شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2011-12-09
 

حـدائـق الـمـســاء - للشاعرة اكرام قديح مكي


شهدت قاعة نقابة الصحافة اللبنانية حضوراً لافتاً لادباء وشعراء ومثقفين، توافدوا تلبية لدعوة الملتقى الثقافي للحوار اللبناني العالمي وتجمّع البيوتات الثقافية في لبنان للقاء حول الديوان الجديد للشاعرة المبدعة اكرام قديح مكي " حدائق المساء ".

بداية النشيد الوطني اللبناني، ثم كلمات لكلّ من:

- الشاعر البروفسور جورج طربيه.

- نقيب الصحافة اللبنانية الاستاذ محمد البعلبكي.

- السفير الاديب فؤاد الترك.

- الشاعر الاستاذ محمود نون.

- والمحتفى بها الشاعرة اكرام قديح مكي التي قدّمت بعد كلمتها التي تضمّنت شكرها للمتكلمين والحضور، قصائد مختارة من ديوانها الجديد.

من " حدائق المساء " نختار، الى مقدمة الديوان للشاعر الاستاذ محمود نون، بعضاً من قصائد رائعة للشاعرة المبدعة اكرام قديح مكي.

اضاءة:

" من امارات الابداع في الشعر ان تستطيع القصيدة تشكيل العالم من جديد، من خلال المفردات والحروف، وهذا ما يقرّب الشاعر من المبدع الاول. ويدعو القارئ الى اكتشاف التشكيل الجديد من خلال التقاط الرؤية الجديدة التي تأتي معها القصيدة، بعيداً عن التكلّف والتقليد، واكرام في شعرها، لا تبتعد عن هذه الامارة، فعالمها متماسك وصحيح كأنه واقعي الحركة، وذلك بفضل معايشتها الوجود بكامل وجدانها، وقدرتها على نقل هذه المعايشة ونتائجها الى عالمها الجديد بدلالات مستحدثة للكلام.

اذ ان ألق معايشتها هذا، يجعل من هذا النتاج الانساني الشفيف باعثاً للحياة في عوالم اخرى، ومحركاً للواقع باتجاهها، فنفحة المعاني التي تبوح الشاعرة بها تجعل من عوالمها الجديدة، من خلال الترميز بالكلام، عوالم لا وجود للتفاهة فيها. وهذا ما يدلل على فهمها العميق لبنية الشعر ومضمونه، ولدور الرؤية في اخراج الانسان من وجود الى وجود.

وأولى العوالم التي تبنيها اكرام عوالم الحبّ، عوالم الحبيب فيها نبض في وجود المحبوب، يبعث فيه حركة الدفق الانساني، وحركة الحياة لكل وجود مغاير وجديد يتخطى فيه الانسان ذاته. فللحبّ في النفس فعلٌ يقرّب الحضور الانساني من الالهي، يتجلّى اللا ممكن فيه في الممكن، والعنفوان والصبا في الضعف والكهولة.

فهمس العيون على سبيل المثال، يتحوّل بفعل الوجد الى صراخ روحيّ، الى نداء وجوديّ يدعو به الحبيب حبيبه الى التوحّد، الى المساهمة في اخراج ما فيه من فرح الى الوجود، واظهار ما في افنانه من عبق، اذ انه بذلك يصبح متمماً للآخر في الحياة. ومكوناً رائعاً لما فيه من انسانية خضراء.

وفي هذا الاطار لا بدّ من قراءة المقدّس. ومن اعادة النظر في المحرّم، ومن الجرأة في الفكاك من العادات والتقاليد التي ادمت التواصل الانساني وحدّت من حرية ممارسة الذات لوجودها. فكل من لا يساهم في هذا التمرّد يصبح آثماً. لانه لا يفقه البعد الانساني في الانقلاب على التقاليد ويبقى عاجزاً عن معايشة حقائق الوجود.

ولهذا يخيفها الزمن، والاحساس به والشعور بمعطياته وباللغة الخاسرة معه، فتلحّ على الآخر بضرورة الامساك بآخر لمعة من الحياة وبما فيها من بقايا رحيق، وما تصريحها في قصيدة " ونلتقي " بديمومة الحب وتوهّج الروح رغم الكهولة سوى اعتراف ضمني بطعنة الزمن، واصرار منها على عدم الاقرار بالهزيمة امامه، فالزمن لا يمكننا الانتصار عليه الا بالحب، لان قبولنا من الآخر فيما يعنيه قبولنا من الحياة.

ويكبر فضاء الحب لديها، فيتسع للامكنة والموجودات، مولّداً عوالم جديدة قوامها وحدة الوجود، فقد شمّت عطر ضيعتها " حبوش " في عَرَق الحبيب، فدخلتها بدخولها شميم عرقه، راسمة بذلك حضوراً وجودياً للمكان يذكرنا بحضور الاطلال من خلال الوشم في معلّقة طرفة.

ويتوهّج هذا الفضاء في قصيدتها " الصحارى " فيصبح الحب عشقاً والعشق اتحاداً بين الموجودات، والاتحاد محركاً للصور الرائعة التي تعيد تشكيل العالم بواسطة مكوّناتها، وهذا ما يعطي الوجود معانٍ ودلالات تنسجم مع الحركة الكونية، وتُظهر الوجه الآخر لحركة الاشياء في الوجود.

وتذهب الى ابعد من ذلك، فتجعل " تنورين " جارة للـه، مع ما تعنيه هذه المجاورة من منحها قبساً من كليّة الاله ومحبته، فللجار رعاية من الجار، فكيف اذا كان هذا الجار هو اللـه؟! انه تصوير رائع لتموضع "تنورين" يخرجها من التموضع المكاني المألوف الى التموضع الاطلاقي المسكون بمكنونات السحر والجمال.

وتتابع اكرام في مجموعتها خلق عوالمها الجديدة، ففي قصيدتها " رنة الهاتف " تغيّر مكونات العالم حضورها من خلال فعلها في الانسان. اذ من المفترض ان تزرع رنة الهاتف في الفجر الرعب والقلق في النفس، لكنها في ذلك الفجر الذي عاشته اكرام ملأت النفس بالاحلام والطمأنينة، لانها حملت اليها من الحبيب بوحاً مليئاً بالنغم والمنى.

اما في " الانتظار " فالوقت يخرج من حدوده ويتعداها الى الضجر فتطول الثواني وتتجاوز المعقول، وتتباطأ حتى النزيف، وتدخل الروح غياهب الضجيج، والثواني في صحارى الانتظار.

وفي " سلام لبنان " يتحوّل اللامعقول الى واقع؟ فيتشكل عالم جديد تحصد الامة فيه الهواء، عالم تصبح الغربة فيه عزاء للروح، وهجرة النغم نعمة للناي، وفي هذا قمة الفجيعة. لان المقومات التي صنعت هذا الواقع عملت على انتفاء المعقول في العلاقة بين الانسان والوطن فأتلفت بحركتها ما هو حقيقي وواقعي، وابقت على اللاجدوى بإبقائها على اللامعقول وعلى من في يدهم مقاليد الامور.

اما في رثائها " محمود درويش " فيتجلى ابداعها في قضية الوطن من مصدر للمعاناة، الى مصدر للحرية، وفي تحويلها الرؤى الى نتاج انساني كبير لتلك القضية.

كما يتجلى ابداعها في القصيدة المهداة الى الاسير المحرّر، اذ تجعل القيد يرسم الورد المندّى، اي يساهم في صياغة الحياة، كما تجعل الفجر موعداً لتلك الصياغة. لان القيد بنظرها مؤشر لانبلاج الضوء، ولان الندى لا يتشكّل في سيادة الليل، بل في لحظات الضوء التي يطل فيها الفجر على الوجود. ويبلغ ابداعها مداه في تشكل عالم احزانها الذي صنعه غياب ابنتها " لينا " فهو عالم عميق الجراح، احادي اللون، يملأه الظلام، يسوده الموت ويحكمه الغياب. فقصيدتها " لمن العرس " تتساءل عن معنى الاشياء في غياب مبدعها، وترسم عالماً لفرح لا يكتمل، وحضوراً لمسرح ينقصه الممثلون واكتمالاً لعرس يغيب عنه المغني، فتغمرنا بفعل الموت، وتسمنا بجرح الحياة، وتحيطنا بكل ما يخرجنا الى العبث، وما يغمرنا باللا جدوى والحزن العميق.

اما قصيدتها " لا تغيبي " فتنقلها وتنقلنا الى عالم الفجيعة، لان اكرام اذ تشعر بعجزها الانساني امام حدّ لا مناص منه، ولا قدرة لاحد للسيطرة عليه تستحضر كافة قدراتها الروحية والجسدية في محاولة يائسة منها للقبض على المستحيل، وللسيطرة على الموت، والتغلب على الغياب لكنها سرعان ما تدرك قصور قواها، فتمتلئ حياتها بالفجيعة، ويصبح عالمها " ارجوحة من لهيب " تعيشه وتحسه، لا قدرة لها على العيش فيه، ولا على الخروج منه، فتعود الى ابنتها – شرارة اللهيب – صارخة، راجية اياها بألا تغيب، لعلّ ابنتها تستجيب لها، وتقبض على المستحيل، فتتجاوز الموت، وتنجيها من لهيب العالم الجديد.

واكرام في جميع قصائدها وفي ما تذهب اليه: من رؤيتها الى الشعر، الى تألقها في الغزل، الى تمرّدها على مقاولي الوطن.. ومن ايمانها بحرية الانسان الى شعورها بالعجز عن تجاوز الموت، هي شاعرة مبدعة تصوغ في كل قصيدة من قصائدها عالماً جديداً تعيش في ادق تفاصيله، وتُحمِل القارئ، على الرغم منه، الى الدخول معها في كل عالم من عوالم قصائدها."


ومن قصائد الديوان:

صـلّـيـتُ كـيْ لا تَـغـيـبـي(*)


صلّيتُ كيْ لا تَغيبي

وعانقتُ فيكِ صليبي

أحسُّ حياتي بدونكِ

أرجوحةً من لهيبِ

على خطواتك...

رفَّتْ دروبي

بأحلى الطيوبِ

*

وصلّيتُ كي لا تغيبي

وزرتُ المعابدَ

علّقت أغْلى التمائم

في جيدِ حزني الرهيبِ

أضأت الشموعَ

وأشْعَلْتُ طُهْرَ

البَخور الرطيب

تلوتُ التراتيل

أقلقتُ بال الليالي

بهَمْسي الرتيبِ

ابْتَهَلْتُ كثيراً

وصلَّيتُ... صلََّيتُ

كي لا تَغيبي

لا...

لا تغيبي


(*) كانت الاديبة قد خسرت ابنتها الصبية الفنانة لينا مكي، التي عرفت برسومها الرائعة، ومنها لوحة غلاف الديوان الاخير.


الـقـيـد والـنـدى

مهداة الى الاسير المحرّر


خطرتَ على المـدى، تختالُ كِبْرا،

لـرنّةِ قَيـدِك الاوتـارُ سَكـرى


يـلوحُ بوجهِكَ الـدامـي أريـجٌ

يخطّ على جبيـن النصـر سِفـرا


ويرسـمُ قيدُكَ الـوردَ المـنـدّى

لينبتَ مـن جـراحِ يديـكَ فجـرا


حمـلتَ همومَ أسركَ كنـتَ فـذّاً

شـديداً، كافحَ الاعـداءَ عُمْـرا


كتبتَ على الرياحِ صريـرَ شـوقٍ

ليعمر صـدرُك المسكـونُ طُهـرا


خلعتَ حلاوةَ العـيـشِ اقتنـاعـاً

مشيتَ على القـتـادِ تلـوكُ قهـرا


وواعـدتَ المساءَ، بنـورِ سـحـرٍ

وفي فيض السنـاءِ، سكبتَ عِطـرا


قطـوفُ رؤاكَ يـا وعـدَ ائتـلاقٍ

مـع الصبـحِ النـديِّ يهيـمُ نشـرا


يطـيبُ الحلـمُ، تبتـسـم الامانـي

ويغمرنـا شمـوخ المجـد غـمـرا


ستحضُنُـك القلـوبُ بصدرِ شعـبٍ

يتـيـه مجـنّحـاً... عـزّاً وكِبْـرا



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024جميع المقالات التي تنشر لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع