إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

عندما يحكِّم الرئيس الأسد قناعاته الوطنية والقومية لا يُرهِبه أحد ...

وديع الخازن - البناء

نسخة للطباعة 2011-08-20

إقرأ ايضاً


عندما يكون أي حكم واثقًا من خياراته القومية والوطنية كحكم الرئيس بشار الأسد، فلا تعود ترهبه التوعّدات الخارجية، التي لا تعرف إلاّ مصالحها عند أي بحث في العلاقات والسياسات.

لقد حاولت الإدارة الأميركية، منذ زمن، أن تستدرج الرئيس الأسد إلى صفقات إقليمية، تُبعده عن مساره المعاكس لمصلحة "إسرائيل"، فلم تنجح لا سنة 2003، ولا في العدوان "الإسرائيلي" على لبنان عام 2006، أو على غزة عام 2008، ولا في افتعال الأحداث السورية على خلفية مطالب إصلاحية حملها الرئيس السوري مع بداية عهده، ولم يتمكّن من تسريع خطاها نظرًا الى ظروف إقليمية قاهرة، شغلته عن الشأن الداخلي.

وبرغم المحاولات الأخيرة التي مورست فيها الضغوط الغربية على سورية، سواء بواسطة تركيا الحليفة الأطلسية والخصم التاريخي لإيران في المنطقة، أو بواسطة الحلفاء الخليجيين، وآخرها دعوة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، إلى طلب تنحّي الرئيس الأسد، ما يشكّل تحريضًا وتأليبًا موصوفًا وتدخّلاً سافرًا ونأيًا بالنفس، للإيقاع بين الدول العربية والإقليمية، فقد حدّد الرئيس الأسد خياراته البعيدة عن البازار الدولي والإقليمي المتّبع، ليلاحق الاختراقات الحدودية في صفوف المحتجّين ورافعي المطالب، مستغلّين الحملات القائمة في دول المنطقة للعبور إلى إحداث تغييرات أفضل في حياتهم المعيشية، في موجة تعصف في كل مكان وزاوية.

لقد أدرك الرئيس الأسد، أن لا قوة ترغمه على فعل ما كان راغبًا في فعله، وهو الإصلاح. ولأنه يرفض سياسة الإملاءات الخارجية تحت عوامل الظروف الضاغطة، كما حصل عندما زاره وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول إثر الحرب الأميركية على العراق عام 2003، فقد عمد إلى تحرير سورية من داخل الحدود، من التسرّبات التي اخترقت صفوف المتظاهرين، وأطلق العنان للقضاء على المخرّبين والمندسّين، للإيقاع بين الشعب ودولته.

ولأن الرئيس بشار الأسد لا يؤمن بالتطرّف الديني الذي أخذ يتبدّى في بعض صفوف التحرّكات الشعبية، لاسيما في مصر، حيث رُفعت شعارات دينية لدولة موازية في المعنى الديني للكيان العبري المطالب بيهودية الدولة، فقد قطع دابر المتسلّلين بمثل هذه الطروحات، ليُبقي على علمانية الدولة السورية، التي هي لكل السوريين، وفي خدمتهم جميعًا.

ولا يخفى على المطّلعين ما تخلّل المفاوضات التركية- السورية من طروحات لإشراك فريق ذي طابع ديني محض في شخصية رئيس الحكومة الجديد المقرّب من أنقرة، أو في المرحلة الأخيرة من نسبة المشاركة الحكومية لمثل هؤلاء المقيمين في تركيا، حيث لم يكن ما يُعلن إلاّ تغطية لتدخّل صريح في الشؤون البنيوية للحكم في سورية.

طبعًا لم تكن هذه المحاولات لتنطلي على الجانب السوري المتمسّك بطبيعة نظامه المدني في التوزيع الطائفي الذي يؤمّن مكانًا للجميع، لأن أي نظام آخر يقضي على حرية الأقليات الفاعلة في المجتمع السوري.

لقد فهم الجيش السوري أهمية حفاظه على هذا الطابع الوطني والقومي في توجّهاته، فلم يتأثّر بسلبيات ما يُشاع عن تعرّضه للمتظاهرين، ولو ضرب صفحًا عن دور المسلّحين المتربّصين برجال أمن الدولة وحماة الديار، ولعب دور الطابور الخامس في توجيه الرصاص الى المتظاهرين، لتحميل القوى التي تلاحق هذا الطابور مسؤولية الضحايا وطمس الحقائق.

إن مثل هذه التجربة التي مرّت بها سورية، تطلّبت استنفارًا عامًا من المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن لمتابعة مكافحة المسلّحين المتمرّدين، والذين أعلنت السلطات السورية عن وجود جنسيات مختلفة بينهم، لدى ملاحقتهم الأخيرة في اللاذقية.

وإذا كانت القوى الخارجية التي تستغلّ هذا الوضع المتأزّم أمنيًا، لإضعاف رأس حربة المقاومة العربية التي يقودها الرئيس الأسد، فإنها مخطئة في حساباتها، فمَن كانت قبضته واحدة في الجيش والأمن وإرادة الغالبية من شعبه، فلن تقوى عليه جيوش العالم، لأن مَنْ يريد نقل الحرب إلى داخل سورية، يجهل قدرتها على نقل هذه الحرب إلى حيث يجب أن تكون في قلب "إسرائيل". فسورية ليست وحدها في منظومة الممانعة، وإن كانت مركز "القبّان" في حراكها وتأثيرها، وإذا ما مُسّت في أمنها الخارجي، فلن تبقى ساحة في الشرق الأوسط بمنأى عن لهيبها.

الرئيس بشار الأسد يدرك قدراته الاستراتيجية في لعبة السلام والحرب، وهو لم يكن لينتظر أي مسؤول عربي ليُقرّ بها. ولأنه يدرك هذه القدرات، فهو يحرص على تحريكها إذا ما شعر بأن الخطر بات يتهدّد مصير الدول من حوله، لأن دوره أكبر من أن يكون محصورًا بالحدود السورية.

فعندما يحكّم الرئيس الأسد قناعاته الوطنية والقومية، لا يرهبه أحد.


*وزير سابق


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024