إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

إستغلال الأحزاب والمبادىء

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1938-03-11

إقرأ ايضاً


∗ قامت الأعمال السياسية كلها في هذا الوطن على أساس النظرة الشخصية الفردية أو العائلية، حتى جاء الحزب السوري القومي وأعلن أساسه على المصلحة العامة ومبادئ العقيدة القومية، فهتف الشعب لهذا الاتجاه الجديد وتقبله تقبل من انتعشت آماله بتجدد حياته.

ولكن النفعية ما لبثت أن تحركت وأخذت تعمل للإبقاء على منافعها ومطامعها . ولما كانت النفعية بطبيعتها فوضوية مبلبلة لكثرة الاتجاهات النفعية المتضاربة فإن عملها أخذ يتشكل بأشكال مختلفة. فقام بعض النفعيين بإيعاز مراجع رجعية بتأسيس أحزاب على مثال الحزب السوري القومي في نظامه الظاهري. فما أن نشأ أول حزب من هذا النوع حتى تلاه نشوء أحزاب أخرى لنفعيين آخرين. وبلغت الوقاحة ببعض هؤلاء أن يقدموا على محاولة استغلال الحزب السوري القومي نفسه فدخل منهم نفر في صفوفه ثم ما لبثوا أن انكشفت القناعات عن وجوههم الصفيقة فنبذوا وانتهى شأنهم.

وأن من يراقب التكتلات السياسية في الشعب والمجلس يرى فوضى لم يسبق لها مثيل فإن حب القيم والمبادئ التي تضمن مصالحه قد ظهر بوضوح في حالة نشوء الحزب السوري القومي، وظهر أيضاً سأمه من تحزبات الأشخاص التقليدية، التي لم يستفد منها غير الخراب والانحلال القومي. فرأى النفعيون أن يتستروا بستائر من الأحزاب والمبادئ أو يعملوا من ورائها لأغراضهم النفعية غاشين الشعب بالأسماء والألفاظ التي لا يعنون بها شيئاً حقيقياً ولكنها قد تجد رغبة عند العامة فيدجلون بها ليستفيدوا من نكبات الشعب بهذا الخداع الجنائي.

كيف التفت ترى اليوم بعض من كانوا يتسابقون إلى الزلفى للحصول على كرسي نيابة، أو من يرون الشعب فريسة يحظى بها من يعرف كيف ينشب مخالبه فيها، أو من ملئت نفوسهم بالحسد الفارغ، أو من هم مصابون بجنون العظمة، يحاولون محاولات عديدة لاكتساب جماعة بوسيلة من الوسائل فيدجلون بها على الشعب، تجدهم يكثرون الاتصال بهذا وذاك ويميلون تقليب الألفاظ على وجوه ووجوه ويستزيدون من عقد المؤتمرات لدرس ماهية الأسباب التي يمكن أن تعطيهم الستار المطلوب أو الألبسة التي يظهرون بها بمظهر رجال الشعب والمصلحة العامة، فإذا امتدوا على شكل من الأشكال انفرط عقدهم عليه ليعودوا إلى تقليب أشكال أخرى.

من هؤلاء من ينادي اليوم بالاشتراكية، لأنه يظن أن "السوق" اليوم "سوق الاشتراكية" فإذا تظاهر بالاشتراكية فإنه يكتسب عطف الجبهة الشعبية في فرنسة فتأتيه الرخصة بالعمل وتأتي التوصيات من فرنسة بفسح المجال له، ومنهم من يرى أن الشيوعية حزب لا بأس به ويجدر بهم انتحال صفته والمناداة بها بالناس تدجيلاً واستغلالاً، ومنهم من تسول له نفسه القيام بحملة "دنكيخوطية" على الحزب السوري القومي فينتزع مبادئه منه ويدعي هو العقيم السقيم أنه هو الأصلح لتحقيق مطالبه العليا، ومنهم من يرى المجاهرة بالرجعة فيكتسب مناصرة الرجعيين الخ.

هذا مظهر آخر من مظاهر النزاع العنيف بين الحق والباطل، بين القوة الحقيقية المتولدة من النهضة القومية وتنبه الشعب والقوة الوهمية المستمدة من الشعوذات والاراجيف وصخب الحناجر ونقمة الغايات الدنيئة.

إن هذه الظاهرة الغريبة هي نهاية العهد الماضي القديم الرجعي في نظرياته وأساليبه، لأن اليقظة قد امتدت في الأمة، وإذا كان لا يزال هنالك بعض سليمي النية الذين يؤخذون بسياسة "ابن عمي" وعلاقة "المصلحة" النفعية الضيقة فإن هذا البعض لن يلبث أن يدرك هو أيضاً أن المنافع المستعجلة قد تؤدي إلى الخراب التام، وإنه لا خير في الدجالين مهما كان لباسهم والستار الذي يتسترون به.

النهضة - بيروت - العدد 113 - 11-03-1938

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024