شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1938-05-10
 

حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية والأجانب (1).

أنطون سعادة

حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية والأجانب

-1-

∗لم تمن أمة عظيمة مجاهدة بتمثيل سياسي سيء يقتل معنوياتها ويعطل مجهوداتها القومية كما منيت الأمة السورية العظيمة المجاهدة في سبيل حقوقها وشخصيتها بتمثيل الكتلة الوطنية الإقطاعية لمصالحها القومية تمثيلاً حول انتصاراتها إلى انكسارات وجعل أقدامها وبالاً عليها ووطنيتها نكبة وجهادها العظيم خسارات وطنية مادية ومعنوية أوصلت الأمة إلى آخر مواردها وضيقت عليها حدود وطنها تضييقاً ليس بعده تضييق.

لقد تغنى الكتلويون كثيراً "بجهادهم" والحقيقة أنهم لم يكونوا غير مستغلين لجهاد الأمة ومحولينه إلى النتائج التي أرادوها لأنفسهم، ولكن تغنيهم كان في زمن الرسائل الصحافية المأجورة وقبل أن تبزغ أنوار النهضة القومية وتجلو صدأ الأذهان وتضيء للمبصرين معالم الحقيقة فيعرف الصحيح من الفاسد وتتبدد الأوهام، التي عمل الاقطاعيون المتكتلون على إشباع عقلية الشعب بها. فلما خرج الزعيم من صلب الأمة موضحاً الحقائق القومية وواضعاً النظام القومي الموجد الكيان القومي الصحيح ومكوناً الخطط العملية لتنظيم الأمة وإنقاذها من الحالة السيئة التي صارت إليها انقشعت الغشاوات عن البصائر وأدرك المتنبهون إن جعجعة الكتلويين كانت جعجعة من غير طحن وإن رسالة سعاده هي اتجاه الأمة الصحيح، وكان في عداد الذين أدركوا ذلك الكتلويين أنفسهم.

أدرك الكتلويون في عداد من أدركوا أن الحق هو ما جاء به الحزب السوري القومي وإن أعمال الكتلة الوطنية لم تكن ألا ألاعيب صبيانية بالنسبة للعمل القومي الجبار الذي ابتدأ يحرك الأمة عن طريق تنظيم الشعب ومصالحه، وإن الحزب السوري القومي هو الحزب الذي سيدخل في صميم الأمة ويتغلغل في نفوس الشعب. وبقدر ما استقبلت الأمة ظهور حزبها الممثل شخصيتها ومصالحها وإرادتها بالفرح والارتياح، بقر ما استقبل الاقطاعيون المتكتلون وغير المتكتلين ظهور الحزب بالخوف والحنق والحسد.

كان المنتظر، بناء على الوهم السائد في النفوس عن "وطنية الكتلويين" أن يكون هؤلاء أول المرحبين بالحزب السوري القومي الذي جاء بالرسالة القومية جلية واضحة وأوجد لتحقيقها ممكنات لم تكن تخطر في بال أحد وفتح آفاقاً جديدة واسعة للعمل القومي المنظم الذي لا سبيل إلى بلوغ هدف بدونه.

ولكن الكتلويين كانوا أول من اندفع في محاربة الحزب السوري القومي اندفاعاً اعتباطياً لا روية فيه ولا حكمة، لا من جهة المصلحة القومية ولا من جهة مصالحهم الخصوصية. وعندما نقول "الكتلويون" نجعل الكلام إجمالياً ولا نميز فيه بعض الكتلويين الذين كانت لهم آراء شخصية مستقلة تحبذ الحزب السوري القومي.

كان أول من تصدى لمحاربة الحزب السوري القومي من الكتلويين السيد فخري البارودي فأعطى تصريحات يشجب فيها الحزب منذ البدء. فلما استقصى أعضاء الحزب أجاب: "علمت أن الزعيم أصدر تعليمات بمنع الأعضاء من مناصرة مشروع الفرنك الذي أقوم به"! فظهر للعيان أن خصومة البارودي الكتلوي للحزب السوري القومي لم تكن خصومة مبادئ، بل خصومة مصلحة شخصية.

والحقيقة أن الزعيم كان قبل انكشاف أمر الحزب قد أصدر تعليمات إلى فروع الحزب بالمعنى المتقدم، لأن المشروع كان شخصياً غامضاً، وقد تبين فيما بعد أن الزعيم كان على صواب في تعليماته لأن القانون الأساسي لمكتب فخري البارودي احتوى نصوصاً تجعله يحتكر المال المجبى احتكاراً "لا يسأل عنه من قبل واحد" ولا يقبل رقابة أو محاسبة. ومهما يكن من الأمر فإن الزعيم أعطى تعليمات بصدد أمر معين عرض عليه وهذا الأمر هو شخصي بحت يتعلق بالسيد فخري البارودي.

مما لا شك فيه أن الكتلة وجدت نفسها أمام فشل رائع يعلنه لها مجرد ظهور الحزب السوري القومي، ففي الوقت الذي كانت تتبجح فيه "إنها سيدة الموقف وقائدة الحركة الوطنية" ظهر للملأ أن الحزب السوري القومي هو الهيأة الوحيدة في الوطن، التي يصح أن تسمى منظمة، وإنه هو المنظمة الوحيدة التي نظرت في حياة الشعب ومصالحه واهتمت بتنظيم الشعب وإشراك أفراده في العمل القومي بصورة تتأسس فيها الأعمال والوسائل. فادت هذه الحقيقة إلى انفضاح الكتلة الوطنية انفضاحاً شديداً إذ قد تبين أنه في الوقت الذي تدعي فيه العمل والجهاد لم تجسر على تحمل مسؤولية تنظيم الشعب والتغلب على القوانين المجحفة بحقوق الشعب المدنية والسياسية. وكل ما كانت تقوم به

الكتلة هو تحريض الشعب بطرق لا مسؤولية فيها على القيام بحركات شغب تقع تبعتها على الشعب نفسه.

وقد وقعت هذه التبعة على الشعب فكانت خسائر عظيمة وخراب بيوت عديدة صارت بالشعب نحو الفقر والضعف واليأس فضاعت المجهودات الثمينة التي قام بها الشعب في العجز السياسي الفاضح الذي أظهره الكتلويون في معالجتهم الأمور كما سنبينه.

النهضة، بيروت العدد 153 4/5/138 – والعدد 158 1، 10/5/1938



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه