شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2013-11-16
 

أنطون سعاده قبل التأسيس

الياس عشّي - البناء

ما كان لأنطون سعاده أن يصل إلى أجوبة مقنعة لو انهمك في الشؤون الصغيرة أو سعى إلى تحقيق مآرب شخصيّة ضيّقة أو سكت عن حقّ أمّته في الكبرياء والحريّة والعدالة والاستقلال أو خفض صوته وطأطأ رأسه أمام القامات الدوليّة الاستعماريّة التي كانت منهمكة بعد الحرب الكونيّة الأولى بتحقيق هدفين: أوّلهما: إقامة دولة يهوديّة على أرض فلسطين السّوريّة تنفيذاً لوعد بلفور المشؤوم. وثانيهما: تقسيم سورية الطبيعيّة إلى مناطق نفوذ للفرنسيين والبريطانيين تنفيذاً لاتفاقيّة سايكس بيكو. وهذان الحدثان الخطيران اللذان رافقا حداثة سعاده وصقلا شخصيّته وميّزا حضوره الثقافي والسّياسي والثوروي كانا السببين الرئيسين لتأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي نحتفل اليوم بالذكرى الحادية والثمانين لتأسيسه.

مرّ سعاده بتجارب متعدّدة قبل أن يطلق مشروعه النهضوي. كتب وحاضر وعلّم وتتلمذ في الصحافة على يدي أبيه الدكتور خليل سعاده وتنقّل من بلد إلى آخر منفتحاً على الخيارات كلّها من دون أن يساوم على خيارات أمّته التي أعطت الإنسانيّة أبجديّة الحضارات.

استوقفني وأنا أقرأ ما كتبه سعاده قبل التأسيس كتابه المفتوح إلى رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج عرّاب وعد بلفور واتفاقيّة سايكس-بيكو. في 1931 3 18 على صفحات جريدة «ألف باء» الدمشقيّة. وكان لويد جورج ألقى خطاباً أمام الجمعيّة الصهيونيّة في لندن في المأدبة التكريميّة التي أقيمت على شرفه! وأورد هنا انتقائياً بعضاً من هذا الكتاب:

«لا أدري إذا كان في المأدبة التي أدبتها لكم الجمعية الصهيونيّة شرفٌ لكم أو لها بل لا أدري إذا كان في تلك المأدبة شرفٌ على الإطلاق.

إنّ من المبادئ الأوّليّة أنّه لا يجوز مزج الشرف بالسياسة أو مزج السياسة بالشرف. ولكنّكم ضربتم بهذا المبدأ عرض الحائط حين كنتم رئيس وزراء بريطانيا العظمى وأجزتم «تصريح بلفور» المشؤوم الممقوت .

لست في حاجة إلى أن أدلّكم على مواقع خطئكم لأنّي على يقين تام من أنّكم تعرفون جيّداً بأنّ «تلك البلاد فلسطين» هي جزء حيوي من وطن كامل غير قابل التجزئة لأمّة واحدة هي الأمّة السّوريّة.

وأمّا قولكم العرب والمسيحيين ففيه خطأ قد يعيّركم به باعة الجرائد عندنا لأنّه لا يوجد في فلسطين عرب ومسيحيّون بل شعب هو جزء من الأمّة السّوريّة .

وقلتم: لم يحدث في تاريخ العالم محاولة كهذه المحاولة. وأنا أقول: أجل إنّ التاريخ لم يسجّل من قبل محاولة أثيمة كهذه المحاولة وإذا كنتم تجدون في الإثم مدعاة للفخر فإنّي أهنئكم بهذه الحكمة التي أخفيت عن الحكماء والعقلاء وأعطيت للجهّال».

هذه القامة المتشامخة لأنطون سعاده وهو يخاطب رئيس أعظم دولة في ذلك الحين وهذا الحضور اللافت في نبرته وهذا التماسك المذهل بين المنطق والسخرية وهذه القراءة الاستشرافيّة لما يبيّته الاستعمار الغربي لفرز المسيحيّة المشرقية في تمييزهم بين العرب والمسيحيين هذا كلّه يدفعني إلى التساؤل:

أين أنتم يا تلاميذ سعاده في ذكرى التأسيس من عالم يغتصب أمّتنا ليلَ نهارَ ويصادر حرّيّاتنا وننسى وصيّة سعاده: «إن لم تكونوا أنتم أحراراً من أمّة حرّة فحرّيّات الأمم عار عليكم»؟



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه