إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أنطون سعادة: فكر خارج القيود

وسام عبدالله - الاخبار

نسخة للطباعة 2013-07-09

يوم الثامن من تموز اغتيل أنطون سعادة، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، ليدخل التاريخ ضمن تقويم الاغتيالات ما بعد السياسية حين يستهدف الرصاص الفكرة ليمنعها من أن تصبح مشروعاً حقيقياً على الأرض. لكن تاريخ البشرية يكمل مسيرته، باندماج الفكرة بالدم والتضحية لتخرج من جسد صاحبها وتصبح رسالة. رسالة كتب حروفاً منها أنطون سعادة، وهي تتطور في هذه المنطقة بأفكار ومشاريع، مختلفة في الشكل وواحدة في الجوهر.

بعد 64 عاماً نحن لسنا بحاجة إلى إعادة محاكمة أنطون سعادة وإنما محاكمة ذاتنا في إعادة نظرة شاملة إلى كل السنين التي لم تمض من عمر اغتياله، بل من عمر هذا المشرق، لا بهدف إصدار عقوبات نجلد بها نفسنا وإنما للخروج بعمل وفكر ينفض عنا ما تراكم من اخطاء وخطايا في زمنٍ أصبح الخطأ فيه يساوي تقسيم بلد.

دخل المجتمع في حوار وجدل مباشر أو غير مباشر مع أنطون سعادة في حوارٍ بعيد عن النقاشات الفلسفية والحزبية من خلال حياته اليومية والمعيشية، الأزمات التي يمر بها المشرق العربي تنتقل بكل النظريات والعقائد السياسية والاقتصادية والدينية من رفوف المكاتب وقاعات المؤتمرات إلى أرض الواقع لاختبار مدى قدرتها على التفاعل مع الواقع وفي تحد واضح لبنيتها الفكرية. فالجميع يتحدث في المشرق العربي ويطرح تساؤلات عن مفهوم القومية العربية وفشله، يتابع الأزمة التي تعيشها الحركات الدينية في لحظة وصولها إلى السلطة والتيارات التكفيرية التي تهدد بقاء المجتمعات متماسكة، ويترقب الاكتشافات النفطية والغازية في سواحل المتوسط.

طرح أنطون سعادة في بداية نضاله سؤالا وجودياً: من نحن؟ وكان جوابه أنّ سوريا الطبيعية تشكل أمة تامة، وطوال حياتها في الوطن والمغترب القسري والسجن حتى الشهادة كان يعمل على أن ينقل الجواب ويطوره أينما كان. وشهادته كانت مرحلة من هذا الجواب وليس ختامه، فما نعيشه الآن هو ذلك الصراع على الهوية في تحديدها بشكل واقعي يخرجنا من التخبط والفوضى التي نعيشها. أحد وجوه أزمتنا هو تساؤل الهوية وهو في أصعب مرحلة لأن الأجوبة قد تأخذنا إلى الطائفية والعشيرة والمذهبية فنبتعد عن المعنى القومي الاجتماعي للكلمة. في حياته قال «إنّ اقتتالنا على السماء أفقدنا الأرض»، فطرح سلسلة من المقالات تتضمن دراسة وتأمل في مصدر الرسالتين السماويتين، ورداً على التعصب الطائفي والمذهبي وضع مبدأين إصلاحيين: فصل الدين عن الدولة وإزالة الحواجز بين مختلف المذاهب والطوائف، وما زال الاقتتال مستمراً ودخل في مرحلة الذبح من أجل السماء. والتعصب الديني ذهب أبعد من الطائفية فهو أصبح تكفير كل مختلف حتى ضمن الدين الواحد. أشار إلى أهمية تأسيس الاقتصاد القومي على أساس الدورة الاقتصادية الاجتماعية، وأوضح أهمية النفط في الصراع العالمي. وفي عصرنا يستمر التخبط الاقتصادي في دول المشرق وسط دعوات إلى إنشاء مجلس اقتصادي متكامل في ما بينها، كما أن الصراع على النفط والغاز هو المحرك الأساسي للعبة الأمم في منطقتنا، فالجغرافية السياسية في المشرق ترسم حدوداً جديدة ليس بالقلم وإنما بخطوط أنابيب الثروات الباطنية.

إن تكامل سؤال الهوية مع الصراع الاقتصادي العالمي هو التكامل بين الأمور اليومية والمعيشية والاجتماعية التي يمر بها كل مواطن مع النظرة الاستراتيجية لكل الأحداث التي تمر بها المنطقة، لتشكلا معاً قضية قومية واحدة. إن أهم الأخطاء التي مرت بها الحكومات والأحزاب التي وصلت إلى السلطة أنها لم تستطع خلق توازن بين إدارة الحياة اليومية وإدارة الدولة استراتيجياً، فإما أن تذهب في تفاصيل شؤون الدولة وتغرق فيها دون النظر خارج حدودها المتصلة واقعياً مع جوارها، أو تعيش فقط في ما بعد حدودها دون التأسيس لمجتمع ومؤسسات حقيقية مما يجعلها ضعيفة في كيانها.

أوضح سعادة أن أهمية اعداد جيش قوي يدافع عن حقوق الأمة والوطن «تنازع موارد الحياة والتفوق بين الأمم هو عبارة عن عراك وتطاحن بين مصالح القوميات. ومصلحة الحياة لا يحميها في العراك سوى القوة، القوة بمظهرها المادي والنفسي، والقوة النفسية، مهما بلغت من الكمال، هي أبداً محتاجة إلى القوة المادية». الاقتصاد له الأهمية الكبرى في التكامل بين دولنا ولكن الجيش هو الضامن الوحيد لصمود هذا التكامل ليس تأييداً لحكم العسكر، وإنما منطقة هي تحت أنظار القوى الاقليمية والدولية بشكل دائم يتطلب ذلك وجود قوة تدعم البقاء وحماية الوجود، وما يحصل مع جيوش المنطقة هو دليل واضح على أهمية ضرورة التنسيق في ما بينها وبنائها بشكل واقعي وسيادي لمنع تقسيمها وإنهاء دورها.

إن فكر أنطون سعادة هو خارج القيد الجسدي وحتى الحزبي، فالكثير يحارب بسيف أنطون سعادة دون أن يكون سورياً قومياً اجتماعياً، وهذا الفكر الذي بني على أساس علمي وموضوعي يتطور مع تطور العلم بمختلف فروعه النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وما طرحه هو الأساس والقاعدة التي نبني عليها فكرنا ومؤسساتنا وليس هو السقف الذي وصلنا إليه. أهم تقديرٍ لهذا الفكر هو أن يكون مساحة لقاء بين مختلف الأفكار والتيارات السياسية والاقتصادية، فسوريا الطبيعية هي في فرصة للردّ على العدوان المستمر ضدها وعلى ضعف كياناتها، بالاستفادة من هذه الفرصة التي هي ليست فرصة الشخص أو التيار أو الحزب وإنما هي فرصة المجتمع بكامله. وهنا لا تبقى مشاكلنا أزمات وإنما تصبح قضية واحدة، في فرصة تاريخية مهمة للسير بخطوة نحو البدء بمسيرة النهضة الحقيقية في بناء الدولة والمجتمع والانسان.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024