتصرة في الأمة السورية وحيثما أمكن تحقيق رسالتها الاجتماعية وفلسفتها المدرحية. ولقد ظن بعض المغرورين أنّ العمل العقدي الأساسي كالبحث في الأمة وقوميتها وحقيقتها وأهدافها، أمر يمكن الاستغناء عنه والاستعاضة عنه بالمساومات السياسية الموطوحة بالعقيدة القومية الاجتماعية وغاية هذ الحركة العظيمة فكادت القضية المقدسة تسقط من أسايها وابتدأ الميعان والفوضى يههدان الحركة بالتفكك العام، فلما كان من وراء عودتي من غيبتي عودة الحركة إلى العقيدة والغاية قضي على الميعان والفوضى وعادت الحيوية إلى الحركة وعاودتها روح البطولة والمثالية الأولى. فتعلمون الآن بالاختبار في أي مهوى سحيق تسقط الحركات والأمم التي تفقد عقائدخا ومقاصدها.

قلت إنّ الخطوة الأولى التي علينا أن نخطوها لتسير الحركة السورية القومية الاجتماعية، هي تعليم العقيدة القومية الاجتماعية والغاية الرامية إليها. فهل كان سهلاً هذا العمل؟ - إني وجدت صعوبة كبيرة في تعليم عدد من الأشخاص لا يزيد على أربعة أو خمسة بين 1930 و 1932 تعليماً أولياً غير راسخ. ثم وجدت صعوبة كبيرة في تعليم عدد بلغ نحو عشرة او خمسة عشر شخصاً في آخر ربيع سنة 1932، وفي سنة أخرى بلغ عدد تلامذة العقيدة نحو ثلاثين شخصاً. ويجب أن أقول إنهم لم يستوعبوا، كلهم، العقيدة كما يجب ولم يتمكن إلا القليل منهم من أن يكونوا تلامذة ناجحين ومعامين لها. مع عظم الصعوبة التي وجدتها في توليد الحركة السورية القومية الاجتماعية فإن الصعوبة ازدادت عندما ابتدأت هذه الحركة تحتك بأوساط غرست فيها اعتفادات متنافرة تسد منافذ الوعي القومي على أصحابها. إن نشأة اللامبالاة التي نشأها الكثير من شعبنا مضافاً إليها انعدام المقاصد القومية، كانت، في حد ذاتها، صعوبة عظيمة في زجه توليد الحركة السورية القومية الاجتماعية. ولكن هذه الصعوبة تتضاءل أمام صعوبة الاعتقادات الكسيحة، المشوهة الفكر، التي تغرس في الناشئة بعناية فائقة، في مؤسسات تربوية وتدريسية أنشئت لأغراض معاكسة للوعي القومي وللنهضة القومية الاجتماعية. كلما اتصلنا بمخرّجين من مدارس دينية ذات أغراض اجتماعية وسياسية خاصة، كمدارس اليسوعيين والبروتستانت والأرثوذكس، ومدارس الشيع المحمدية وغيرها، شعرنا حالاً أننا أمام جبهات نفسية تتصدى للتعاليم القومية الاجتماعية محاولة منعها من الانتشار والتقدم، ليس فقط من ناحية القومية او النظرة الفلسفية إلى الحياة والكون والفن، بل أيضاً في الميدان السياسي الداخلي والخارجي.

يتضح لنا من هذا الاستعراض الموجز، أنّ القضية الأولى التي تواجه العقيدة القومية الاجتماعية هي قضية التربية والتثقيف، - قضية الصراع المميت بين تاريخ حديث وتواريخ دخيلة مستمرة – قضية الصراع الفاصل بين نفسية فتية تنظر إلى الحياة والكون ضمن الحدود المغلقة التي تكونت فيها. فقضية الصراع العقائدي الذي أثارته الحركة السورية القومية الاجتماعية بتعاليمخا الجديدة هي قضية صراع ثقافي تعليمي بين مبادىء الحياة الجديدة ومبادىء الحياة الجامدة.

إنّ أخذنا الصراع من درجة المخرجين والمثقفين في المدارس الدينية السياسية والمدارس الأجنبية الذين تكون نفسياتهم قد تكونت ضمن عوامل مدارسهم وبيئاتهم الاجتماعية، يبقينا، يقيناً، خارج صلب المعركة العقائدة الثقافية. إنّ صلب المعركة ليس مع الذين انتهى تكوينهم النفسي على خطط منافية للعقيدة القومية الاجتماعية وللنفسية التي تتطلبها، بل في العمل مع الذين هم في طور التكوين النفسي. إنّ صلب المعركة هو في تثقيف نفسية الأحداث ومعارفهم في البيت وفي المدرسة الابتدائية والمدرسة الثانوية. وتستمر المعركة العقائدية ما وراء ذلك.

لم يهمل صاحب الرسالة القومية الاجتماعية المدرحية هذه القضية الثقافية الخطيرة، بل، بالعكس، أولاها عناية خاصة، إذ جعل في صلب قسَم الغقيدة – قَسَم العضوية - نص أن يتخذ القومي الاجتماعي المبادىء القومية الاجتماعية "إيماناً له ولعائلته وشعاراً لبيته" فجعل كل أب قومي اجتماعي وكل أم قومية اجتماعية مربياً، مرشداً، مثقفاً الأولاد في الدرجة الأولى في التعاليم القومية الاجتماعية. على أنّ الأب والأم قد لا يكونان، بالنظر إلى مستوى المعارف والثقافة الحاضر في شعبنا، عارفين بالأصول والقواعد الهامة في تربية الأخداث وتوجيههم، فلا تكون لتربيتهم النتائج المطلوية، خصوصاً حين تكون المدارس التي يرسلان أبناءهما إليها غير قومية إجتماعية أو مخالفة للعقيدة القومية الاجتماعية. وما دامت الفاعلية التثقيفية تسير ضمن هذه الحدود الت يتشل كل مجهود، فإن الصراع التثقيفي يعطي نتائج معاكسة للأهداف السورية القومية الاجتماعية.

في هذه الحالة تبرز لنا بوضوح أهمية المدرس والمربي القومي الاجتماعي المنصرف إلى التدريس والتربية والإرشاد. فإذا كان تعليم العقيدة السورية القومية الاجتماعية وغلية الحركة السورية القومية الاجتماعية هو أول عمل أساسي من أعمال هذه الحركة العظيمة، كان المدرس القومي الاجتماعي أول جندي في معركة العقيدة القومية الاجتماعية. إنه جندي خط الهجوم الأول الذي عليه أن يدخل صلب المعركة ويحارب لإنقاذ نفوس الأحداث من العقائد الغريبة أو المتأخرة وإدخال العقيدة القومية الاجتماعية، المحررة، البانية. فهل فـَـقِه المدرس، المثقف القومي الاجتماعي مهمته الأساسية الخطيرة؟

هذا السؤال أطرحه الآن ولا أنتظر جواباً عليه إلا النتائج الناصعة في التخطيط والتحقيق. ولكنه سؤال يجب أن يطرحه على نفسه كل مدرس مربٍ قومي اجتماعي حيّ الوجدان شاعر بخطورة المهمة التي تكلفه القيام بها عقيدته في مهنته، في اختصاصه.

....

يتبع

النظام الجديد، المجلد 1، العدد 5، يوليو/تموز – أغسطس/آب 1948



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه