إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

سياسة الدول المتحاربة في العالم العربي ج. 1

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1943-02-15

إقرأ ايضاً


كانت الزوبعة قد نشرت مقالات في الماضي تبين فيها تلاعب الدول الكبرى بالعصبية الدينية المحمدية في العالم العربي التي لا تزال حاجزاً بين الشعوب العربية اللسان والروحية القومية، كما كانت العصبية الدينية المسيحية حائلاً بين الشعوب الأوروبية والروحية القومية. والأمم الأوروبية الطامعة في الاستعمار لا تفتأ تشجع العصبية الدينية المحمدية ضد نشوء القومية الصحيحة في العالم العربي لتظل شعوبه بعيدة عن مجرى التطور الاجتماعي – الاقتصادي – السياسي ودون النفسية الصالحة للصراع الاقتصادي – السياسي في العالم ودون امكانيات التقدم في هذا المضمار. وحين نشأت الحركة السورية القومية الاجتماعية في أرقى أمم العالم العربي وأوسعها امكانيات روحية ومادية – في سورية – لتقود العالم العربي كله في طريق الصعود الاجتماعي والسياسي، لم تنظر الدول الكبرى الاستعمارية بعين الارتياح إلى هذه الحركة، خصوصاً حين أدركت مدى مطامحها ومراميها. وبعض هذه الدول كان يظهر رضى ورغبة في تقدم الحركة السورية القومية الاجتماعية حين كانت لا تزال حركة صغيرة لا يخشى خطرها. وذلك لتشجيعها على مناوأة الدول الأخرى المعادية. فمن القواعد السياسية المقررة عند جميع الدول الكبرى أن تستغل كل من هذه الدول كل حركة يمكن أن تزعج مزاحمتها او عدوتها. ومن البديهي انه لم يكن ممكناً في بداءة الحركة القومية، أن تدخل هذه الحركة في السياسة الانترنسيونية، لأنه لم يكن معروفاً حينئذ، مبلع النجاح المقدر لها والدول لا يهمها مصالح الحركات والأمم الأخرى إلا بمقدار ما لها فيها منفعة.

شرحنا في مقالات سابقة مستقلة تزاحم الأمم المتحاربة على خداع الجماعات الدينية المحمدية واكتساب تأييدها. ومن الهام جداً لدولتي المحور الأوروبيتين، ألمانية وايطالية، تحريك الجماعات المحمدية في شواطىء المتوسط الشرقية والجنوبية. فإذا أمكن ايجاد تيار واحد فيها كلها، وهذا غير ممكن إلا بواسطة العصبية الدينية، كان ذلك من أفضل المساعدات للخطط والحركات الحربية التي تريد ألمانية وإيطالية القيام بها من غير مسؤوليات وتعهدات حقوقية مع حركات قومية لها مطاليب واضحة، صريحة لا ابهام فيها. من أجل ذلك أعلن زعيم ايطالية، موسيليني، انه يريد، أن "يحمي الاسلام" ولذلك رأت ألمانية أن تستخدم شكيب أرسلان في سياستها الاذاعية لقاء تعويضات مالية. لا لقاء عهود سياسية ومعاهدات مدونة في وثائق، لأن العهود والمعاهدات لا تعقد مع الأفراد، بل مع الحركات المنظمة ذات المؤسسات التي تكفل استمرار السياسة المقررة والعهود التي ترتبط بها المنظمة، بعكس الأفراد الذين لا يمكنهم تأمين استمرار سياسة او خطة. فإذا مرض أحدهم أو مات فقد زال كل اتفاق وكل عهد. ثم ان الأفراد معرضون للسقوط الشخصي او النهوض. أما المنظمات فتبقى ثابتة بعقائدها ومؤسساتها التي لا تتغير ولا تتبدل مسؤوليتها وتعهدادتها بتبدل الأفراد. ولما كان شكيب أرسلان شخصاً غير مسؤول، لأنه لا يرتبط بمنظمة ذات مبادىء مقررة ونظام عام يضبط أعمال أفراده. فلا يمكن أن يكون، من الوجهة الحقوقية طرفاً صالحاً للتعاقد معه.

ولما برز الحاج أمين الحسيني بصفة رجل دين مجاهد ضد اليهود في فلسطين عطفت عليه الجبهة المحورية للغرض عينه. ومع ان صحف سورية نشرت منذ سنوات صورة لمراسلة، زعمت انها صحيحة، متبادلة بين شكيب أرسلان والحاج امين الحسيني في فلسطين وفيها ما يدل على التعاون بين الشخصين المذكورين وقبول مساعدات مالية من ايطالية، فلا يمكننا الجزم بمبلغ صحة ما نشرته الصحف المشار إليها. واننا نعتقد ان الحاج أمين الحسيني ليس من نوع شكيب ارسلان، أي انه لا يبذل نفسه بالطريقة التي يبذلها هذا. ولكن الحاج أمين الحسيني رجل دين، لا رجل اجتماع واقتصاد وسياسةأ أي انه ليس رجل قومية خالصة من الاختلاطات الدينية المذهبية. ولذلك يسهل كثيراً استغلال تحمسه الديني وحركاته ضد اليهود في الجماعات اليهودية العربية اللسان، من غير التعرض لعقود ومعاهدات معه، لأنه هو أيضاً لا يمثل حزباً منظماً ولا مؤسسات لها قيمة سياسية.

....

يتبع

"الزوبعة"، العدد 60، في 15 فبراير 1943.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024