شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2014-11-19
 

الاستقرار الوجودي السعودي في قبضة «داعش»

جهاد أيوب - البناء

تعيش السعودية اليوم مرحلة وجودية حرجة بعد تهديدات الخليفة الداعشي أبو بكر البغدادي لها، وهي تدرك قبل غيرها أن ما صنعته جراء أموالها وسياساتها في المنطقة لا بد من أن تقطف ثماره، وما جرى مع الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز «وزير الحرس الوطني» حينما زار شمال السعودية منذ أيام من أجل إبرام صفقة عسكرية أمنية مع قادة القبائل والعشائر هناك، زاد من الخوف والقلق على مصير المملكة والعائلة الحاكمة، لم يكن رد قادة القبائل والعشائر مجرد مناقشة ورأي عابر أو وجهة نظر تتقبل الحوار، بل كان رفضاً للحرب ضد «داعش» في حال وقعت بين المملكة وهذا التنظيم التكفيري، وفي أسوأ الحالات قد يقفون على حياد على رغم اعترافهم الصريح أن المجتمع السعودي بغالبيته هو الحاضن الفكري والنفسي لمشروع دولة «داعش» أينما حل ووجد.

لا خلاف على أن السعودية هي من أكثر الدول الخليجية والعربية والغربية التي مولت «القاعدة» والجهات الرافضة لأي حوار مع أي طرف، وشكلت حالة تكفيرية عنوانها اليوم دولة «داعش»، وقدمت التسهيلات اللوجستية مع تركيا لهذه المجموعات اللا إنسانية واللا دينية واللا أخلاقية، ولا عجب إن كانت عناصر هذه المجموعات تتجول علناً وبلباسها وبحرية ومن دون أي إحراج في أرجاء تركيا، وكل السواح يلتقون بها في الباصات، والمطارات ومحطات القطارات والفنادق كما لو كانت تعرف تلك البلاد من قبل، وأيضاً لا غرابة إن كان الانتحاريون من أصل سعودي يشكلون في»داعش» نسبة تتجاوز 65 في المئة، وهذا يعني أن البيئة الحاضنة موجودة لا ريب فيها في المجتمع السعودي، ما اضطر الإعلام الغربي وتحديداً الأميركي وبعض أصحاب القرار السياسي هناك بالإشارة إلى دور السعودية في دعم وتقوية داعش، وهذا تطلب حملة إعلامية قصيرة من إعلام السعودي في العالم العربي وما يدور في فلكها غربياً بتكذيب ذلك، وتبييض وجه سياسة المملكة، وأبعاد تورطها في الحرب الإجرامية والتكفيرية في سورية والعراق والمنطقة.

في جردة فكرية بسيطة حول مناهج أغلب التيارات التكفيرية منذ انطلاقها بشكل غير منظم في منطقة نجد وسط شبه الجزيرة العربية، وبعد أن وضعت في قالب حركي حزبي عنصري أي في منهج وفكر وحزب ومال «السلفية الوهابية» نسبة إلى المؤسس محمد بن عبد الوهاب 1792- 1703 وبمشاركة محمد بن سعود – القرن الثامن عشر للميلاد- نجد أنها تتوافق مع السلفية الوهابية في كل أفكارها وتصرفاتها وخطابها الديني والإعلامي، لا بل هذه الأفكار التي بنيت عليها السعودية أوصلت بعض الطوائف الإسلامية للأخذ بمعتقداتها من دون مرجعية نهضوية وفكرية واجتهادية، ملغية بذلك كثيراً من علم الحديث النبوي ورأي العلماء والمختصين وعلم الحداثة وتطورها، ونسفت طبيعة الجغرافية والحقيقة التاريخية، وجعلت الهجرة لمناصرة أبناء الدعوة باباً جهادياً وجب تنفيذه فعلياً ودعمه مالياً من دون عوائق، وكي تسير من دون قلق في مشروعها أبعدت الجهاد المقدس والحقيقي ضد الصهاينة واحتلالهم لفلسطين والقبلة الإسلامية الأولى، ومهد عيسى المسيح، ولا نستغرب إن كشفت الحرب الدائرة في سورية توافقاً كلياً مع الزمر الداعشية وجبهة النصرة ومن يدور في فلكهما و»إسرائيل»، حيث تتم معالجة جرحاهم هناك، وزيارة قادة هذه الجماعات للكيان الصهيوني وأخذ راحة واستجمام من معارك الشام، وإجراء لقاءات استخباراتية وعسكرية، والحصول على تعليمات ميدانية، يرافق ذلك العديد من تسهيلات اللوجستية والإعلامية والبشرية والمالية، وتسليم السلاح والسيارات الرباعية الدفع الحديثة وتوصيلها إلى أرض المعركة في سورية من الأمور العادية لا خيانة فيها… كل هذا يؤكد أن مشروع «داعش» والدول المنوطة بمساعدتها هي في حالة انسجام مع المشروع الصهيوني، وتلتقي في ضرب المقاومة ضد «إسرائيل» بحجة الدين وبحجة الأولويات لبناء دولة الخلافة، وهذه الفكرة تبرر للصهاينة إعلان دولتهم اليهودية، وتجعل الأقليات يبحثون عن إمارة أو منطقة خاصة بهم يكرسون وجودهم كدولة فيدرالية مستقبلية كحال العراق.

المهم أن النهج الذي تسير عليه الحركات التكفيرية في بلادنا هو النهج ذاته الذي تعيش عليه السعودية كدولة غير قادرة وقابلة للتطور السياسي، ولا تبحث عن بناء دولة تؤسس لوجود كياني إنساني وحدودي يطور المجتمع، ويؤمن بلغة الحوار والفكر وحق العيش، لا بل لم تكترث هذه المنهجية إلى استخدام أموال الثروات النفطية في زرع فكرة وخدمة التطور العلمي، بل أغرقت مجتمعها المفكك إلى عناصر قابلة للإرهاب ولرفض الآخر وتكفيره بتكنولوجيا خدماتية متوافرة بسرعة وبقوة من دون معرفة الصنع والدور، فإن سياسة إلهاء من يسكن في حدودها تبعد عن الحكم حركات التحرر الإنساني وثورات الحرية وتحجم الفكر الديني وتضيّق الخناق على من يحاول أن يؤمن بالصوت وبالفكر العقائدي الحزبي البعيد من الدين، وهذا الإغراق المالي والغزو التكنولوجي المتعمد يتطلب حزماً سليطاً في نشر ما يجدونه يقيد الدين والفكر البشري وكل ما له علاقة بروح الحياة البسيطة والكريمة، وهنا لا مجال للديمقراطية أو حقوق الإنسان والمواطن.

كل هذا لم يعد يؤمن للسعودية حالة من الاستقرار الوجودي بعد أن قرر مسؤول «داعش» تغيير أولوياته، وإعلانه تحرير السعودية وشن حربه عليها، فالنظام هناك كان يخطط للفوضى المتحركة التي تضعف الخصم من دون أن تلغيه، بينما «داعش» يعمل على تكريس سياسته وإلغاء من لا يجاريه ذلك حتى لو كان من فصيله. السعودية تعتبر أن بلاد الجوار ملعبها وحركتها وتحركها كي تبعد شبح التغيير السياسي والاجتماعي عنها، بينما «داعش» ونظراً للدعم الغربي وبعض المجتمع العربي السني لها يجعلها تسير على بركة اللعب في قلب أرض من أمن لها الغطاء العقائدي والإعلامي والمالي من أجل تثبيت الدولة وسياسة الولاية بعيداً من مجاراة العدو، أو مهادنته كي تمر العاصفة أو المرحلة.

السعودية تنطلق مع محيطها من خلال خصومات شخصية، بينما «داعش» تنطلق من خلال استراتيجية لمشروعها في تثبيت حكمها، من هنا الأيام المقبلة ستكون السعودية هي بوصل «داعش» التحررية.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه