شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2014-07-23
 

العقيدة العسكرية الصهيونية في ضوء حربي تموز لبنان وغزة

أحمد أصفهاني

أطلِقتْ تحليلات كثيرة حول خلفيات العدوان الإسرائيلي الجديد على قطاع غزة وأهدافه والنتائج المتوقعة منه. لكننا نريد في هذه المقالة الموجزة أن نضيء على جوانب أخرى ذات أبعاد إستراتيجية سيكون لها تأثير عميق في طبيعة المواجهة الوجودية مع العدو الصهيوني على مدى السنوات المقبلة.

نبدأ باستعراض العناصر الأساسية في العقيدة العسكرية الصهيونية منذ قيام الدولة العبرية على التراب الفلسطيني. القاعدة الأولى في التخطيط القتالي الإسرائيلي هي أن تكون القوات الصهيونية متفوقة على كل القوى المحيطة بها، سواء كانت هذه القوى مجتمعة أو متفرقة، من ضمن النظرية الإسرائيلية في "التفوق النوعي". وتحت هذا السقف العالي تندرج العناصر التكتيكية التالية التي نلحظها في كل الحروب التي خاضها الصهاينة منذ العام 1948:

أ ــ أن تقرر إسرائيل توقيت بدء المعارك (حرب تشرين سنة 1973 استثناء يؤكد القاعدة، وسنوضحها لاحقاً).

ب ــ أن تقرر إسرائيل أيضاً توقيت وقف المعارك.

ج ــ أن تكون المواجهات دائماً في "أرض العدو".

د ــ أن تؤمن حماية مطلقة للجبهة الداخلية الإسرائيلية.

هـ ــ أن توقع خسائر فادحة بالقوات المعادية مقابل أقل الخسائر في صفوفها هي.

و ــ إرتكاب المجازر بحق المدنيين في الجهة المقابلة وتدمير البنى التحتية بهدف خلق هوة بين القوات المقاتلة والبيئة الشعبية الحاضنة.

ز ــ ترسيخ نظرية الجندي الصهيوني الذي لا يُقهر مقابل المقاتل الفلسطيني أو اللبناني أو الجندي السوري أو العربي الذي "يفر من ساحة المعركة"!!

ح ــ فرض شروطها الخاصة في أية هدنة أو اتفاق لوقف إطلاق النار سواء عبر الأمم المتحدة أو الوسطاء الدوليين الآخرين.

حرب تشرين سنة 1973 كانت الاستثناء، كما أشرنا أعلاه، في مسألة وحيدة هي توقيت شن المعارك. لكن إسرائيل سرعان ما استعادت المبادرة (لأسباب ليس مجال البحث فيها الآن) لتطبق كل العناصر الأخرى المذكورة آنفاً.

في أيار سنة 2000 ظهرت بوادر خلخلة في العقيدة القتالية الصهيونية، إذ للمرة الأولى تضطر إسرائيل للانسحاب من أراض احتلتها من دون أن يُقدّم الطرف الآخر أي تنازل سياسي أو أمني، بل بفعل المقاومة التي استندت إلى بيئة حاضنة مستعدة للعطاء غير المحدود. ومع ذلك لم تكن تلك العقيدة قد وُضعت على المحك... الذي جاء في تموز سنة 2006.

في تلك المواجهة، "بدأت" إسرائيل العمليات العسكرية رداً على أسر المقاومة جنديين صهيونيين، ما أفقدها عملياً عنصر المبادرة والمباغتة. وهي لم تستطع وقف المعارك الطاحنة بعد مضي ثلاثة وثلاثين يوماً إلا بـ "التوافق" مع الطرف الآخر. صحيح أن المعارك البرية الشرسة كانت على الأرض اللبنانية، لكن الصحيح أيضاً أن كافة المدن الإسرائيلية باتت تحت مرمى صواريخ المقاومة. وذكرت الاحصاءات الصهيونية يومها أن أكثر من نصف عدد سكان الدولة العبرية نزحوا بشكل أو بآخر من جراء ضربات المقاومة.

وللمرة الأولى في تاريخ الدولة الصهيونية، لم تستطع الآلة العسكرية الإسرائيلية أن تؤمن "الحماية" للجبهة الداخلية على الصعيدين البشري والاقتصادي... في وقت كان الجنود أنفسهم يدفعون ثمناً باهظاً في المواجهة المباشرة مع رجال المقاومة الذين أثبتوا قدرات قتالة وتكتيكية واستراتيجية في مقابل "الجندي الذي لا يُقهر"! وعلى الرغم من التدمير الوحشي المنهجي للبنى التحتية والمجازر المتنقلة بحق المدنيين، فإن البيئة الشعبية الحاضنة (ثالوث الجيش والشعب والمقاومة) إزدادت تماسكاً والتفافاً حول نهج المقاومة ليس فقط في لبنان بل في العالم العربي برمته.

وعندما وصلت المغامرة الإسرائيلية إلى الحائط المسدود، كان من الطبيعي أن لا تأتي صيغ التهدئة وفق ما كان يخطط له القادة الصهاينة. فكان ذلك المسمار الأخير في نعش العقلية القتالية التي خدمت المشروع الصهيوني بإخلاص على مدى أكثر من ستين عاماً. واليوم يتكرر السيناريو ذاته في غزة، ما يُفسر الوحشية البربرية التي يمارسها الجيش الإسرائيلي في القطاع المحاصر. فالمقاومة الفلسطينية استوعبت الدروس الماضية، لذلك عمدت إلى تغيير تكتيكاتها في المواجهة: شبكة أنفاق متطورة، قوى مقاتلة مقسمة إلى مجموعات صغيرة خضعت لتدريبات خاصة، إدخال وتصنيع نوعيات متطورة من الأسلحة، تعزيز قدرة الصمود على المستوى الشعبي. وهذا ما يعترف به الخبراء الإسرائيليون أنفسهم... ولو على مضض!

ومع أن تجربة تموز 2006 في لبنان تختلف من حيث أن العمق الإستراتيجي للمقاومة كان مفتوحاً على مصراعيه نحو سوريا بينما العمق "المصري" مغلق على مصراعيه أيضاً، إلا أن ظاهرة الصمود والتصدي وتحقيق الإنجازات (ولو كانت محدودة نسبياً) هي ذاتها في التجربتين اللبنانية والفلسطينية. وهذا يعني أن النتائج نفسها ستخرج من تضحيات أبناء شعبنا في غزة، وستشكل نقطة تحول جذرية في طبيعة صراعنا الوجودي مع العدو الصهيوني.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه