شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2014-10-01
 

الخطر التركي الداهم!

أحمد أصفهاني

في التاسع من تموز الماضي كتبتُ مقالة تحت عنوان "المعادلة الخفية: باكستان ــ القاعدة، تركيا ــ داعش"، ختمتها بالعبارة التالية: "إن ورثة العثمانيين، من مصطفى كمال أتاتورك إلى رجب طيب أردوغان، لم يتخلوا قط عن أطماعهم المعلنة في الموصل وحلب"!!

واليوم تتحرك تركيا الأردوغانية، بالتنسيق مع التحالف الأميركي وبالتمايز عنه في الوقت ذاته، بحجة محاربة الإرهاب الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية. وهو تحرك يحمل في طياته خطراً وجودياً على بلاد الشام برمتها كونه ينبع من مخططات وأطماع لم يُخفها القادة الترك منذ الحرب العالمية الأولى.

يختلف الخطر التركي عن ذاك الذي تمثله أطراف الحلف الأميركي الجديد لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في مجموعة من العناصر التي تضع تركيا في موقع يمكنها من البدء بتحقيق أطماعها التاريخية في الأجزاء الشمالية والشرقية من بلادنا، خصوصاً أن الدول المتحالفة تريد الإقتصار على الضربات الجوية من دون التورط في العمل العسكري البري الذي يحمل في طياته أخطاراً قد لا تحتملها العواصم المعنية، أقله على المستوى السياسي الشعبي.

تركيا غير متأثرة بهذا الاعتبار. إن قواتها البرية منتشرة على طول الحدود مع سورية والعراق، واستعداداتها اللوجستية جاهزة منذ إندلاع الأزمة السورية في حين أن معاركها الطويلة مع الأكراد حوّلت الحدود العراقية إلى جبهة قتالية متكاملة. كما استطاعت الحكومة خلال الأسابيع الماضية تهيئة الرأي العام التركي لتقبل أي عمل عسكري بحجة تدفق اللاجئين الأكراد عبر الحدود بعد اشتداد المعارك في مدينة عين العرب السورية الحدودية.

لكن أخطر العوامل يكمن في أن تركيا ترتبط بعلاقات وثيقة مع تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، بل ومع جميع أطياف "المعارضة" السورية المسلحة، المعتدل منها والمتطرف. فهي التي خلقت ورعت وموّلت ودرّبت وسلحت وحضنت ووظفت كل تلك الفصائل في معركتها لإسقاط النظام في سورية، وعندما فشلت في تحقيق ذلك الهدف الاستراتيجي أطلقت للمرتبطين بها العقال الوحشي للتدمير المنهجي والتنظيف العرقي والمذهبي في المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة السورية.

هذا الواقع يتيح للقوات التركية المسلحة المجال واسعاً للغزو البري دون الخوف من وقوع مواجهات مع "حلفائها" في التنظيمات المسلحة، وبالتالي تستطيع إقامة "منطقة عازلة" داخل الأراضي السورية في المرحلة الأولى بحجة إيواء "اللاجئين السوريين" على أرضهم! وسنكون في هذه الحالة أمام الصورة المركبة التالية: طائرات التحالف الأميركي تفرض حظراً جوياً بقوة الأمر الواقع ومن دون قرار دولي في مجلس الأمن، القوات البرية التركية تحكم سيطرتها العسكرية على "المنطقة العازلة"، وأطراف "المعارضة" السورية المسلحة تتمتع أخيراً بمنطقة "محررة" تحت الحماية الأطلسية!!

من المؤسف أن قيادات "المعارضة" السورية المسلحة باتت مرتهنة بالقرار السياسي والأمني التركي بحيث ستكون عاجزة في المستقبل عن التملص من تبعات المواقف التركية المناقضة للسيادة السورية الناجزة، هذا إذا لم تكن في الأساس جزءاً من مخططات "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في أنقره والقريب من جماعات الإسلام السياسي في العالم. إن الرابطة الإسلامية السياسية عند هذه الفصائل أقوى بكثير من روابط المصالح الوطنية والقومية للشعب السوري. أما الشعب نفسه، فهو منهك ومشرد ومقموع بعد ثلاث سنوات من الحروب المدمرة حتى أصبح ينشد الخلاص من أية جهة أتى... ومهما كان الثمن.

من الطبيعي أن هذا السيناريو سيواجه برفض كل من سورية والعراق ومعهما قوى إقليمية ودولية مؤثرة مثل إيران وروسيا (وإلى حد ما مصر وبعض دول الخليج من منطلق الخصومة مع حكومة أردوغان الإخوانية). لكن التاريخ علمنا أن الأتراك "شاطرون" في انتهاز الفرص واستغلال الظروف لتنفيذ مآربهم التوسعية بغض النظر عن حجم الاعتراضات الدولية، وليست عملية احتلال شمال قبرص وتقسيم الجزيرة سنة 1974 إلا النموذج الفاقع على نجاح هذه السياسة ذات الجذور العثمانية. وتكفينا مراجعة متأنية لوثائق المناورات الأتاتوركية مع فرنسا وبريطانيا بُعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى لندرك أن اغتصاب كيليكيا وإنطاكيا والإسكندرون قد لا يكون الفعل التوسعي الأخير للعثمانيين الجدد.

هذا الخطر الداهم يضع على السوريين، بمن فيهم المعارضة الوطنية غير المرتهنة للخارج، مهمة تاريخية لا تقل خطورة عن مهمة حماية الدولة السورية. إنها مهمة صيانة الوحدة الجغرافية للأرض السورية والوحدة الاجتماعية للشعب السوري. وأمام هذا المطلب المصيري تتراجع كل المطالب الآنية الأخرى!



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه