إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

غزوة إدلب... كيف أسقطتها حنكة الجيش السوري؟

هشام الهبيشان - البناء

نسخة للطباعة 2015-05-01

إقرأ ايضاً


بدا واضحاً لجميع المتابعين أن سلسلة المعارك التي جرت في الآونة الأخيرة في ريفي حماة الشمالي والغربي وبمدينة إدلب وريفها الجنوبي الشرقي وريفها الغربي، ما هي إلا هدف من سلسلة أهداف إستراتيجية كجزء من خطة ورؤية أكبر، لمسار الحسم العسكري التي يراهن عليه بعض القوى الشريكة بالحرب على الدولة السورية، والهدف بألا ساس هو محاولة إخضاع الدولة السورية لشروط وإملاءات يحاول بعض القوى الإقليمية الحليفة والشريكة والداعمة للمشروع الصهيو أميركي بالمنطقة فرضها على الدولة السورية.

هنا لا يمكن إنكار حقيقة أن مدينة إدلب بموقعها الاستراتيجي بالشمال الغربي لسورية تشكل أهمية استراتيجية بخريطة العمليات العسكرية السورية وتحتل أهمية استراتيجية، باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتد على طول الجغرافيا السورية، فهي نقطة وصل بين مناطق شمال سورية ووسطها، امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية المرتبطة بالجانب التركي، إضافة إلى كونها تشكل نقظة ربط بين المناطق الجغرافية السورية المرتبطة بمدينة إدلب شرقاً وشمالاً وجنوباً، وهذا ما يعكس حجم الأهمية الإستراتيجية الكبرى لمدينة إدلب في خريطة المعارك المقبلة بالشمال والوسط السوري بشكل عام وبمناطق الساحل السوري بشكل خاص.

اليوم، لا يمكن إنكار أن خسارة الجيش العربي السوري لمواقعه المتقدمة بعمق مدينة إدلب وبعض مناطق ريفها الإدلبي، سوف تشكل بمجموعها عبئاً ثقيلاً على صانع القرار العسكري السوري، وهذا ما دفع بالجيش العربي السوري بما تبقى لديه من قوات بعموم هذه المناطق الإدلبية إلى إعادة تجميع ما تبقى من قواته وإعادة ترتيب أوراقه وحساباته لحجم المعركة في عموم مناطق شمال وشمال غربي سورية، مع الأخذ في الحسبان حجم التدخل التركي والإمداد العسكري بأشكاله كلها الذي توفره تركيا للمقاتلين بعموم هذه المناطق .

هنا، يمكن القول إن الجيش العربي السوري قد استوعب وتكيف مرحلياً مع الضربة الأولى لهذه المجاميع الرديكالية والمدعومة من الجانب التركي، وبدأ فعلياً برسم ملامح جديدة لطبيعة المعركة فيعموم مناطق محافظة إدلب وريف حماة الغربي والشمالي بالوسط السوري، وقد أثمر هذا التكيّف عن استعادة زمام المبادرة من قبل الجيش، وها هي طلائع الجيش اليوم تقف على مشارف العمق الاستراتيجي لريف إدلب الغربي «جسر الشغور»، وهذا ما أثمر مرحلياً مجموعة انهيارات واسعة في صفوف مسلحي «جبهة النصرة – الجبهة الإسلامية» بمعظم بلدات وقرى ريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي وبريف إدلب الجنوبي الغربي وفي مناطق واسعة من ريف إدلب الغربي وتحديداً في بلدة جسر الشغور .

ويمكن أن نقرأ وبناء على متغيّرات الساعات الأخيرة والتطور الملموس والنوعي في عمليات الجيش العربي السوري بعموم مناطق محافظة إدلب، أن خطط القادة الميدانيين في الجيش اتجهت بالمنحى الإيجابي. فخريطة العمليات العملياتية والتكتيكية والاستراتيجية وتبادل الأدوار والانتقال من خطة إلى أخرى والتكيف مع ظروف المعركة بسلاسة ملحوظة، هذه المتغيّرات التي أدارتها بحرفية وحنكة ملحوظة القيادة العسكرية الميدانية للجيش السوري بمحافظة ادلب بمجموعها، أثمرت وبعمليات نوعية وخاطفة ضرب خطوط دفاع «جبهة النصرة الجبهة الاسلامية» في ريف إدلب الغربي، من خلال تحرير مجموعة قرى وتطويق بلدة جسر الشغور بشكل شبه كامل، وبهذا يكون الجيش العربي السوري قد أمن «مرحلياً» أولى مراحل التقدم باتجاه عمق ريف إدلب الغربي .

في هذه المرحلة، وبعد أن أصبح الجيش العربي السوري على مشارف العمق الاستراتيجي لريف إدلب الغربي وخصوصاً بعد النجاح الملحوظ بتقطيع أوصال طرق إمداد المجاميع الرديكالية الغازية من الجانب التركي، وبعد مجموعة انهيارات واسعة في صفوف مسلحي «جبهة النصرة – الجبهة الإسلامية» وآخرها في قرى وبلدات ريف إدلب الغربي وبمناطق واسعة من ريفي حماة الشمالي والغربي، هنا تمكن قراءة الواقع وبشكل منطقي وأكثر واقعية، بأن عملية الإرباك والحرب الإعلامية التي صاحبت غزوة إدلب، قد بدأت منظومتها بالانهيار التدريجي، وستكون نهايتها الواقعية والمنطقية، كنهاية غزوة كسب التي جرت أحداثها بنهاية الربع الأول من العام الماضي، والتي راهن عليها البعض بأنها ستكون المعركة الفصل وفق نتائجها المنتظرة حينها، ولكن جاءت نتائج المعركة حينها سريعاً، وحسمها الجيش العربي السوري بالشراكة مع قوى الدفاع الوطني بمحافظة اللاذقية بعمليات سريعة ونوعية وخاطفة، وشكلت صفعة قوية للنظام التركي وللمجاميع الرديكالية التي غزت حينها مدينة كسب المتموضعة هي الأخرى وبموقعها الاستراتيجي على أطراف محافظة اللاذقية الساحلية .

اختتاماً، يبدو أن منظومة صواريخ «تاو» الأميركية التي تجاوز عددها 800 صاروخ على الأقل والتي استخدمت بشكل واسع بغزوة إدلب، ومنظومة الحرب الانغماسية التي قادها أكثر من 200 انتحاري بأكثر من 200 مركبة وعربة مفخخة، إضافة إلى 5500 قوقازي شيشاني وغيرهم من المسلحين الرديكاليين العابرين للقارات والذين تحدثت وسائل الإعلام عن فصول ومراحل عبورهم من الأراضي التركية باتجاه مدينة إدلب، إضافة إلى ملياري دولار حضرت ووظفت واستخدمت بمعركة مدينة إدلب من قبل بعض القوى الإقليمية، يبدو أن هذه العوامل بمجموعها قد فشلت اليوم في تحقيق الجزء الرئيسي من منظومة الأهداف الاستراتيجية التي عول بعض الأطراف الاقليمية والدولية على تحقيقها كنتيجة أولى لغزوة إدلب .

والأكثر وضوحاً اليوم، أن منظومة هذه الأهداف ستبدأ بالتهاوي واليوم نرى أنها تعيش فترة ترنح ما قبل السقوط مع استمرار سلسلة الانهيارات التي تتعرض لها المجاميع الرديكالية الغازية لمحافظة إدلب وعلى قاعدة سلسلة انهيار أحجار الدومينو، فاليوم القيادة العسكرية السورية تدير معركة وغزوة إدلب بكل حرفية، والهدف الأقرب لهذه المعارك التي يقودها الآن بعض القادة الميدانيين بالجيش العربي السوري بريف إدلب الغربي، هو تحرير خان شيخون وفك الحصار عن بعض المناطق والمعسكرات التي تحاصرها المجاميع الرديكالية بأرياف مدينة إدلب، والأيام المقبلة ستكون حبلى بالتطورات وستشهد تغيّراً ملموساً وواضحاً في طبيعة المعارك بعموم محافظة إدلب، فاليوم الجيش العربي السوري استعاد زمام المبادرة وانتقل من مرحلة التموضع وبناء خطوط الدفاع إلى مرحلة الهجوم واستعادة الأرض، ومن هنا سننتظر الأيام العشرة المقبلة التي ستعطينا إجابات منطقية وأكثر وضوحاً وواقعية من مجمل التغيّرات التي سنشهدها بالساحة العسكرية الإدلبية بشكل خاص وعموم الساحة العسكرية السورية.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024