شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2012-04-21
 

قرأتُ معركة ميسلون

الياس عشّي - البناء

عندما فكّر العرب في مغادرة عصر الانحطاط والدخول في مشروع الحداثة، كان عليهم أولاً أن يُحيوا تراثهم الأدبي القديم، وأن يعيدوا للغة العربية ثانياً حضورها النحْوي والبلاغي، وأن ينفتحوا ثالثاً على عالم جديد بدأت ملامحه تتغيّر منذ اكتشاف الطباعة وسقوط سجن الباستيل وإقصاء الدين ومنعه من التدخل في شؤون الدولة، وأن يخلعوا رابعاً العباءة العثمانية ويتنشّقوا الهواء من جديد.

خلال قرن وبضع سنين، استطاع اليازجيون والبساتنة وقاسم أمين ويعقوب صرّوف وفرح أنطون ومحمد عبده وعمر فاخوري وجبران خليل جبران وخليل سعاده وأمين الريحاني وأنطون سعاده وغيرهم كثيرون، أن يؤسّسوا للغة جديدة تناسب العصر، وأفكار جديدة تساعد في التحرر من الجهل والتعصب الطائفي والفقر والرشوة، كمقدّمة للتحرّر من الاستعمار التركي الذي استمرّ أربعة قرون وأربعة أعوام.

صحيح أن كتب أولئك الروّاد كانت بالأبيض والأسود، وصحيح أن الصور التي وصلتنا عنهم كانت أيضاً بالأبيض والأسود، لكنّ الصحيح أيضاً أن علامة فارقة واحدة تجمع بينها هي الصدق والبساطة والنزعة الإصلاحية والأمل في قوس قزح لا تغيب ألوانه عنّا بمرور الزمن.

بالأمس، احتفل السوريون بعيد جلاء المستعمرين الفرنسيين عن وطنهم، ورافقتُ باهتمام ما نقلته وسائل الإعلام من صور بالأبيض والأسود لمعركة ميسلون. كانت أصدق من كلّ القنوات الفضائية الملوّثة بالنفط والخيانة، وكان يوسف العظمة في كلماته الأخيرة وفي استشهاده على أرض ميسلون يعلن استمرار الصراع لأجل سورية حرّة ومستقلّة وسيّدة وموحّدة، ويعلن رفضه وعدَ بلفور واتفاقية سايكس - بيكو ومحادثات حسين - مكماهون. وبعد ربع قرن من معركة ميسلون خرج الفرنسيون من سورية، تماماً كما خرج الأتراك من قبل، وأعلنت سورية دولة حرّة ومستقلّة وسيّدة وموحّدة.

لكن المؤامرة عليها لم تتوقّف، ولا يبدو أنها ستتوقّف في ظلّ حكّام عرب لم يقرأوا التاريخ السوري، ولا يقيمون وزناً للسيادة والحرية والاستقلال. فالأتراك، منذ أن خرجت فرنسا من سورية، يسعون الى عبور «الباب العالي» من بوابات دمشق إلى العالم العربي برمته، وما حماستهم لقيام الدولة العبرية إلاّ دليل على ذلك. والفرنسيون، أيضاً، يسكنهم هاجس العودة إلى ضفاف بردى لأن النزعة الاستعمارية متأصّلة عندهم، كأنهم نسوا أبطال الغوطة يقاتلونهم حتى النصر.

هذا المشهد المزدوج، الفرنسي – التركي، تبدّى لي اليوم بأجلى صوره في التحالف الفرنسي - التركي الجديد ضدّ الدولة السورية، تؤازرهما السعودية وقطر وبعض حكام العرب. ولكن كما خرجت سورية، في كلّ مرة، منتصرة على المؤامرات التي تحاك ضدّها منذ استقلالها حتى هذه اللحظة، ستخرج من هذا المأزِق منتصرة، لأن ثمّةً من يؤمنون بأن المصلحة السورية فوق كل مصلحة.

وستبقى ذلك.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه