إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الحوار اللبناني ــ اللبناني: اللاعبون... والكومبارس!

أحمد أصفهاني

نسخة للطباعة 2015-01-14

إقرأ ايضاً


أخيراً، إنفتحت أبواب الحوارات السياسية بين الأفرقاء اللبنانيين على مصاريعها بعد أن صدرت كلمة السر من هذه العاصمة أو تلك، فتناسى القادة السياسيون كل تحفظاتهم وشكوكهم واتهاماتهم وحملاتهم الإعلامية الصاخبة ليجلسوا على طاولة واحدة في محاولة لـ "درء الفتنة" التي كادت تعصف بالكيان اللبناني فلا تبقي لأحد أثراً بعد عين!

حوار "حزب الله" و"المستقبل" قطع شوطاً لا بأس به، في حين يعمل مسؤولون من "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" (بعد جلسات عدة للمستشارين) على بلورة أوراق عمل محددة تفتح الطريق أمام اللقاء المرتقب بين ميشال عون وسمير جعجع. وهكذا وجد اللبنانيون أنفسهم أمام حوارين دفعة واحدة: الأول سني ــ شيعي، والثاني ماروني ــ ماروني، على أمل أن تسفر الاجتماعات لاحقاً عن صيغ توافقية تمهد لحوارات بين المكونات الطائفية للكيان اللبناني (عددها 18 طائفة على الأقل حتى كتابة هذه السطور).

وكي لا نضيع في معميات التصريحات الصحافية والتحليلات السياسية والآمال المفرطة في ما يتعلق بقبول الأطراف المعنية مبدأ الحوار والنتائج المرجوة منه، علينا أن نعيد الأمور إلى نصابها الحقيقي فنقول إن الحوار بين "حزب الله" و"المستقبل" هو محاولة جادة لضبط الساحة الإسلامية المتناحرة (سنيها وشيعيها) وتنفيس الاستقطاب الحاد بين الطائفتين الإسلاميتين الأساسيتين ونزع فتيل الفتنة الذي إشتعل بالفعل لكنه لم يصل بعد إلى حد إحداث الإنفجار الكبير. أما حوار عون ــ جعجع فأقصى طموحه أن يعيد ترتيب البيت الماروني لعل وعسى يتم ملء منصب الرئاسة الشاغر... في وقت قريب جداً!

لا أحد ينكر أهمية ما حققه الحوار فور انعقاده. إن تخفيف الاحتقان وإيقاف العازفين على أوتار الفتنة المذهبية عند حدهم هما هدف مرحلي نبيل يستحق الدعم والحماية، خصوصاً أن الساحة اللبنانية (بل والقومية) تعج بالأيدي الخبيثة التي تعتاش على دماء الغوغاء. وحتى في حال إقتصار نجاح جلسات الحوار على تحقيق بند "نزع فتيل الفتنة" وحده، فإن الطرفين يكونان قد قدما خدمة جليلة للبنان والمنطقة. وستتعزز هذه الخدمة في حال نجاح حوار عون ــ جعجع في تسهيل الطريق الماروني المسدود نحو سدة الرئاسة الأولى.

ولكن، في هذه الناحية بالذات، يكمن الخطر الكبير ليس على الهوية الوطنية للكيان اللبناني فحسب بل أيضاً على الأطراف المشاركة في الحوارين... وكذلك على الأطراف غير المشاركة وقد إتخذت لنفسها مكاناً في مقاعد المتفرجين تنتظر بصبر مُمل ما يمكن أن تؤول إليه تلك الاجتماعات. لقد رسّخ هذان الحواران الهوية الطائفية للأفرقاء الأربعة المشاركين فيهما. فنحن أمام ثالوث سني ــ شيعي ــ ماروني يكاد يختصر الجماعات المذهبية الأخرى، ويلغي الأحزاب السياسية القومية والعلمانية والليبرالية غير المصنفة في خانات القوى الروحية، بل ويحتكر تمثيل أبناء الطوائف اللبنانية بمن فيهم الألوف من الذين خلعوا عن أنفسهم عباءة الهوية الدينية لصالح إنتماء وطني وقومي جامع.

لم يخفِ "حزب الله" قط في يوم من الأيام الخلفية الشيعية لفكره الإيديولوجي وقاعدته الشعبية (موضوع المقاومة مسألة أخرى يمكن البحث فيها لاحقاً). و"تيار المستقبل" كان وسيبقى تجمعاً سنياً عصبه الأساسي آل الحريري طالما أنهم مستمرون في تلقي الدعم المالي والسياسي من رعاتهم الإقليميين والدوليين. ولسنا بحاجة لتبيان مارونية "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" فهي أوضح من أن تعرّف. ولذلك من الطبيعي جداً أن يكون الحواران ذوي نكهة مذهبية طاغية... طالما أن الأحزاب السياسية غير الطائفية إما مُهمَلة أو مخصص لها دور الكومبارس (وربما دور شاهد الزور) عندما تنضج الطبخة "الدستورية" كما حدث مع "الميثاق الوطني" و"اتفاق الطائف" و"اتفاق الدوحة"... إلخ!!

إن انتقال الحوارين من مستواهما الطائفي إلى المستوى الوطني من دون توسيع إطار المشاركة أو تعديل جدول الأعمال، سيمثل مشكلة مستقبلية تحمل في طياتها عوامل التدمير الذاتي. فالصيغة التي ستخرج بها اللقاءات الطائفية ستكون مجرد تسوية على مقياس التوازن الطائفي الهش المعرض دائماً للاهتزاز حسب الظروف المحلية والإقليمية. وبالتالي سيكون نصيبها الفشل على غرار كل الصيغ الأخرى التي أشرنا إليها أعلاه... الأمر الذي يؤسس لمواجهات أهلية متواصلة.

نحن لا نوجه أصابع اللوم إلى الأطراف الأربعة المشاركة في الحوارين، إذ أنها تنطلق من مصالحها السياسية وخصوصيتها الفكرية ذات الصبغة الطائفية. إلا أن المسؤولية تقع على عاتق معظم الأحزاب والقوى القومية والوطنية والعلمانية والليبرالية غير المذهبية لأنها ترتضي لنفسها دور التبعية في ما يتعلق بمستقبل بنية النظام السياسي في الكيان اللبناني. صحيح أن ضبط الوضع الأمني وقطع دابر الفتنة يجب أن يتقدما على ما عداهما من قضايا في هذه الظروف العصيبة، لكن الأصح أيضاً أن فعل الأحزاب العقائدية العلمانية لا ينحصر في الأحداث الراهنة فقط وإنما يستشرف آفاقاً مستقبلية تتجاوز المسائل العارضة المتغيرة.

إن دعم جلسات الحوار بين الأفرقاء الأربعة بهدف "تحصين السلم الأهلي" يعتبر خطوة بديهية، لكنها لا تعفينا ــ لوحدها ــ من طرح مبادرات جذرية تكون غايتها المثالية الوصول إلى مجتمع ذي عصبية قومية موحدة لا مكان فيه للتناحر الديني والمذهبي، ولا يتقرر مصيره على أيدي رجال الدين من هذه الطائفة أو تلك.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024