شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2012-08-17
 

لبنان و النار المستقبلية : تجنب او سقوط ؟

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

منذ ان اقتحم على سورية امنها و لفقت الاكاذيب و ركبت الحيل في اطار الحرب الكونية المتقنة التخطيط و التنظيم ، و منذ ان تطور الاقتحام مما اسمي " حضاري سلمي " كما زعم المعتدون و نفذوه في البدء عبر تظاهرات شعبية ، و منذ ان ايقن المخطط ان الشعب السوري اذكى و اكثر وعيا من الوقوع في حبائل الخدع تلك ، منذ ذاك انقلب العدوان على سوريا الى نار في الميدان يشعلها جمع غير متناسق من حملة السلاح من سوريين و غير سوريين مشكلين مليشيات مسلحة تعتمد اساليب الارهاب المنظم لترويع الناس و محاصرة الحكم بقصد الاستيلاء على السلطة .

و قد كان منطقيا ان يخشى لبنان على نفسه من نار تؤجج على حدوده الشمالية و الشرقية ، و كان منطقيا ايضاً و بحكم العلاقة الثنائية بين البلدين ان يسارع لبنان للعمل على اطفاء النار او تقديم العون البديهي و الامنتاع عن الاشتراك في تأجيجها ، لكن الواقع لم يكن كما تفرض البديهة او المنطق .

حيث ان الحكومة اللبنانية و تحت ضغوط شتى اختارت "موقف اللاموقف " ، و اسمته "النأي بالنفس عن الشأن السوري" ، و قد فسر الاطراف المشكلين للحكومة هذه السياسة بشكل متنافض و متفاوت ، ففي حين رأى " حلفاء سورية "، ان " النأي بالنفس" يعني منع تمكين احد من استعمال لبنان للمس او التدخل السلبي بالشأن السوري سواء في ذلك العمل السياسي او الاعلامي او - و هو الاهم - العمل العسكري الميداني ، وبالتالي منع استعمال الارض و الحدود اللبنانية مناطق و معابر للمسلحين المتجهين الى سورية للمشاركة بالاعمال العسكرية ضد الدولة، رأى فريق اخر ان " النأي بالنفس" يعني التغاضي عما يدور على الارض اللبنانية و عدم المساهمة باي عمل من شأنه يستفيد منه النظام هناك في سعيه لاستعادة الامن و الاستقرار. و في المجال التطبيقي انعكست هذه السياسة حيادا في الموقف السياسي و الدبلوماسي الرسمي للبنان لان وزير الخارجية ينتمي الى الفريق الاول ، لكن الامر كان خلاف ذلك في الشأن الميداني لاعتبارات مختلفة منها الرسمي و منها غير الرسمي.

اما على الصعيد الشعبي و السياسي غير الحكومي فقد كان التناقض كبيراً في المواقف ،حيث نلحظ موقفين اساسيين اثنين :

1) الفريق الاول : التزم الفريق المؤيد لسورية موقفاً اتخذه انطلاقاً من فهمه و نظرته لما يجري في سورية بانه عدوان اجنبي بقيادة صهيو-اميركية و ادوات عربية اقليمة ، ضد مكون رئيسي من مكونات محور المقاومة ، و هو عدوان يهدف للاجهاز على المحور كله و بشكل متدرج ، و بالتالي يكون الوقوف الى جانب النظام السوري نوعا من الدفاع عن النفس ، فضلاً عن كونه نصرة للشعب السوري الذي اثبتت كل الاستطلاعات انه بغالبيته يؤيد الرئيس الاسد في مسيرته الاصلاحية لكل هذا اتخذ الفريق الاول هذا موقفاً يتمثل بالدعم السياسي و الاعلامي و المعنوي للحكومة السورية و الامتناع عن اي عمل عسكري ميداني مهما كان شأنه ، خاصة و ان سورية ليست بحاجة له و ان الاستعمال الافعل للقوى هذا الفريق يكون في مياديين خارج سورية .

2) الفريق الثاني: فريق 14 اذار كان صريحاً في شهره العداء و الانخراط الميداني ضد سورية و بكل الوسائل المتاحة لديه خاصة في المجال المالي حيث التزم بتمويل اجزاء واسعة من المسلحين ، او المجال الاعلامي حيث تحولت وسائله الاعلامية المتعددة و المتنوعة الى منصات لتنفيذ الحرب النفسية ضد سورية لكن الاخطر مما تقدم كان اقدام هذا الفريق و بمساعدة من اجهزة امنية رسمية تخضع له، و بضغط على الجيش اللبناني لمنعه من القيام بواجباته في تنفيذ سياسة النأي بالنفس كما تفهمها الاكثرية المشكلة للحكومة ، فاقدم هذا الفريق على تحويل منطقة الشمال اللبناني الى قاعدة لوجستية و تدريبية و تحشد للمسلحين المتوجهين الى سورية. و قامت و بشكل واقعي ثلاث قواعد اساسية في كل من عرسال و وادي خالد و عكار ، حيث ظهرت فيها سيطرة هامة للمسلحين العاملين تحت عنوان "جيش سورية الحر " و هو العنوان الذي جمع المليشيات الخليجية التركية و الخبراء الاوربيين و السوريين الذين حملوا السلاح ضد دولتهم . و قد مارس هذا الفريق نوعا وقحا جدا من الديماغوجية الفكرية و الاعلامية و السياسية حيث انه كان يثير العواصف ضد سورية في كل مرة كانت قواتها و في معرض الدفاع عن النفس تحبط محاولة تسلل من لبنان فتسقط قذيفة في حقل او سهل او على تلة لبنانية .

و رافق هذا التناقض في المواقف تناقض في رهانات الفريقين اللبنانين على مجريات الازمة في سورية ، ففي حين ان الفريق الاول كان و لازال مؤمناً بقدرة سورية على الدفاع عن نفسها و الثبات في موقعها الاستراتيجي ، رغم انها مضطرة لدفع ثمن باهظ في سياق معركتها الدفاعية تلك ، نرى ن الفريق الثاني انخرط في االمعركة بقضه و ثضيضه و اعتبرها معركته الشخصية ، واثقاً من الربح الاكيد فيها بما يمكنه من العودة منفردا للاستئثار بسلطة لبنان و نزع سلاح المقاومة تنفيذا للارادة الاميركية الاسرائيلية ، .

امعن فريق 14 اذار و اكثر دقة "تيار المستقبل الحريري" في سلوكه لعدائس ضد سورية دعماً لما يسمى "المعارضة السورية" المسلحة ،حتى بدا لبنان و كانه يدفع دفعا نحو الانزلاق الى اتون النار المضرمة في سورية ، و هي كما نعرف مشيئة قيادة العدوان التي تريد فتنة في لبنان تتوخى منها تدمير المقاومة فيه . ونذكر بمراحل استدارج المقاومة الى قتال داخلي منذ العام 2005 ،و تصاعد تلك المحاولات في الاشهر الاخيرة عبر اقحام اسم حزب الله في كل ما يجري ، و خطف الللبنانيون ال 11 ، و شتم امين عام حزب الله لاستفزازه محبيه ، و قطع طريق الجنوب ، و هجير البعض من الشمال من طائفة محددة ،سلوكيات ما تمت الا من من اجل الفتنة التي تريدها اميركا في لبنان لكن حزب الله و جمهوره اليقظ و الواعي استطاع ان يصبر و يفشل الاستدراج و ينجو و ينجي لبنان حتى الان من النار المخطط لها.

وفي المقابل و من الملفت ان نرى الدولة اللبنانية باجهزتها الرسمية انحازت عملياً الى الفريق المعادي لسوريا و لم تبق من سياسة "النأي بالنفس" الا مواقف دبلوماسية في المؤتمرات الدولية لا تغير وجهة او مسار حداث ، حيث ان بعض القضاء اللبناني بات يتعامل مع مسلحي المعارضة السورية بشكل يؤكد اعترافاً بشرعية تسليحهم على الارض اللبنانية ، في الوقت الذي تتعامل فيه اجهزة امنية و سياسية مع ما قيل بانه نقل 150 كلغ من المتفجرات بنية استعمالها ضد المسلحين السوريين بانه كارثة و زلزال ضرب لبنان و العلاقة السورية اللبنانية، سلوك ترافق مع الانفاق من خزينة الدولة و الاموال العامة على المسلحين السوريين و رعايتهم المباشرة من قبل الجهاز الامني الذي نشئ خارج القانون و جعل اقوى من كل ما هو قام من اجهزة مماثلة في لبنان . رعاية ابدتها الدولة و لم تستثمرها في حماية لبنانيين و استرجاعهم بعد خطفهم من المسلحين السوريين ، ما دفع ذووي المخطوفين للعمل بانفسهم لاطلاقهم .

و الان و مع فتح باب خطف اعضاء "الجيش السوري الحر" في لبنان ردا على خطف لبنانيين على يد مليشيات هذا التنظيم ، تطرح الاسئلة بوجه الدولة التي ادعت "النأي بالنفس" ثم وجدت نفسها في موقع يغاير العنوان و ينذر بالشر المستطير ، نسأل هل بمقدور احد في لبنان ان ينجو من النار في حال اضرمت ؟ و هل ان من يدفع الى اضرام النار مطمئن الى ان سلاح المقاومة سيستدير و يغير وجهته و ترتاح اسرائيل كما هي الخطة؟

ان الذي يدعي النأي بالنفس عليه ان يكون متوازنا و عادلا في التطبيق ، فالمال الذي يدفع لشراء الاسلحة و الذخائر و يرسلها الى سوريا لقتل السوريين و انتهاك الامن هناك لا يختلف في خطره عن المتفجرات التي ترسل الى لبنان لقطع الطريق على المسلحين ومنعهم من الوصول الى اهدافهم في سوريا لتدميرها ، نقول هذا مع تاكيدنا على رفض كل ما من شأنه ان يمس الامن و السلامة العامة على ارض لبنان كما وعلى ارض سورية . و ان محاسبة النائب و الوزير السايبق الذي قيل انه نقل متفجرات تعتبر انحيازاً ان لم تتزامن مع محاسبة النائب الذي يسلح و يشجع الارهابيين في انتهاكهم للامن السوري ، و ان الذي يستنكر سقوط قذيفة سورية على الارض اللبنانية يجب عليه ان يمنع وجود المسلحين و حركتهم التي استدرجت تلك القذيفة . اما السكوت كما يحصل الان عن الاجرام ضد سوريا و المسارعة للمحاسبة و المساءلة عن اي عمل تقوم به سورية في معرض دفاعها عن نفسها ، و مع وجود هذا الانقسام ، امر لا نعتقد انه سيحفظ للبنان امنا و سلماً!!... و بتنا نخشى ان تكون النار المؤججة اميركياً في سورية قد باتت اكثر قربا من الهشيم اللبناني مما يتصوره البعض ، لا بل قد يقول قائل بانها باتت عند الباب ، و هنا نتساءل عن مدى قدرة الفريق المدافع على منعها ؟ و ان لم يستطع فهل سيلجأ الى خيار اخر يجعل الفريق الذي اشعلها يعض على اصابعه من الندم بعد ان تكون السنة اللهب طالت الجميع؟


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه