شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2015-09-08
 

"طلعت ريحتكم لأ طلعت ريحتنا"

نصير الرماح

"طلعت ريحتكم" و"بدنا نحاسب" شعاران سمعناهما كثيرا في الاسبوعين الماضيين فمَن هو الذي "طلعت ريحته" ومَن يريد أن يحاسب، ومن سيُحاسَب، وعلى ماذا؟

وهل المحاسبة شعار يستبطن مضموناً آخر؟؟!! أم هو شعار ينبع من حقيقة المعاناة التي يعيشها الشعب في الكيان اللبناني؟؟

ولكي لا يبقى الشعار شعاراً ويذهب مع أول هبة ريحٍ خريفية خصوصاً ونحنا على أبواب الخريف، إن كان على مستوى الطقس أم على مستوى الواقع السياسي الذي تمر به امتنا السورية وكيانها اللبناني على وجه التحديد،على مسافة ساعات قليلة من إنطلاق المظاهرات يوم الأربعاء القادم، وما قد يُخبأ لنا من خلالها مما يجعلنا نردد القول "الله يستر"، لذا يجب أن نُقرِن شعار "بدنا نحاسب" بالأفعال.

فالمحاسبة بشكلٍ عام تكون بقيام المسؤول عن أي شركة أو مشروع أو مؤسسة بمحاسبة الموظف المرتكب أو المقصر بعمله، وهذا النوع من المحاسبة ينطلق من قاعدة الأعلى يحاسب الأدنى منه وظيفياً، ولكن هناك أنواع اخرى من المحاسبة تقلب القاعدة بحيث تصبح المحاسبة من الأدنى للأعلى، وباعتقادي فإن هذا النوع من المحاسبة هو المقصود بشعار "بدنا نحاسب".

ولكن هل أن المحاسبة يجب أن تقتصر على وزيرٍ قصّر في مجالٍ ما ولحكومة لم تقم بأبسط واجباتها؟

وهل تقصير الحكومة يقتصر على نفاياتها المتراكمة في الشوارع والأزقة والزواريب؟؟

لا والف لا ، إن التقصير ليس في الوزير الفلاني ولا الرئيس الفلاني ولا في حكومة نفايات جماعة وأفراد، إنما التقصير الأساسي هو في بنية هذا النظام الإقطاعي المذهبي الطائفي القبلي الذي لا يمكن أن نجد أفضل منه خدمةً للعدو "الإسرائيلي" أو سواه من المتربصين بامتنا شراً، فهذا النظام المسخ الذي ارتضاه الشعب نظام حياة له ولأبنائه من بعده ويجدد له بالإنتخابات حيناً وبالصمت المطبق أحياناً اخرى، ويصل بنا الأمر أن نجدد لهذا النظام بالدم أحياناً كثيرة، وهذا ما تشهد عليه جولات العنف والقتل التي مارسناها طويلاً دفاعاً عن مكونات هذا النظام الذي نشتمه في الليل وندافع عنه في النهار.

وبالتالي فإن "الريحة الطالعة" ليست ريحة الحكومة والرئيس والوزير والنائب إنما الريحة ريحتنا نحن الشعب مصدر السلطات، وأن"المحاسبة الواجبة" ليست للحكومة والرئيس والوزير والنائب، إنما المطلوب هو أن يحاسب الشعب نفسه قبل أن يتوجه لمحاسبة الآخرين، وقد يستهجن البعض ويستغرب بعضاً آخر، ولكن الحقيقة الحقيقة هو أن الريحة الطالعة هي ريحة هذا الشعب الذي أوصل البلاد إلى ما وصلت اليه من روائح النفايات المنزلية والسياسية وإلاجتماعية والإقتصادية والمالية والأمنية، لأنه أي الشعب هو من يجدد ويمدد لهذا النظام العفن عبر التمديد لأدواته العفنة من خلال الإنتخابات النيابية التي نخوضها وتصل بنا الأمور لأن يقتل بعضنا بعضه من أجل فوز هذا الإقطاعي أو ذاك البيك، وما نقوله عن الدولة ومؤسساتها ينسحب أيضاً على الأحزاب ومؤسساتها، لأنها (أي الأحزاب) بدلاً من أن تكون أداة تغيير وتطوير، أصبحت بمعظمها إحدى أدوات هذا النظام الفاسد الذي تأسست لتغييره، وباتت الأحزاب بفسادها وفساد مسؤوليها عبئاً إضافياً يضاف إلى الأعباء المتأتية من أنظمة الحكم التي تعمل في ظلها.

لهذا فأنه من الحق أن نقول "طلعت ريحتنا" مش "طلعت ريحتكم" وبدنا نحاسب أنفسنا مش بدنا نحاسب بالمطلق،

نعم والف نعم يا شعب خصك وشوي زيادة،

لأنه كما أنتم يولّى عليكم، فنحن الشعب المسؤول الأول والأخير عن ولادة هذا البرلمان الذي بدوره يستولد رئيساً وحكومةً على شاكلته، ونعود لنلعن ما صنعناه بإيدينا نحن.

ونحن المتحزبين أنفسنا نمارس الديمقراطية المشوهة في أحزابنا ونأتي بهذا أو ذاك من الرؤساء والمجالس ونعود لنشتمهم ونتهمهم، ونكرر الأمر مرات ومرات دون أن نتعض من مقولة "من جرب المجرب كان عقله مخّرب".

أما مَنْ نحن لِنُحاسِب أو نُحَاسَبْ؟ نحن الشعب. نحن صوتٌ، نادراً ما يُسمع، فصوت التقسيم والطائفية تقام له منابر ووسائل إعلام ومؤسسات لا بل أكثر، يقام له دولة وحكام.

فالفساد لا يقتصر على نائب أو وزير،الفساد في التربية، في المناهج المدرسية التي تُعلمنا كيف نكون أتباعاً وقطعاناً نُساق ولا نسأل ،الفساد في الأحزاب ومؤسساتها التي نطيعها ولا ننتفض بوجهها، الفساد في فهمنا للقيم والأخلاق. الفساد بات معشعشاً في أنفسنا وأفكارنا الملوثة بكل نفايات العائلية والطائفية والإقطاعية والإستزلام، فالثورة الحقيقية يجب أن تكون على كلّ ما بداخلنا من أنانية وحقد وتبعية عمياء، والثورة الواجبة هي على صمتنا المطبق الذي دام سنوات طويلة وقد نكون اول ضحاياه إذا لم نفعل..

يجب أن ننطلق لتنظّيف أنفسنا وأفكارنا وخياراتنا في البدء وبعدها يمكننا تنظّيف البرلمان وكلّ مؤسسات هذا النظام العفن.

وبعد أن نحاسب أنفسنا ونعرف مكامن الخلل فيها، عندها فقط يمكننا أن نعلن ثورتنا النظيفة على داخل الحكم أو خارجه لنبني نظاماً ودولة وأحزاب وقوانين تعبّر عن أرقى ما في داخلنا من قيم.

لهذه الأسباب كلها:

بدنا نحاسب انفسنا بالأول.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه