شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2012-02-27
 

المؤسسات السياسية في حزب سعادة - حلقة ثالثة : مؤسسة العمد ومجلسهم

طه غدار

مقدمة الى المؤتمر القومي لعالم – ايار 2012

"المعروف في العالم المتمدن أن المشاريع على نوعين: خاص وعام. أما الخاص فمتعلق بصاحبه، أما العام فمتعلق بالشعب أو الأمة... والمعروف أيضاً أن المشاريع العامة هي مصالح تتقدم بها مؤسسات ذات نظام ومسؤولية كالحكومة أو كمنظمة أخرى، حزباً أو غيره، واضحة الغاية والمبادئ والبرامج".

مقالة شخصيات، أحزاب، مؤسسات (تاريخ 9/11/1937)

«إن الحزب السوري القومي قد نشأ من صميم الأمة ليعمل للأمة والدولة وقد بدأ الحزب السوري القومي عمله بمعالجة أعظم حاجة من حاجات الأمة السورية، ألا وهي الحاجة إلى أساس واحد عام مشترك يشمل جميع مصالح الشعب السوري ويصلح لبناء صرح القومية السورية ونهضة الأمة السورية...

إن مصلحة الأمة التي يعمل لها الحزب السوري القومي ضماناً لمصلحة كل عضو من أعضاء الدولة السورية القومية. إن مصلحة كل واحد منا موجودة في مبادئ الحزب السوري القومي وتتحقق بتحقيق هذه المبادئ... تقدمنا إلى تعزيز المصالح المتنوعة ضمن الأمة. فالفلاحون والملاكون والصناع والعمال يرون في مبادئ الحزب السوري القومي تحقيقاً لمصالح كل فئة من فئاتهم ضمن المصلحة العامة التي تؤمن الكل».

خطاب الزعيم في صافيتا (17/12/1936)

الزوبعة، العدد 40 تاريخ 1/3/1942)

بعدما وضع سعاده الدستور الأساسي (14 مادة)، صاغ المراسيم الدستورية المرتكزة عليه. فكان المرسوم الأول مؤسسة العمد ومجلسهم، هي مؤسسة من مؤسسات الدولة السورية القومية الاجتماعية. ويعبّر وجودها عن الوجود السياسي الحقوقي للدولة. مسؤولون مركزيون مختصون بالعمل السياسي العالي، ولذلك فهي مؤسسة سياسية بامتياز، مثل الحكومة في دول العالم، ويجب أن تُعبّر (الديمقراطية الجديدة) عن المجتمع ولا تمثّل صورته الراهنة بواقعها المريض: الانقسام الأثني والطائفي والعشائري و... وهي تعمل على رعاية أحوال المجتمع وتحسين وضعه وتأمين مصالحه، وبالتالي تأمين حياة كل المواطنين وتنظيم حياتهم والسهر على تطورها وتقدمها. وهذه المؤسسة هي إحدى مظاهر الوجود السياسي لصيانة المجتمع والدولة السوريين.

معنى كلمة عميد:

كلمة عميد، وردت في "لسان العرب" لابن منظور كما يأتي: عمود الأمر: قِوامُه الذي لا يستقيم إلاّ به [.....] وعميد الأمر: قوامه. والعميد: السيد المعتمد عليه في الأمور أو المعمود إليه، قال:

إذا ما رأَت شمساً عَبُ الشَّمسِ(1)، شَمَّرَت إلـى رمْلِهـا، والجَلْهُمِـي(2) عَمِيدُهـا

والجمع عُمَداءُ، وكذلك العُمْدَةًُ، الواحد والإثنان والجمع والمذكر والمؤنث فيه سواء: ويقال للقوم: أنتم عُمْدَتُنا الذين يُعتمد عليهم. وعَمِيدُ القوم وعَمُودُهم: سيدهم، ومعناه عُمُدَةُ قومه إذا كانوا يعتمدون فيما يَحْزُبُهم، وكذلك هو عُمْدتنا. والعميد: سيد القوم، ومنه قول الأعشى:

حتـى يَصيرَ عَميـدُ القـومِ مُتَّكِئـاً يَرْفَـعُ بالـراح عنـه نِسْـوَةٌ عُجُـلُ

ويقال استقامَ القومُ على عمود رأيهم أي على الوجه الذي يعتمدون عليه. [.....]

مجلس تنفيذي

وتحدد المادة الأولى من المرسوم أن عمل هذه المؤسسة (العمدة) يتمحور حول شأنين أساسيين هما:

1- إدارة الحزب (إدارة): فهم أي العُمد من هذه الناحية قادة إداريون لإداراتهم في العمدات (الوزارات).

2- ممارسة السلطة التنفيذية (سياسة) أي ما يُكلفهم به الرئيس من أعمال سياسية وكل وفق اختصاصه.

وتحدد المادة الثانية عملية تعيين العمد التي تتم بناءً "للتصنيف الفني للمصالح الرئيسية".

ويعدّد في الثالثة هذه المصالح فإذا هي ثمانٍ: الداخلية – المالية – الخارجية – الإذاعة – القضاء – الاقتصاد – الدفاع والثقافة والفنون الجميلة.

يتشكل من هؤلاء العمد وفقاً لما جاء في المادة الرابعة منه، مجلس للعمد للتنسيق والتعاون لتنفيذ خطة رئاسة الحزب. ويعمل هذا المجلس بشكل جماعي - بخلاف بعض الأنظمة الرئاسية - فله رئيس وناموس. الرئيس مسؤول يشرف على أعمال العمد ويتابع تنفيذ القرارات والمهام الملقاة على عاتقهم من قبل رئاسة الحزب. والناموس ينظم الشؤون المكتبية.

مهمة مجلس العمد تنفيذ سياسة الرئيس (الزعيم سابقاً) و"خططه ومقرراته" ووضع مشروع لكل عمدة مستخلص من خطة الرئيس العامة، إضافةً إلى الشؤون الطارئة وشؤون المناطق الحزبية ودرس الموازنة وإقرارها ورفعها إلى الرئيس "للمصادقة واتخاذ قرارات إدارية عامة".

والعميد مسؤول عن وضع مشاريع عمدته، ومسؤوليته هي إتجاه الرئيس (الزعيم سابقاً) رأساً.

تعقد الجلسات إجمالاً برئاسة رئيس مجلس العمد، ويمكن أن يحضرها الرئيس إذا دعت الحاجة، لا سيما في الظروف الخطيرة وأثناء دراسة الموازنة وتوزيع بنودها على العمدات المختصة والقيمة المحددة لكل عمدة وفقاً لخطته الشاملة لمجمل قضايا الحزب القومية، وهو يعمل على تعيينهم بالنظر لكفاءتهم في تنفيذ بنود الخطة التي تؤكد على سعة إطلاعه ومعرفته بالقضايا الجوهرية العالمية. فهو يوجه العمد إلى ما يجب أن يقوموا به، ويكون لهم قدوة وخير مثال.

وتتوزع الأعمال على العمد وفقاً للاختصاص. وفي هذا الخصوص يقول سعادة في (العدد 50 من الزوبعة تاريخ 15/8/1942) "إن فكرة التنظيم الاختصاصي هي فكرة جديدة أوجدتها في سورية والشرق العربي الحركة السورية القومية الاجتماعية". وكان سعاده يختار العمد وبقية المسؤولين للمؤسسات السياسية، ممن يملكون موهبة إدراك "مراتب التخطيط السياسي في تفكير الزعيم وطريقته في معالجة الأمور". (من رسالته إلى ميشال أبو رجيلي 7/7/1946)، وعلى أن "يجتازوا امتحاناً في تاريخ الحزب ووحدة سياسته وإدارته واستمرارها... ويحملون صفات تؤهلهم للتخطيط السياسي (الذي) هو عمل دقيق جداً..." (من رسالة الزعيم إلى نعمة ثابت 5/9/1946).

ويؤكد على ذات المعنى في رسالته إلى هشام شرابي (23/8/1948) بقوله: "وإني أرحب كثيراً برأيك في تقسيم العمل بين اختصاصيين وهو ما كان من جملة قواعد التنظيم الحزبي التي وضعت تشاريعها".

ويعرض "لمزاج" أسد الأشقر في رسالته إلى الأب بولس مسعد (2/8/1946)، معتبراً فيها أن "التخطيط السياسي هو عمل دقيق جداً لا يمكن بلوغ أحسن النجاح فيه بواسطة الأفكار اللامعة". كل ذلك للتأكيد على مسؤولية العميد السياسية الخطيرة التي تستوجب صفات ممتازة ومؤهلات علمية تمكنه من القيام بواجباته على أكمل وجه.

لقد كان سعاده يعين كل عميد أو مسؤول في عمدة وفقاً لاختصاصه - فلا يعين مثلاً طبيب صحة عامة عميداً للاقتصاد - أي بناء للمادة الأولى من المرسوم الأول، بخلاف ما يجري اليوم من تعيينات! فلا تقسيم للعمل وفق التخصص، ولا يُعمل لتاريخه بالرتب، وبالتالي فلا أهلية ولا خبرة ولا كفاءة بالمعينين أيضاً لتاريخه لأنهم لا يحملون الرتبة الموازية للمسؤولية التي يتحملونها. وبالتالي لا يُعمل بدستور سعاده في هذا الشأن على الإطلاق (المادة الخامسة من الدستور الأساسي: الرتب والوظائف).

فريق عمل

وقد عانى سعاده في بداية عمله الحزبي أشد المعاناة من قلة خبرة وأهلية المعينين لمسؤولية عميد أو وكيل عميد... كما تعاني مختلف قيادات الحزب منذ استشهاد سعاده لتاريخه من المستوى المتدني للمسؤولين على مختلف مستوياتهم بسبب قلة الخبرة والمعرفة بالقواعد الحزبية. ففي بداية العمل السري، وبعدما كبُرَ حجم أعضاء الحزب. عيّن سعاده بعض الرفقاء لتحمّل مسؤولية عميد في مجلس العمد. وقد لاقى صعوبة كبيرة في الجلسات الأولى لإجراء تفاهم فيما بينهم، وفي مساعدتهم للعمل كفريق. كما يعرض لجلسات أول لجنة إذاعية في عمدة الإذاعة وأجواء المنافسات الفردية والمشاحنات بين أعضائها مما اضطره للتدخل مراراً لحلها (مقالته النزعة الفردية في شعبنا – الزوبعة 1/8/1941)، وكيف أنه أنشأ بعض اللجان والمجالس لإدارة جريدة "سورية الجديدة" وكيف أنهم أخفقوا في العمل كلجنة لها اجتماعاتها المنظمة أو كمجلس له جلساته التي تُدَّون فيه كل أعماله.

وقد أعلمني عبد الله قبرصي أول عميد إذاعة، أن سعاده وضع له أول بيان ومشروع لعمدته. وأنه صرف جهوداً مضنية لتدريبه هو وبقية العمد على الأعمال الأولى للعمدات لاسيما العمل كفريق، وكيفية تنظيم هذه العمدات وانطلاق أعمالها ووضع مشاريعها المفيدة لنهضة الأمة.

ويورد سعاده في رسالته إلى وكيل عميد الإذاعة بتاريخ 20/8/1948 – بُعيد عودته من مغتربه القسري – كيف أن الأخير لم يطلع على مسؤوليته وصلاحيته المدونة في الدستور. وأنه تسلم مسؤوليته "بغير وضوح" وإنه تجاوز "صلاحيات وكالة العميد". ويتابع سعاده مخاطباً الوكيل قائلاً: "... إنكم لم تعرفوا تماماً ولا تزالون تجهلون اليوم، كما تثبت رسالتكم التي أجيب عليها الآن، الصلاحيات والمسؤولية التي تتحملونها. فقبل ذلك التاريخ كنتم تقومون بجميع صلاحيات العميد التي لا يجوز دستورياً لوكيل العميد القيام بها. ومن أهم هذه الصلاحيات صلاحية التعيين، التي توجد نصوص دستورية متعددة إنها من اختصاص العميد فقط. وقد استعملتم تلك الصلاحيات بدون مشورة أو رجوع إلى مستند دستوري".

هذه عينة مما لاقاه سعاده في بداية تأسيسه الحزب، وفي المغترب وبُعيد عودته إلى الوطن عام 1947. وما زال هذا الأمر مستمراً!!

عود على بدء، لما كان رئيس الحزب هو رأس السلطة التنفيذية – نظامنا رئاسي كما بيّنا آنفاً – فالرئيس يختار على مسؤوليته أعضاء مجلس العمد، الذين يتولون إدارة المصالح العامة الرئيسية، هم معاونوه في "إدارة الحزب وممارسة السلطة التنفيذية". وهو يختارهم على أساس مؤهلاتهم وكفاءاتهم واختصاصهم العالي، على أن يكونوا من حملة الرتب على المستوى السياسي. مما يسمح لهم بالعمل في هذا الميدان الشديد التعقيد في عالم المصالح القومية والنزاعات على الموارد والمواقع الإستراتيجية. وتنظيم حياة الشعب وتأمين مصالحه الحيوية.

ويشرح سعاده معنى المصلحة العامة من الناحية العلمية في الفصل السابع: الإثم الكنعاني من كتابه العلمي "نشوء الأمم" – هي مصلحة عامة لأنها تهم كل أبناء الشعب السوري، ويمكن إنشاء "إدارات" أو "مصالح خاصة" داخل كل منها، نتيجة التقدم والتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وكلما نمت الحاجات، ازداد عدد المصالح التي تجمع أبناء المتحد في "عروة وثقى" لا تنفصم بين أبناء الشعب الواحد.

وحول هذا الشأن يقول في نشوء الأمم (الفصل السابع): "كلما ارتقى المتحد في ثقافتيه المادية والعقلية ازدادت المصالح المعينة التي من شأنها ترقية الحياة الجيدة وتجميلها". وبالتالي فإن عملية التشريع لعمدات جديدة كما هو جارٍ اليوم يخالف أبسط القواعد العلمية والعملية لإنشاء المصلحة العامة الرئيسية. كما شرح معناها في دستوره ورسائله من النواحي الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية.

إن كل عمدة هي مؤسسة قائمة بذاتها، لها قانونها الخاص ومصالحها الداخلية التابعة لها. ويُتابع العميد كافة أعمال العمدة عبر المؤسسات الخاصة (الداخلية)، حيث يساعده في عملية الإشراف عليها وكيل عميد وناموس للأمور المكتبية. وتقوم هذه المؤسسات بالمهام المنوطة بها من ضمن الخطة الموحدة للعمدة، وبالتنسيق الكامل مع بقية العمدات. وكل ذلك بالتوافق مع خطة الزعامة أو الرئاسة حالياً، وانسجاماً مع المبدأ الأساسي الثامن: "مصلحة سورية فوق كل مصلحة".

فمجلس العمد مسؤول عن تنفيذ سياسة رئيس الحزب التي تمثلها خطته الموزعة في شتى الحقول (أو المصالح العامة) والتي تهم المجتمع السوري. فهو إحدى المؤسسات السياسية الكبرى التي تسهر على مصالح الشعب والدولة السورية، وتنظيم الشعب في مؤسسات اجتماعية تحقق وحدته وترفع مستواه الثقافي والاجتماعي والاقتصادي.

ويتمحور نشاط مجلس العمد على خلق بيئة عمل موحدة، فهو يجب أن يعمل كفريق رياضي أو موسيقي متناغم حيث يوزع رئيسه الأعمال ويتابعها لتحقيق النجاح، في خلية عمل متناسقة ومتكاملة يصدر عنها ما يوحي بوحدة عملها فتصيب الأهداف المطلوبة ، كل ذلك لإنجاح مشروع الرئاسة كل فيما يخصه وبما وُضع له من مهام ليتمكن من إنجاز القضايا الجوهرية في خطة الرئاسة أو بعض الأعمال المطلوب متابعتها، إضافة إلى التوجهات الإجمالية والمواقف العامة للرئاسة وأوضاع المناطق الحزبية والزيارات إليها. وفي هذا الخصوص يمكن إيراد علاقة عميد الاقتصاد بالمنطقة عبر مجلس المنفذية الذي يقترح المشاريع الاقتصادية المنوي إقامتها في المنطقة، فيدرسها العميد ويعرض دقائق المشروع على مجلس العمد و...

يتابع المجلس أعمال هذه المؤسسات الاجتماعية في المناطق واضطراد نموها وتقدمها. كما يسهر على الوضع السياسي العام للدولة القومية في كافة مصالحها العامة، لاسيما منها إقرار الموازنة العامة ورفعها إلى الرئيس والمساهمة في تنفيذ خطة الرئيس العامة وكل عميد وفقاً لاختصاصه.

تنفيذ سياسة الرئيس

واضح مما ورد في نص المادة الخامسة من المرسوم الأول لسعاده حول صلاحية مجلس العمد، أنها تتضمن تنفيذ سياسة الرئيس (الزعيم سابقاً) وخططه ومقرراته. كما أكدت المادة السادسة على ذات المنحى لجهة صلاحية العميد التي تتناول وضع مشاريع عمدته "لتأمين تنفيذ سياسة الرئيس (الزعيم) العامة، و"تنفيذ سياسة عمدته المقررة والمصدقة" وإنه مسؤول عن "سياسة عمدته ومسؤوليته تجاه الرئيس (الزعيم) رأساً. لا تجاه أي مرجع آخر مثل المجلس الأعلى مثلاً!! وتتناول مسؤوليته بالطبع أعمال وأنشطة كل الدوائر المنشأة ضمن عمدته. مما يخالف نص المواد المعدلة في الدستور الأخير (عام 2010): 6-7-8-9 من القانون الدستوري عدد 1 والمادتين التاسعة والعاشرة من القانون الدستوري عدد 17 (صلاحيات رئيس الحزب) وغيرها...

من الثابت في تاريخ الحزب أن الزعيم كان يحضر أحياناً بعض جلسات مجلس العمد، ويوجّه الأعضاء إلى ما يُحسن القيام به من أعمال ووضع الخطط. كما كان يكتب لأحد العمد رسالة فيها توجيه خاص لما يجب القيام به، أو ملاحظاته على بعض أعمال هذا المجلس وخططه، لإعادة إرساء طريقته السابقة – قبيل اغترابه القسري – في التعامل مع المسؤولين، وترسيخ عملية البناء الحزبية النظامية. فكتب إلى عميد المالية عبد الله محسن وعميد الدفاع جورج عبد المسيح، وإلى عميد الثقافة والفنون الجميلة فايز صايغ، ووكيل عميد الإذاعة وديع الأشقر. كما كتب رسالة إلى رئيس مجلس العمد وأعضاء مجلس العمد فيها توبيخ على أعمالهم جميعاً لتخلفهم وتقصيرهم في قيامهم بواجباتهم. كما كان يعقد بعض الاجتماعات مع بعض المسؤولين لجلاء بعض الأمور. ويشير في هذا الصدد الأمين إبراهيم يموت في كتابه "الحصاد المر" إلى تدوينه محضر لقاء بين سعاده وبعض المسؤولين في عمدتي المالية والإذاعة حول أوضاع المخيم الحزبي والإفراج عن جريدة الحزب بتاريخ 14/8/1948. كما ورد في كتاب "صدر عن مكتب الزعيم" في الصفة 104 منه: "جلسة مجلس عمد" بتاريخ الإثنين في 29 مارس 1948، بحضور الزعيم وعميدي المالية والتدريب والوكلاء: الداخلية، الإذاعة، المالية والتدريب".

ويعين لكل عمدة، وكيل عميد للإشراف على تنفيذ قرارات العميد ولمتابعة الشؤون الإدارية لخطة العميد المرتكزة على الخطة العامة للرئيس، ومشاركة العميد في وضع مشاريع العمدة الإدارية والتنفيذية. و"النيابة عن العميد حين غيابه إلاّ في مجلس العمد فلا يحضره وكيل العميد" (المادة 9) مما يعني أن الوكيل يتابع كافة الشؤون الإدارية للعمدة ليتفرغ العميد للشأن السياسي العام للعمدة. لاسيما التطبيق العملي لقرارات العميد، ومتابعة كافة الشؤون المتعلقة بأعمال العمدة وتوجهاتها العامة والمواقف التي يجب اتخاذها إزاء مجريات الأمور والأحداث على مسرح الوطن، إضافة إلى متابعة شؤون المنفذيات في مختلف أرجاء الوطن.

أما ناموس العمدة فمسؤول عن تسجيل أعمال العمدة ووقائع جلساتها. مما يعني أن العمدة تعقد جلسات برئاسة العميد لاتخاذ القرارات المناسبة بالتعيينات الملائمة في العمدة والمنفذيات. لاسيما تعيين بعض الأعضاء في بعض الدوائر التابعة للعمدة أو تعيين ناظر في هيئة منفذية وخلافه من الأعمال الإدارية. كما يتابع الأعمال المكتبية من تدوين وحفظ المستندات.

الإدارات الفرعية

وحددت المادة الحادية عشرة: أن "لكل عمدة مصالح خاصة وقانون داخلي". مما يعني – كما سبق القول – أنه يُنشأ داخل كل عمدة إدارات فرعية خاصة يتابع العميد أعمالها. كما ويقترح القوانين الداخلية لانتظام عمل هذه الإدارات وتعاونها لمصلحة الحزب والاختصاص والرتبة (المؤهلات) التي يجب أن يحوزها كل من يعين في إحدى إداراتها أو في هيئات المنفذيات. ويُحدد في القانون المواصفات والخبرات والكفاءات التي يجب أن يحملها أو يتمتع بها كل من يُقترح للتعيين في مسؤولية رئيس دائرة وناموسها في العمدة. أو الناظر في المنطقة. فلكل مصلحة عامة تنظيمها الداخلي الذي يُوضح الأعمال المنوطة بها، والاختصاص الذي يجب أن يحمله كل مسؤول فيها، إضافة إلى الرتبة على المستوى السياسي التي يجب أن يحملها للعمل في جهاز سياسي مركزي. كما أن لكل مصلحة خاصة قانونها الداخلي الذي يحدد وجودها، ووظيفتها وكيفية تعاونها مع المصالح الأخرى داخل العمدة. ولأجل هذه الغاية يقترح العمد مشروعاً يقره مجلس العمد، ويرفعه الرئيس إلى المجلس الأعلى لإصدار تشريع بشأنه.

والحقيقة أنه لم يتسنَّ لسعاده أن يضع كافة التنظيمات لكل هذه المصالح العامة والخاصة والقوانين المرافقة لأعمالها واتجاهها. فهو وضع على سبيل المثال القانون الداخلي للندوة الثقافية، الوارد في قانون الندوة الذي وضعه في 25 إبريل 1948 والذي لم يُطبق لتاريخه. وكان على تلامذته بعده، وخاصة المسؤولين منهم، أن يتنكبوا هذه المهمة التنظيمية ليضحى لدينا مؤسسات ذات نُظم وقوانين. وهذا ما تخلفنا عنه لتاريخه. فلم نعمد لإنشاء دوائر للإحصاء والأحوال الشخصية والزواج المدني في عمدة الداخلية، لاسيما أن سعاده يطلب إلى القوميين تسجيل زواجهم في "سجلات الدولة السورية القومية الاجتماعية". تدليلاً على انتمائهم للدولة السورية الجديدة التي ينشدون بناءها. كما أن عمدة الداخلية حلّت محل عمدة القضاء في فرض العقوبات كما هو جارٍ لتاريخه في مخالفة صارخة لدستور الحزب.

أما داخل عمدة المالية، وتنفيذاً للمرسومين الخامس والسادس، فإنه يُفترض إنشاء دوائر: احتساب الضريبة، الجُباة وإعداد الموازنة للعمدات والمنفذيات و... وداخل عمدة القضاء، إنشاء المحاكم والمؤسسات القضائية والعدلية. ودوائر داخل عمدة الاقتصاد (وهي عمدة فريدة من نوعها من حيث عدم وجود مثيل لها في أحزاب الدول المتمدنة) لإنشاء مصانع ومعامل وتعاونيات زراعية لزيادة الإنتاج وتوزيعه بالعدل على المنتجين. ودوائر داخل عمدة الثقافة والفنون الجميلة للمسرح والسينما والإذاعة والأدب والشعر والموسيقى، ونذكر في هذا المجال المحاولات الحثيثة من قبل الرفيق الفنان توفيق الباشا لإنشاء فرقة للإنشاد وقد باءت محاولاته بالفشل. ودوائر داخل عمدة الإذاعة: للصحافة والنشر والتحرير الصحافي والإعداد الإذاعي و... ودوائر داخل عمدة الدفاع كما في زمن سعاده: مجلس أعلى مختص، مكتب أعلى مختص، قيادة التدريب العام، رئاسة اركان التدريب، العدد المجهول، وفرق وتشكيلات فدائية ورؤساء مخافر ودوائر أخرى عديدة ضمن كل مصلحة خاصة...

هذه المصالح الخاصة الأخيرة، كان سعاده قد وضعها قبل سفره عام 1938 إلى المغترب، ولذلك فإن الظروف الحالية ترتب علينا مضاعفة عددها في زماننا الحاضر انسجاماً مع تطور أوضاع المجتمع والدولة ومؤسساتها العديدة، للقيام بالأعمال الضرورية التي تساهم في لُحمة الشعب ومضاعفة وعيه القومي.

ويذكر إبراهيم يموت في كتابه "أضواء على العقيدة القومية الاجتماعية" صفحة 341 حول هذا الشأن الحيوي لاسيما بعد إعلان قيام الدولة اليهودية على أرض جنوبنا السوري وإعطاء سعاده هذا الموضوع أولوية على ما عداه: "تحضير أجهزة قيادية شابة قرّبها منه وأعطاها الكثير من وقته ورعايته. اهتم بالتدريب العسكري السري لمجابهة اليهود واختار لذلك قوميين منتخبين، كما أنشأ صفاً للضباط أشرف عليه هو شخصياً وخصّص لتدريبه ضباطاً كباراً من الجيش اهتموا بصورة خاصة بحرب الشوارع والمقاومة. كما شكّل جهازاً سرياً ضمّ الجنود والضباط القوميين الاجتماعيين في الجيش اللبناني والشامي وأوكل إدارة هذا الجهاز لمسؤول عالي الرتبة". ويتابع إبراهيم يموت أن سعاده "شكّل جهاز الاستقصاء – المخابرات – ليحصل بواسطته على أخبار التحركات السياسية والعسكرية في الكيانات...".

صاغ سعاده هذه المصالح الخاصة داخل العمدات لإنشاء دولة المؤسسات بسبب غياب المؤسسات السياسية القومية في بلادنا. فقد كانت المؤسسات السياسية والاقتصادية العتيقة الموجودة في سوريانا تعكس الواقع المتخلف الممزق لوحدتنا الاجتماعية والمرتبط بالمصالح الأجنبية. وكما سبق القول، إن وجود هكذا مؤسسات جديدة أذهل خبراء دولة الانتداب الفرنسي. ذلك لأن الأحزاب التي عرفتها أوروبا "المتمدنة" والتي حكمت أقسام عديدة من قارات العالم. كانت تملك فقط أجهزة إعلامية وأخرى مالية لجمع التبرعات وجباية تكاليف الدعاية والانتخابات. فسعاده قد تقدّم على الأحزاب الأوروبية بإنشائه "عمدات" أو مصالح عامة رئيسية، امتاز حزبه بها منذ نشأته بوجود مؤسسات كعمدة الاقتصاد لرعاية المؤسسات الاقتصادية في المناطق (مجلس المنفذية)، وإنشاء الاقتصاد القومي ذا البعد الاستراتيجي ومؤسسات ثقافية ترعاها عمدة ثقافة وفنون جميلة، ومحاكم ترعاها عمدة قضاء. ومؤسسات عسكرية وأمنية ترعاها عمدة دفاع. هذا إضافة إلى الجيش القومي الذي كان يعمل على بنائه في بداية الثلاثينات لمواجهة كل الأخطار المحدقة بالأمة والوطن. فقد جهز فرقة للمشاركة في تحرير الاسكندرون بعد اغتصابها من قبل تركيا. كما باشر بتجهيز جيش لإنقاذ فلسطين عام 1948 لمواجهة الخطر اليهودي على الجنوب السوري. في حين أن "مجالسنا العليا" تتخذ قراراً بوقف عمليات المقاومة في أوائل التسعينات!

ومنذ البدء أيضاً، صاغ سعاده قانوناً مالياً لتحديد الضرائب المركزية وآخر للضرائب المحلية لبناء الدولة المستقلة. وقد تخلفت كل القيادات اللاحقة عن العمل بمضمونهما. ومن المعلوم أن سعاده قد أولى الشأن الاقتصادي اهتماماً عالياً في كتاباته، كما أورد في صلاحيات مجلس المنفذية (المرسوم الرابع الذي لم ينفّذ لتاريخه) "درس مشاريع وتدابير سياسية ومالية واجتماعية واقتصادية محلية". فالمجلس يدرس مشاريع اقتصادية ويرفعها إلى عمدة الاقتصاد لدرسها نظامياً وإقرارها لترقية المستوى الاجتماعي والاقتصادي لأبناء المتحد. وإهمال العمل بهذا المرسوم يُعطّل عمل عمدة الاقتصاد وبالتالي فإنه يُعطّل إنشاء الاقتصاد القومي الاجتماعي الذي أتى سعاده على ذكره في المبدأ الإصلاحي الرابع. كما أننا نجد العديد من الإشارات في كتاباته ورسائله التي تؤكد على الأهمية التي أولاها سعاده للشأن الاقتصادي لهناء أبناء الأمة ورغد عيشهم.

ومن المعلوم، أن سعاده قد أشاح بنظره عن الديمقراطيات التمثيلية في أوروبا، ليبتدع لأمته ديمقراطية جديدة هي في صلب غاية الحزب: النظام الجديد. والتي تمتاز عن كل تلك "الديمقراطيات" بمبدئيّ الكفاءة العلمية والأخلاقية أو النضالية، اللذين يعتبران شرطين أساسيين يجب توفرهما في من يتولون وظائف عامة أو خاصة في المجتمع والدولة وفق ما جاء في المادة الخامسة من الدستور: "نظام الحزب مركزي تسلسلي حسب الرتب والوظائف..." إنها المادة التي تُعرّف نظامنا الحزبي ولم نعمل لتاريخه على تطبيقها إطلاقاً.

دستور "الطائف"

أصدر أول مجلس أعلى بعد استشهاد سعاده، أول تعديل على مضمون المرسوم الأول عام 1951. فورد في المادة 16 من المرسوم 8: أن رئيس الحزب "ينتقي" أعضاء مجلس العمد "لمعاونته في ممارسة الصلاحيات التنفيذية المنصوص عنها في المادة الثانية عشرة من الدستور وفي تنفيذ قرارات المجلس الأعلى...". هكذا، يكون هذا التعديل قد جعل من مجلس العمد مشاركاً للرئيس في صلاحياته التنفيذية، خلافاً لنص المادة 12 من دستور سعاده التي استند التعديل إليها والتي جاء فيها ما يلي: "يكون للرئيس المنتخب السلطة التنفيذية فقط". فكان هذا أول تمهيد "لمقاسمة" الرئيس سلطته التنفيذية. وتوالت التعديلات منذ ذلك الحين، حتى أصبح رئيس الحزب مؤخراً مجرد عضو في مجلس العمد، على نحو "دستور" الطائف اللبناني الذي حجّم صلاحيات الرئاسة إلى مجرد إدارة مجلس الوزراء.

وهذا ما نلمحه في كل التعديلات المتتالية، حيث تحوّل رئيس الحزب إلى مجرد مسؤول إداري يتابع أعمال العمد، حيث يجري التصويت على المقررات كما في جلسات مجلس الوزراء اللبناني حتى أعاد التعديل الأخير عام 2010 الحق للرئيس باتخاذ قراراته في مجلس العمد! وفي بعضها بمشاركة مجلس العمد وتحت سلطة المجلس الأعلى!؟ كما يجب أن يوافق المجلس الأعلى على العمد المختارين لتسلم المصالح العامة الرئيسية، كل ذلك في إهمال كلي لمضمون المرسوم الأول (المادة الأولى) الذي وضعه سعاده.

وفي هذا المجال، جاء في بيان رئيس الحزب عصام المحايري في أول آذار 1987 ما يؤكد هذا المنحى بقوله:

"أن النظام نفسه سقط بالتغييرات الدستورية التي قوضت مركزيته، وتسلسليته. ومبدأ الفصل بين السلطات فيه، وأثمرت تشتت السلطة التنفيذية بين مصدر السلطة التنفيذية الدستوري، وهو رئاسة الحزب، وبين منهج التشتيت الذي جعل العمد مجموعة رؤساء بدل أن يكونوا معاونين. وجاء تداخل السلطات بين مجلس العمد والمجلس الأعلى. وتفريغ الرئاسة من مضامينها، والمسار العملي يشير إلى أن هم أصحاب هذه التغييرات كان تقويض نظام الديمقراطية التعبيرية في أشكاله وأسسه معاً. وفي التكوين البشري لقيادته".

ويُعمل بهذا الأمر أيضاً لدى الفريق الحزبي الآخر، حيث ينفذ مجلس العمد مقررات المجلس الأعلى (قيادة جماعية). وهكذا أصبح مجلس العمد يُنفّذ قرارات المجلس الأعلى. والرئيس لا يضع خطة سياسية وقومية عامة للوطن السوري. بل هو ومجلس العمد مجرد جزء من إدارة المجلس الأعلى. مما يُلغي مبدأ الفصل بين السلطات الذي أقره سعاده في دستوره. وبذلك جرى إلغاء مضمون المادة الخامسة من المرسوم الأول المتضمنة "صلاحية مجلس العمد".

وما يجدر الإشارة إليه، أنه طوال تاريخ الحزب – بعد استشهاد سعاده – لم تُنشئ "القيادات" المتعاقبة مؤسسات الدولة السورية، فلم تحوّل كل مصلحة عامة رئيسية (عمدة) إلى جملة مؤسسات خاصة، وهي بالتالي لم تُشرّع القوانين اللازمة لأعمالها وفقاً للمادة 11 من المرسوم الأول: "إنشاء مصالح خاصة" مما ينفي تسمية المؤسسة عن كل من العمدة ومجلس العمد على السواء. ولم تعمد هذه "القيادات" لتعيين أصحاب الكفاءة والخبرة لبعض العمدات، وأُكتفيَ بتعيين بعض الرفقاء لمسؤولية عميد دون أن يحظوا بالمؤهلات العلمية والعملية المطلوبة. كما لم يُعمل ببعض العمدات كالقضاء والخارجية والاقتصاد والثقافة والفنون الجميلة سوى لفترات قصيرة طوال تاريخ الحزب، والتي كان عملها أكثر الأحيان هامشياً وسطحياً. فلم يجرِ مثلاً إنشاء الندوة الثقافية وفقاً لقانون سعاده الصادر بتاريخ 25/4/1948. كما لم تُنشأ جمعيات ثقافية في المناطق كما فعل سعاده عندما أنشأ في الأرجنتين عام 1940 "الجمعية السورية الثقافية" ووضع لها نظاماً وأنشأ لها فروعاً في المغتربات الأميركانية خلال فترة اغترابه القسري.

باختصار كلي، لم يعمد من عُيِّن لوظيفة عميد لتحويل عمدته إلى مؤسسة، فلم يضع قانوناً لأعمالها ومهامها. وأُكتفيَ بالمجهود الشخصي لكل عميد دون أن يضع الأولويات القانونية والعملية لإنشاء أجهزة مختصة في العمدة. لذلك لا نشهد عمدات ذات جذور وصاحبة إرث عملي وإداري وقانوني. كل ذلك في تجاهل كلي لمضمون دستور سعاده في هذا الشأن الحيوي. فسعاده، على سبيل المثال لا الحصر أنشأ إدارات ودوائر في بعض العمدات، أتى على ذكرها في آثاره المنشورة لاسيما رسائله، كما في عمدات الإذاعة والدفاع والثقافة والفنون الجميلة.

من جهة أخرى، شهدنا عمليات "استحداث" عمدات جديدة تقليداً لبعض الدول، أو ترضية لبعض الأشخاص، وعمدنا إلى غض النظر عن بعض المصالح العامة الرئيسية الضرورية لحياة الحزب وإكسابه الحيوية المطلوبة لإعطاء انطباع أن الحزب "يتقدم" و"يتطور" مثل، عمدات: التنمية الإدارية؟ المعلوماتية؟ العمل: لتأمين الأعمال للرفقاء؟ البيئة: ربما لتوزيع أشجار على المناطق؟ والتربية: أين المدارس التي تديرها والمناهج التربوية التي تضعها أجهزتها؟.. وكان الأجدر نفعاً، لو أُنشئت مكاتب في البداية وتطور العمل من خلالها لإنشاء عمدات تشمل بعملها كل أرجاء الوطن السوري، لا بقعة صغيرة منه أو نشاطاً ثانوياً من أنشطته! وذلك عملاً بما أتى عليه الزعيم في كتابه العلمي نشوء الأمم حول نشوء المصالح الجامعة الموحدة بين كافة أبناء الشعب الواحد.

قد أنشأ سعاده عام 1936 (مكتب عبر الحدود) للاهتمام بالرفقاء المهاجرين والمنتشرين في العالم. وصاغ لهذا المكتب برنامجاً جلياً يمكن استخلاصه من رسالتين وجههما إلى كل من أسد الأشقر (تاريخ 23/7/1939) وغسان تويني (تاريخ 4/8/1946). ويشكل مضمون الرسالتين قانوناً داخلياً لأعمال وأنشطة المكتب المذكور.

وقد جرى بعد استشهاد سعاده إنشاء عمدة شؤون عبر الحدود، مما يخالف عمل المكتب الذي له علاقات مع كل العمدات - وحُصر عمله في متابعة شؤون الفروع الحزبية المنشأة في المغتربات وهذا عمل من الضروري متابعته من قبل العمدات المختصة. على أن يهتم المكتب بشؤون الجاليات السورية في المغتربات.

إنه لمن المؤسف والخطير في آن معاً، أن تصاب حركتنا النهضوية في غفلة من الزمان باختراق بعض الفاسدين مراكز القرار فيها على شاكلة نعمة ثابت وسواه. فقد حصل لدى بعض القيادات عملية "فتاق" عقلي عبر رفع معتمد فلسطين إلى مستوى عميد دون مصلحة لإدارة شؤون فلسطين. كما جرى تعيين وكلاء عمد للداخلية والإذاعة والاقتصاد و... لإدارة شؤون الكيان الشامي في زوغٍ عام عن المرسوم الأول. وكان سعادة قد كتب مقالة واضحة في جريدة الشمس (العدد 288 تاريخ 5/8/1947) عنوانها "نعمة ثابت بطل الخيانة" لاقترافه ذنب السقوط في مستنقع الكيانية والقبول بنتائج معاهدة سايكس – بيكو! والتي اعتبرها عصام المحايري "مرونة سياسية" في برنامج تلفزيوني معاد على شاشة (N.B.N.) تاريخ 22/1/2012.

ولا بد من الإشارة في هذا المجال، إلى عمدة المالية التي لم يعمد العمد الذين تسلموا إدارتها إلى تطبيق المرسومين الخامس والسادس. الأول يتضمن "القانون المالي" الذي لم يُحظ طوال تاريخ الحزب بتطبيقه كما ورد، لاسيما لجهة تحديد الضرائب المركزية وذلك عبر التشريع لها من قبل المجلس الأعلى. والثاني "قانون الضرائب المحلية" الذي لو جرى تطبيقه لاستغنت المنفذيات عن "مد يدها" إلى عمدة المالية للاستعانة بها لدفع المخصصات المالية للمتفرغين فيها، ولتكوّن لديها احتياطي مالي كبير يمكنها من إنشاء مشاريع حيوية لرفع شأن أبناء المناطق من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المرسوم الرابع).

وفي رسائل سعادة العديد من الإشارات إلى أعمال العمدات ومجلس العمد. ونذكر على سبيل المثال رسائله العشر إلى غسان تويني ورسالته إلى نعمة ثابت قبيل عودته إلى الوطن، وقد تناول معظمها التعليق على أعمال عميد الثقافة والفنون الجميلة فايز صايغ من النواحي: الإدارية، النظامية، الدستورية، الحقوقية والفكرية... ومما أتى في بعضها: "إن رسالة عمدة الثقافة مقررة..." و"أن عمدة الثقافة ككل عمدة أخرى من عمدات إدارة الحزب السوري القومي الاجتماعي لم تنشأ دستورياً "لخدمة الأمة" بإرادتها وأمرها، بل لتحقيق بعض غايات المنظمة التي صدرت عنها.." و"ضرورة تخطيط كل عميد سياسة عمدته العملية في تطبيق ما يخصّ عمدته من غاية الحزب وخطته الأساسية..." و"العمدة مسؤولة اتجاه المنظمة... وتحقيق غاية المنظمة وفاقاً للدستور..." و"عدم حرمان العميد حق إثبات أو إبراز شخصيته ومواهبه...". "وإن كل مؤسسات الحزب لديها مسؤولية كلية لإداء رسالة النهضة".

وتجدر الإشارة إلى أن سعاده كان قد حلّ آخر مجلس عمد في حياته بتاريخ 17/5/1949 لعدم تعاونه وقيامه بواجباته القومية في أحلك الظروف وأصعبها. وجاء في حيثيات القرار ما يأتي: "... بناء على وجود رئاسة مجلس العمد في حالة إسمية فقط كما تحققت من يوم عودتي إلى الوطن بسبب الظروف الخاصة التي يجد حضرة الرئيس نفسه فيها... وبناء على العجز الإداري المركزي الذي يعانيه الحزب من مدة غير يسيرة.

وبناء على ضرورة إعادة تنظيم مؤسسات العمد ومجلس العمد التي يترقب الزعيم الفرصة لتحقيقها من زمان.

وبناء على فقدان الجد وتفشي المزاح وخرق هيبة الإدارة المركزية بالطرق الكيفية التي كان من نتائجها بعض حوادث مؤسفة...".

بعد حلّ سعاده مجلس العمد هذا أنشأ مجلساً لوكلاء العمد من رفقاء أصحاب اختصاص. وقد جرى الاستغناء عن أعضاء هذا المجلس الأخير في أول مجلس عمد جديد بعد استشهاده.

نستخلص من هذه القراءة أن: مجلس العمد ينفّذ "سياسة" الرئيس، هذا في حال كان للرئيس خطة. وأن هذا المجلس يأخذ توجيهاته من رئيس يحمل مؤهلات وكفاءات ممتازة ليستطيع الإشراف على مؤسسة العمد، فينظم ويُفعّل طاقات عناصرها في الاتجاهات المطلوبة كونهم أصحاب الاختصاص العالي والرتب السياسية لتولي المهام العليا في الدولة وليقوموا بعملهم خير قيام لمصلحة سورية وعزتها.

نحن في الزمن الصعب، والحاجة إلى حزب سوري قومي اجتماعي وفقاً لدستور سعاده بات ضرورة ملحة للنجاح القومي. ولا شكّ أن هذا الحزب يتعاظم دوره بفضل إرادة وتخطيط وعزم وصمود وتضحيات أعضائه المؤمنين بقضيتهم، الذين يمثلون أسباب النهوض والانتصار.


في حلقتنا التالية: السلطة القضائية (الثالثة).

--------------------------------------------------------------------------------

(1) عب الشمس نورها

(2) الجلهمة: فم الوادي أما الجلهمي فهو نسبة إلى رجل من حي من ربيعة يقال لهم الجلاهم.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه