إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الحنكة الإيرانية تفاوض الغرب على قنبلة لا تريدها وتكسر الطوق الاقتصادي عنها وتفرضها قوة إقليمية

هتاف دهام - البناء

نسخة للطباعة 2015-04-30

إقرأ ايضاً


نجحت الحنكة الايرانية في التفاوض مع الأميركي، على قنبلة لم تكن تريدها ولا تسعى اليها، في كسر الطوق الاقتصادي عنها والاعتراف بها كقوة اقليمية، فأزمات المنطقة تتطلب التعاون معها لايجاد حلول لها. أخذت الجمهورية الإسلامية الإيرانية قرارها ومشت إلى المفاوضات النووية في لوزان. لا تفاوض على الملفات الأخرى قبل التوقيع على الاتفاق النووي نهاية حزيران المقبل. أصرّت على ان تقتصر المفاوضات على الملف النووي من دون أي ملف آخر، وأعلنت أنّ حلّ الملف لا يعني حلاً للملفات الاخرى العالقة في المنطقة. انما يعني فتح الباب للتفاوض حول ملفات أخرى.

لن تتنازل ايران عن ثوابتها ومبادئها التي باتت من المسلمات تحت أي ضغط، والمتعلقة بمسارات سياساتها الخارجية من دعم المقاومة والوقوف الى جانبها، إلى رفض الهيمنة والتسلط وعدم الاعتراف بـ»إسرائيل»، وصولاً إلى العمل على إخلاء المنطقة من اسلحة الدمار الشامل.

فصلت إيران في مفاوضاتها النووية مع الدول الست، الملف النووي عن الملفات الاخرى. لن توقع الاتفاق النووي على حساب الملفات الاقليمية المرتبطة بالحرب السورية والعراقية واليمنية، من منطلق مصلحتها، فهي تدرك أنّ تقديم التنازلات في ملف معيّن سيؤدّي إلى تراجع مستمرّ في ملفات أخرى، ولذلك فإنّ المنهجية الايرانية تميل إلى فصل الملفات عن بعضها بعضاً على قاعدة إحساسها بالقوة وعدم اضطرارها إلى تقديم تنازلات.

تميّز الجمهورية الاسلامية في علاقاتها الدولية بين المبدأ والشكل. يذهب المفاوض الإيراني إلى المفاوضات مزوّداً بمبادئ ثابتة لا يمكن أن يتنازل عنها أو يغفلها أو يتجاوزها، وفي الوقت نفسه يُترك له باب المناورة في الشكل والأسلوب وطريقة الحوار.

قدّمت إيران للغرب تنازلات لكن في الحقل التقني فقط، لا سيما السلاح النووي الذي لا تريده أصلاً الجمهورية الاسلامية ولا تعمل على امتلاك تقنية تصنيعه، لكنها لم تقدّم تنازلات في ثوابتها التي لن تتغيّر الا بتغيير النظام الذي لن يحصل.

يحمل هذا الاتفاق انعكسات كبيرةً مهمة على العلاقات الخارجية لإيران، وعلى منطقة الخليج عموماً، والسعودية في شكل خاص التي تعيش هاجس إقامة واشنطن علاقة جيدة مع إيران ينتج منها زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة، فهي تدرك أنّ مكانة الجمهورية الاسلامية ستقوى من خلال الاستثمارات الاميركية والاوروبية على الارض الايرانية، ومن خلال الصادرات الإيرانية إلى العالم، الأمر الذي سيجعلها قوة اقتصادية ضخمة في الشرق، التي تعطيها حركة أكبر في التفاوض حول ملفات المنطقة. وهذا ما تجلى في الملف اليمني ذي الطبيعة المتفجرة والمتسارعة الذي يتطلب عدم ربطه بما ستؤول اليه نتائج الملف النووي، ما يعني أن القنوات الدولية مفتوحة حول هذا الملف بما فيها الاتصالات الايرانية – الاميركية التي تحدثت عنها الناطقة باسم وزارة الخارجية مرضية أفخم بإعلانها عن اتصال أجراه وزير الخارجية الاميركي جون كيري بنظيره الايراني محمد جواد ظريف بحثا خلاله في الملف اليمني على هامش البحث في الملف النووي.

تبدي إيران استعداداً في حال انجز الملف النووي للانتقال إلى بحث الملفات الاخرى، وهذا ما سبق أن أعلنه الرئيس الايراني حسن روحاني أن بلاده تريد أن تفتح صفحة جديدة مع العالم بعد توقيع الاتفاق النهائي حول برنامجها النووي ورفع العقوبات عنها، وأكده الوزير ظريف وورد على لسان المرشد الأعلى السيد علي خامنئي في إحدى خطبه الأخيرة، ما يعني أن تأثير الملف النووي على الملفات الأخرى لا يبدو واضحاً ما لم تستكمل الملفات بين الطرفين، لكن ما يؤخذ في الاعتبار أيضاً أن الملف النووي سيضع المنطقة على عتبة جديدة ويطلق دينامية جديدة في فهم التطورات الاقليمية، إذ إن خيار التصعيد سيوضع جانباً وأن المقاربات الحوارية ستتحكم بالمنطقة، فوزير الخارجية الايراني أراد في المقال الذي نشره في صحيفة «نيويورك تايمز» أن يوجه رسالة الى الأميركيين لاختبار مدى جدية الاميركي في ما يتعلق بالحصار الإعلامي الذي كان مفروضاً على الايرانيين الى جانب الحصار الاقتصادي، ومخاطبة الرأي العام الأميركي وعدم تركه فريسة الحرب النفسية التي تشنّ عليه، والتأكيد على الثقة بالنفس أنه يملك الحجة ويخاطب الجميع بالندية وهذا يعدّ وجهاً من وجوه النصر الاستراتيجية، في الحرب القائمة.

المحاولات الأميركية و«إلاسرائيلية» لتطويق إيران لم تحقق على مدى ستة وثلاثين عاماً هدفاً واحداً بعد مخاض عسير استمرّ 12 عاماً ولد اتفاق الإطار بين إيران ومجموعة الدول 5+ 1 تمهيداً للاتفاق النهائي الذي سيدخل حيّز التنفيذ في نهاية حزيران المقبل برعاية مجلس الأمن، على أن يبدأ الخبراء والتقنيون اليوم أعمال الصياغة النهائية لهذا الاتفاق، كما أعلن الوزير ظريف أمس.

مباحثات ماراثونية سبقت الاتفاق الذي وصف بالتاريخي وتم التوصل اليه على قاعدة لا غالب ولا مغلوب. مدة الاتفاق ستكون 10 سنوات، على أن تتمكن إيران خلالها من متابعة عمليات البحث والتطوير للطرود المركزية المتقدمة دون أن تغلق أياً من مفاعلاتها النووية. وأكد الاتفاق على إلغاء جميع قرارات مجلس الامن والعقوبات الأميركية والأوروبية الاقتصادية والمالية والأشخاص والمؤسسات وفي مرحلة واحدة، وعلى ضرورة أن تقدم مجموعة الدول 5+1 ضمانات بعدم وضع عقوبات جديدة في الملف النووي.

سحبت الجمهورية الاسلامية اعترافاً دولياً بحقها بتخصيب اليورانيوم. صحيح أنّ الاتفاق تضمّن خفض مستوى التخصيب من نسبة 20 في المئة الى 3.6 في المئة، الا انّ النسبة أكثر من كافية، فإيران تملك احتياطاً كافياً من اليورانيوم. لم تمانع ايران أيضاً في تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمها في تخصيب اليورانيوم من 20 ألف جهاز إلى 6000، فهي ليست في حاجة الى أكثر من ذلك، فهذه النسبة تلبّي احتياجاتها، على ان تصبح محطة فوردو مركزاً للداراسات النووية والفيزياء المتطورة، ويتمّ استخدام جميع البنى التحتية للأجهزة والجزء الآخر لأجهزة محطة فوردو وبمساعدة بعض مجموعة دول 5+1 في استخدامها للدراسات المتطورة النووية، وإنتاج أجهزة «ايزو توب» التي تستخدم في الصناعة والزراعة والطب. أما في شأن مفاعل أراك للمياه الثقيلة سيبقى، ولكن سيتمّ إعادة التخطيط له وتطويره وتقليل نسبة «البلوتونيوم» الذي سينتجه، كما سيستمرّ نشاط مصنع المفاعل لإنتاج المياه الثقيلة. مع الإشارة إلى أنّ أي منشأة تعمل بالمياه الثقيلة لا تهدف لإنتاج البلوتونيوم في النهاية، هي بحسب الخبراء مرحلة متقدمة جداً في البرنامج النووي. ونص الاتفاق على منع ايران من إنتاج قنبلة نووية لمدة 10 أعوام، بيد أنّ إيران أصلاً لا تريد تصنيع هذه القنبلة انطلاقاً من فتوى الإمام خامنئي التي حرّمت تصنيع وامتلاك واستعمال هذه القنبلة.

حافظت إيران على سيادتها وكرامتها ومصالحها وعلى حقوقها وفق معاهدة الـ»ان بي تي» للوكالة الدولية للطاقة الذرية. لم تتنازل للشيطان الأكبر. انما حققت مكاسب كبيرة وحافظت على الخطوط الحمر التي رسمتها، فهي لم تذهب الى المفاوضات النووية من الموقع المنكسر، انما من موقع الدولة القوية والمنتصرة، فكل سياسات الغرب لم تفلح في إضعاف طهران، انما زادتها قوة وتطوراً. مُنيت سياسة الولايات المتحدة الاميركية مع ايران ما بعد الثورة بفشل ذريع. لم تنجح كلّ المحاولات التي انتهجتها لتركيعها فأيقنت أنّ المفاوضات هي الطريق الأفضل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المصالح الأميركية غير آبهة بحلفائها لا سيما السعودية التي غرقت في الوحول اليمنية.

ستة وثلاثون عاماً ولم تحقق كل المحاولات الاميركية و»الاسرائيلية» لتطويق إيران هدفاً واحداً. فشلت سياسة اغتيال وقتل العُلماء والمسؤولين الإيرانيين التي لجأ اليها كيان العدو الحليف الاول للولايات المتحدة. فشلت محاولات اللجوء إلى إشعال الحرب الأهلية وتفجير الوضع الداخلي بين الفصائل الكردية وقوات الأمن الإيرانية، لتفشل أيضاً الحرب الإيرانية العراقية التي سعت الولايات المتحدة إلى جعلها تمتدّ إلى أطول فترة ممكنة في محاولة لاحتواء الثورة الإسلامية موعزة يومذاك إلى صدام حسين، بمهاجمة إيران والاستيلاء على منطقة خوزستان الغنية بالنفط، فهنري كيسنجر يقول عن هذه الحرب «تمنينا أن تستمرّ أطول مدة ممكنة، ولا يخرج أحد منها منتصراً وإنما كلا الطرفين مهزومان»، وصولاً إلى العقوبات الاقتصادية وخفض أسعار النفط والضغوط الديبلوماسيّة، كلّ ذلك من أجل تطويق إيران اقتصادياً وسياسياً وكبح طموحاتها ومنعها من حيازة سلاح نووي سلمي، والعودة بإيران الى ما كانت عليه في عهد الشاه، علماً أنه في عام 1983 أجرى مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفتيشاً للمنشآت النووية الإيرانية، التي كانت موجودة في حينه، ووضعوا تقريراً عن مقترح تعاون لمساعدة إيران على تخصيب اليورانيوم، إلاّ أنّ برنامج المساعدة هذا توقّف لاحقاً نتيجة الضغط الأميركي.

تحدّت الجمهورية الاسلامية الحصار الاقتصادي والسياسي. حقّقت إنجازات كبيرة لافتة في مختلف المجالات الصناعية والعلمية والفضائية والعسكرية، امتلكت دورة الوقود النووي، دخلت مرحلة جديدة من غزو الفضاء، فهي أطلقت 4 أقمار اصطناعية للمراقبة الى الفضاء من صنعها وتمسّكت بالتكنولوجيا النووية أقامت تحالفات في المنطقة وخارجها لا سيما مع روسيا والصين، وشبكة علاقات اقتصادية وسياسية وتجارية مع العديد من الدول الاقليمية وعلى رأسها تركيا، ما جعل منها شريكاً استراتيجياً مؤثّراً وحيوياً لاقتصادات العديد من دول العالم. وتمكّنت من تحقيق الأمن الغذائي، واحتلت المرتبة الأولى من حيث الإنتاج الغذائي في الشرق الأوسط.

امتلكت إيران قرارها السياسي والاقتصادي والعسكري المستقل، وقفت في وجه سياسات الهيمنة في المنطقة، دعمت حركات المقاومة في التصدّي المتواصل للعدو «الإسرائيلي»، استطاعت أنّ تحقّق لنفسها دوراً إقليمياً فاعلاً، من خلال الانتصارات التي حققتها المقاومة في لبنان ضدّ العدو «الاسرائيلي» في عام 2006 والمقاومة في غزة في عامي 2009 و2014، وأيضاً من خلال صمود سورية الحليف الاستراتيجي لإيران في المنطقة، والعراق واليمن، أمام محاولات التقسيم.

Fact Sheet إيراني

تتحضّر الجمهورية الاسلامية الايرانية إلى إصدار « Fact Sheet» إيراني أو «ورقة الحقائق»، بعد Fact Sheet التي وزعتها الخارجية الأميركية المناقضة لما تمّ إعلانه في لوزان، وتتضمّن تفاصيل الاتفاق والمدة الزمنية وبعض آليات العمل وهي غير البيان المؤلف من صفحتين والذي تمّت صياغته باللغتين الانكليزية والفارسية في لوزان. ويأتي التحضير لورقة الحقائق الإيرانية من أجل تبديد الهواجس، قبل صياغة البيان الختامي، لا سيما انّ ورقة الحقائق الاميركية تتحدّث عن الرقابة الدولية والتفتيش للمنشآت وتؤكد إمكانية قيام مفتشين بزيارة منشآت عسكرية ايرانية في حال تمّ الشك في وجود نشاط نووي غير مصرّح به، وهذا غير موجود في اتفاق لوزان».

ولهذه الغاية اجتمع مجلس الشورى الاسلامي إلى وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ورئيس منظمة الطاقة الذرية الايرانية علي أكبر صالحي، وضع خلاله ظريف وصالحي النواب الايرانيين في أجواء الاتفاق النووي، التي تشير العناوين الرئيسية لنصه إلى أنّ رفع العقوبات يترافق مباشرة مع توقيع الاتفاق في نهاية حزيران، فلا يمكن إعلان الموافقة على الاتفاق ثمّ يجري الالتفاف على البنود. وهذا ما أكده الرئيس الايراني حسن روحاني بقوله: «إذا لم توضع نهاية للعقوبات فلن يكون هناك اتفاق»، مكرّراً تصريحات أدلى بها السيد علي خامنئي.

قدم ظريف وصالحي توضيحات حول الأبحاث والتطوير للتكنولوجيا النووية في البلاد والتي تمّ الاتفاق في شأنها في المفاوضات، وأعلنا بأنه سيتمّ بعد بدء الاتفاق ضخ الغاز لأجهزة الطرد المركزي .وأكد ظريف انّ وزارة الخارجية ستصدر في غضون الأيام المقبلة «ورقة الحقائق» الإيرانية حول البيان المشترك لإيران ومجموعة 5+1 لتبديد مخاوف النواب الذين يعتبرون أنّ ورقة الحقائق حول مفاوضات لوزان تعتبر القضية الأهمّ التي ينبغي ان ننتظرها خلال الأيام المقبلة. أبلغ ظريف النواب الإيرانيين بأنّ إلغاء الحظر سيجري عند تنفيذ الاتفاق. ففي البداية يقوم مجلس الأمن بإصدار قرار يلغي قراراته الستة السابقة حول فرض الحظر على ايران وفور إجراء هذا الأمر تبدأ ايران بتنفيذ تعهّداتها بجمع أجهزة الطرد المركزي العدد المتفق عليه وفي المقابل يقوم الطرف الغربي بإلغاء الحظر، وانّ إيران لن تقبل مطلقاً بأنشطة كاميرات الأونلاين للمراقبة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مراكزها النووية وان مثل هذا الأمر لم يحدث في الاتفاق.

ويأتي اجتماع ظريف إلى مجلس الشورى الإيراني انطلاقاً من حرص المفاوض الإيراني على وضع النواب في أجواء الملفات الحساسة على اعتبار انّ البرلمان هو المسؤول عن الأمور المتعلقة بالموازنة وتعود له الكلمة الفصل لإقرار كلّ المعاهدات الدولية ولذلك كان من المفترض ان يضعهم ظريف في طبيعة اتفاق الإطار، لأنّ الاتفاق النهائي يحتاج الى موافقة مجلس الشورى.

نجح الوزير الايراني، في استقطاب ردود الفعل الإيجابية من أعلى المستويات المحلية والاقليمية. القائد العام للحرس الثوري الايراني اللواء محمد علي جعفري أعرب عن ثقته بالفريق النووي المفاوض، واعتبر انّ صمود الشعب الايراني هو الذي دفع بالسداسية الدولية والولايات المتحدة الاميركية للرضوخ للخيار الدبلوماسي، معيداً التأكيد بأنّ الاتفاق الشامل يجب ان يحافظ على الخطوط الحمر وهي الحق بتخصيب اليورانيوم واستمرار الابحاث النووية ورفع العقوبات مع توقيع الاتفاق، موضحاً انّ الفريق النووي الايراني المفاوض «دافع» عن حقوق الشعب الايراني في المعركة النووية. وتلقى ظريف دعماً من خامنئي الذي قال: «نحن نثق بالمفاوضين، وبأنهم لن يسمحوا بالمساس بحقوق الأمة في الملف النووي».

وعلى عكس ظريف، فشل وزير الخارجية الأميركي في طمأنة نظرائه في دول مجلس التعاون الخليجي الى المفاوضات مع إيران ومسايرة «إسرائيل»، والحصول على دعم الجمهوريين الذين اتهموا الرئيس الاميركي باراك أوباما بتحريك مجلس الأمن الدولي لصالح إيران، وطالبوا باللجوء الى المؤسسات الشرعية الأميركية وبعرض أيّ اتفاق مع إيران على الكونغرس الذي لم تنجح المساعي المضنية التي بذلتها إدارة الرئيس أوباما، في إقناعه بالامتناع عن التدخل في الاتفاق، فبعد انضمام أعضاء ديموقراطيين إلى الجمهوريين، وافق أوباما على مشروع قانون أقرّته لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بالإجماع، يمنح الكونغرس حق رفض أيّ اتفاق، ويلزم الرئيس بنيل تفويضٍ لرفع العقوبات المفروضة على طهران. وهو ما قد ينجح في تشكيل غالبية لا يمكن لحقّ النقض الرئاسي التغلب عليها، وبالتالي سيقوّض مرحلة التفاوض النهائية الحساسة قبل الموعد النهائي المقرّر في 30 حزيران. إلا أنّ الردّ جاء سريعاً من الرئيس الإيراني حسن روحاني وذكّر بـ»أنّ بلاده لا تفاوض مجلس الشيوخ ولا مجلس النواب الأميركيَّين، بل مجموعة اسمها الدول الست المعنية بالملف النووي الإيراني». وأضاف: «يدرك الجميع أنه لن يكون هناك اتفاق، من دون رفع للعقوبات المفروضة على إيران».

المعركة في اليمن عربية ـ عربية والديبلوماسية الإيرانية تفكك «عاصفة الحزم»

ما إنْ أثمرت المفاوضات بين إيران والدول الست اتفاق الإطار في لوزان حتى جنّ جنون السعودية التي تخشى أن تنسج واشنطن التي لم تعد بحاجة إلى نفط الخليج، علاقة جيدة مع إيران تزيد من نفوذها في المنطقة. فالاتفاق ترافق مع إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما في رسالة إلى دول الخليج ضرورة التركيز على قضاياها الداخلية على اعتبار أنّ أكبر خطر يتهدّد عرب الخليج ليس التعرّض لهجوم من إيران، إنما السخط داخل بلادهم، سخْط الشبان الغاضبين العاطلين من العمل والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم.

أيقنت مملكة آل سعود أنها خسرت أوراقها في العراق وسورية، فلجأت لتشفي غليلها في اليمن. دخلت الحرب على اليمن بقرارات خاطئة لتعود وتقبل الحلّ الذي كانت ترفضه قبل الحرب التي انتهجت خلالها سياسة التصعيد العسكري الجوي. فارتكبت ما ارتكبته من مجازر ضدّ اليمنيين أطفالاً ونساء وشيوخاً، ومن تدمير البنى التحتية والمنشآت الحيوية، ومصانع ومنشآت مدنية، إلا أنّ هذا الخيار قد فشل، فهي لم تتمكن من القضاء على أنصار الله، أو القوى المعارضة لها والحدّ من نفوذها وانتشارها. وعلى رغم عمليات القصف السعودي تمكنت اللجان الشعبية من السيطرة على معظم أنحاء اليمن لا سيما عدن. فـ»عاصفة الحزم» قتلت آلاف المواطنين الأبرياء ولم تتمكن من الحوثيين الذين يتحصّنون في الجبال، وبالتالي فهي لم تشكل خطورة على أنصار الله، انما خلقت شعبية جديدة للحوثي، وأبقت الترسانة الصاروخية في أيدي قوات الحوثي.

رغبت السعودية باستعادة نفوذها وأهميتها ودورها في اليمن من خلال هذا العدوان، إلا أنّ سياسة الملك سلمان بن عبدالعزيز انعكست سلباً عليه. الأمير السعودي طلال بن عبدالعزيز يكشف في تصريح لقناة «فوكس الألمانية»، «أنّ حلفاءنا أخبرونا بأن لا نغامر باستفزاز إيران وتهديدها وإلا فإننا سنفتح نار جهنم علينا وأنّ القوات الإيرانية ليست اليمن لأنها قادرة على تدمير البنى التحتية والقوة العسكرية للمملكة خلال 24 ساعة».

أدركت السعودية استحالة أن تستكمل «عاصفة الحزم»، سواء بالغارات أو القصف المدفعي، كما أدركت أن التدخل البري صعب بعد تراجع مصر وباكستان، على رغم أنها سعت في كلّ الخطابات الى الزعم أنّ المعركة هي ضدّ السنّة وأنّ المواجهة حاصلة ضدّ التوسع الايراني لكي تعطي المعركة طابعاً سنّياً ـ شيعياً، تستفيد منه لتكوين تحالف ضاغط على ايران، فلجأت الى باكستان ومصر وتركيا، الا انّ الحركة الديبلوماسية الإيرانية نجحت في أن تفكك هذا التحالف الذي راهن عليه الملك سلمان. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سارع إلى زيارة الجمهورية الاسلامية عقب اتفاق لوزان. وأبدى استعداداً للتعاون بين البلدين بعد رفع العقوبات، والاستفادة من الإمكانات الاقتصادية التي تقدّمها له طهران، فأنقرة تحتاج إلى الغاز الإيراني، وتطمح أن تصبح أحد الأقطاب الاقتصادية والسياسية في المنطقة، بغضّ النظر عن أنّ الايراني لا يراهن في تعامله مع التركي الا على الالتزام بالخطوط الحمر. ففي الأزمة السورية مثلاً نجحت ايران في منع تركيا من التدخل عسكرياً في سورية، وفي الوقت نفسه بقي الموقف التركي على حاله من الأزمة السورية. أما باكستان التي تقع جنوب غربي إيران، تفترض مصالحها الاقتصادية أن لا تكون على خلاف مع إيران وتتجاهل ارتباطها بعلاقات تاريخية معها، واشتراكهما بحدود تمتدّ لمئات الكيلومترات، وهذا ما دفع البرلمان الباكستاني إلى رفض المشاركة في «عاصمة الحزم»، رداً على طلب سعودي للانضمام إلى الحلف، وتأكيده أنّ «باكستان تلتزم بالحيادية في الصراع في اليمن حتى تتمكن من لعب دور ديبلوماسي وقائي لإنهاء الأزمة».

لقد أثبت عدم مشاركة تركيا وباكستان وسعيهما إلى جانب إيران وسلطنة عمان وروسيا إلى ايجاد حلّ سياسي، أنّ المعركة كانت عربية عربية ولا تزال كذلك. وفي موازاة ذلك، نجح الإيراني في حصار السعودية وفكك التحالف، فلجأت السعودية إلى القبول بوقف العدوان على رغم أنها لم تدرك بعد ولا تريد ان تدرك أنّ اشتعال الحروب واندلاع المعارك بين دول المنطقة يصبّ في خانة «إسرائيل»، وسارت في المشروع الأميركي «الاسرائيلي» الذي ينفذ خططه التقسيمية في المنطقة عبرها، ولا تزال. لم تنتصر مملكة آل سعود إنما عززت انطباعاً بأنه ليس في مقدورها هزيمة الحوثيين، وهي تتجه إلى تبني حلّ سياسي جدّي يشرك الحوثي في المعادلة، يحظى بموافقة إيران ويبعد كلّ من عبد ربه منصور هادي وعلي عبد الله صالح عن الحكم.

إيران والحليف الذهبي

لم يطاول الاتفاق بين ايران والدول الست السياسات الايرانية أو السياسات الأميركية في المنطقة. لا تزال الجمهورية الإسلامية على موقفها الداعم لحركات المقاومة في لبنان وسورية وفلسطين، فسياسة إيران قبل الحصار الغربي وبعد فكه لن تتغيّر. وانهاء العقوبات لا يعني فك الاشتباك مع الولايات المتحدة، لأنّ الاتفاق هو تحت سقف الاشتباك وليس تحت أيّ سقف آخر.

ليست طهران على استعداد للتفريط بالمقاومة من أجل ملفها النووي. قوة حزب الله قضية مركزية في مبادئ ايران الاستراتيجية. موضوع فلسطين والمقاومة خارج أيّ تداول، ولذلك ستعمل على توسيع فضائها وفضاء المقاومة الحيوي الاستراتيجي وتوثيق علاقاتها بمكوّنات محور المقاومة.

لقد أعلن رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل في قراءة للاتفاق النووي، أنّ هذا الاتفاق سينعكس مزيداً من القوة على وضعية حزب الله السياسية، وإيران ستزداد نفوذاً على المستوى الاقليمي سياسياً واقتصادياً. وبهذا المعنى من الخطأ أن ينتظر البعض انعكاسات ميكانيكية مباشرة وتلقائية على الملفات الأخرى، بما فيها الملف اللبناني فضلاً عن أنّ الاخلاق الايرانية لا تضعها في موقع الاستعداد للتفريط بحلفائها، ولا البيع والشراء على حساب مصالحها، فكيف إذا كان الأمر متعلقاً بالحليف الذهبي حزب الله. وهذا ما تؤكده تجربة إيران في علاقاتها مع حلفائها.

تتجه الجمهورية الايرانية إلى المزيد من دعم حزب الله ومدّه بالسلاح. العلاقة بينهما علاقة عضوية عقائدية لا تتأثر بالاتفاق النووي الايراني أو بغيره من الملفات والقضايا. حزب الله لاعب إقليمي منذ أن أطلق الرصاصة الأولى في وجه «إسرائيل»، وأصبح اليوم قوة إقليمية فاعلة بفعل طبيعة دوره وعمق تأثيره في الحرب السورية.

لن تتغيّر العلاقة بين الطرفين. حزب الله الذي وصف الاتفاق بالانتصار النموذجي والإنجاز العالمي النوعي الذي تضيفه الجمهورية الإسلامية إلى سجلها المشرق بالانتصارات والإنجازات من خلال توصل ديبلوماسيتها النشطة إلى اتفاق يستند إلى صلابة الموقف المبدئي الإيراني من موضوع البرنامج النووي السلمي الذي تطوّره، تجمعه بإيران علاقة استراتيجية كبرى مبنية على أهداف استراتيجية كبرى في المنطقة تتصل في شكل أساسي بالخطر الذي يشكله المشروع الصهيو أميركي والمتمثل في شكل مباشر بـ»إسرائيل». وطالما أنّ الصراع مع «إسرائيل» قائم والتهديدات «الاسرائيلية» تتواصل، فإنّ الدعم الايراني لحزب الله لن ينتفي.

ولما كان حزب الله يعتمد والإيرانيون القواعد والأصول الفكرية والفقهية والسياسية ذاتها في تقدير المواقف واتخاذ القرارات، فإنّ ما يتمّ الوصول إليه في بيروت من قرارات من خلال قيادة حزب الله، هو نفسه ما يتمّ الوصول اليه في طهران من قبل المسؤولين الايرانيين، ومردّ ذلك إلى وحدة النظرة والمنطلقات الفكرية. لا مجال للحديث لا قبل الاتفاق ولا بعد الاتفاق عن ضغوط ستمارس من إيران على حزب الله. فإيران لا تفرض شيئاً على حزب الله، ليست مرجعيته في لبنان، إنما هو مرجعها. لا تتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية لا من قريب ولا من بعيد، صحيح أنها مستعدة لبذل جهد لمساعدة اللبنانيين في مختلف الجوانب، لا سيما في التوصل إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إلا أنها تشدّد على أهمية أن يختار اللبنانيون بأنفسهم ومن دون ضغوط خارجية الشخص المناسب لهذا المنصب.

تكتفي إيران بتقديم المساعدات والهبات على غرار الهبة العسكرية للجيش اللبناني، التي رفضت من الحكومة اللبنانية بذريعة العقوبات المفروضة على إيران جراء برنامجها النووي. أما وانتفت المحاذير التي كانت ذريعة لاعتبارات سياسية إقليمية، فإنّ ايران تؤكد بحسب مسؤوليها أنها لن تسحب تلك الهبة، فهي لا تزال على أتمّ الاستعداد والجاهزية لتقديمها الى الجيش على طبق من ذهب، وتنتظر الجواب الحكومي.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024