شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2015-09-25
 

اتجاهات الأزمة السورية في مرحلة جديدة فاصلة

أحمد أصفهاني ـ لندن

يبدو أنه مفروض علينا أن نبحث عن "إبرة" الحل السوري في "أكوام قش" المبادرات السياسية الإقليمية والدولية، من موسكو إلى واشنطن، ومن طهران إلى أنقرة، ومن جنيف إلى القاهرة، ومن الدوحة إلى الرياض... الجميع يريد أن يجترح معجزة توقف النزف السوري الكارثي والمرتبط عضوياً مع النزف العراقي. بعض المبادرات صادق في مساعيه "السياسية السلمية"، بينما بعضها الآخر "ينافق" في مواقفه المرحلية ريثما يكون قد عدّل موازين القوى الميدانية ومن ثم يستجمع أوراقه القوية قبل الالتزام بالمفاوضات سبيلاً وحيداً للحل!

في ضوء ما استجد من مواقف روسية وأميركية، على المستويين السياسي والعسكري خلال الأسبوعين الماضيين، فإن الأزمة السورية تسير في ثلاثة اتجاهات: إثنان منها عسكريان، والثالث سياسي ديبلوماسي. طبعاً هي اتجاهات متلازمة ومتقاطعة،غير أننا أردنا الفصل المنهجي بينها كي نتمكن من تفكيك آليات الحل بحيث تتضح صورة ما ستؤول إليه أوضاعنا القومية في حال وصول هذه الاتجاهات الثلاثة إلى مآلها المتوقع. ومن الطبيعي كذلك أن تطور الأحداث سينعكس بشكل أو بآخر على المسارات الثلاثة، بغض النظر عمّا تخطط له القوى المعنية.

نبدأ أولاً بتحديد الاتجاهين العسكريين. لا شك في أن الدول الإقليمية المتضررة من "التقارب" الروسي ــ الأميركي التمهيدي ستعمل جاهدة لعرقلة أية محاولة للإنتقال من "التقارب" إلى "التعاون" بين موسكو وواشنطن. وهذا يعني المزيد من الانخراط التركي ــ الخليجي في دعم الجماعات المسلحة في سورية بموازاة الدعم الروسي ــ الإيراني للحكومة السورية. وسيؤدي هذا الاستقطاب إلى تصعيد قتالي خصوصاً في مناطق شمال وشرق وشمال غرب سورية في ظل التدخل التركي الكثيف، وحيث بالإمكان إدخال أنواع جديدة من الأسلحة بهدف تحقيق خرق ميداني في ريف اللاذقية الشمالي أو في سهل الغاب.

الاتجاه العسكري الأول، إذن، هو التصعيد الميداني الذي سيكون كاسراً للجمود في عدد من جبهات القتال. ونعتقد بأن القوات الحكومية السورية ستتخذ زمام المبادرة في أكثر من جبهة، تمهيداً لمعركة جوية واسعة ضد قواعد "داعش" في الرقة وصولاً إلى الحدود مع العراق. وطبعاً لا ننسى معارك تحصين دمشق في وجه المحاولات المستميتة للجماعات المسلحة في الغوطة الشرقية. وهذه المعارك لن تكون من نوع الكر والفر، بل سنجد قدرات جديدة للسيطرة الكاملة مع تأمين المدنيين الراغبين بالعودة إلى مناطقهم بعد "تحريرها" من الوجود المسلح.

أما الاتجاه العسكري الثاني، فهو الحفاظ على خطوط التماس في مناطق قد لا تشكل في هذه المرحلة هدفاً إستراتيجياً مُغيّراً للوقائع الميدانية. وربما ستزداد وتيرة "المصالحات" المحلية في بؤر متوترة، ترافقها اتفاقات ظرفية لوقف إطلاق النار، مع مبادرات إنسانية لتخفيف معاناة المدنيين المحاصرين هنا أو هناك. ومن المؤكد كذلك أن هذه "المصالحات" ستمهد لاحقاً لانضمام المشرفين عليها إلى الحراك السياسي الأوسع. ولعل الجبهة الجنوبية التي شهدت هجمات واسعة للمعارضة المسلحة قبل أسابيع قليلة مرشحة لأن تكون واحدة من المناطق الساكنة نظراً إلى أن الأردن الداعم لتلك الجماعات قد يفضل في هذه الظروف الرهان على الحل السياسي بعدما كان الأكثر تورطاً في معارك الجنوب الفاشلة. لكن ذلك لا يضمن استقراراً بعيد المدى، فالقوى المسلحة المتواجدة على الأرض مرتبطة بأطراف إقليمية مختلفة قد تلجأ في أية لحظة إلى تخريب ما يتم الاتفاق عليه محلياً إذا ما تطلبت مصالحها التخلي عن التفاهمات الظرفية.

ويجب التأكيد هنا على أن الاتجاهين العسكريين، التصعيدي والسكوني، سيتم توظيفهما في الاتجاه الثالث السياسي الديبلوماسي. الدول الإقليمية والدولية صاحبة القرار تدرك أن حل الأزمة السورية لن يكون إلا على طاولة المفاوضات... خصوصاً في أعقاب الالتزام الروسي الحاسم بالدفاع عن الدولة السورية. لكن السؤال المعضلة الذي عجزت الدول الداعمة للجماعات المسلحة في الإجابة عليه هو التالي: مَنْ هو الطرف الآخر الذي سيجلس مقابل الحكومة السورية عندما يحين وقت البحث الجدي في مستقبل سورية بعد هذه الحرب الدموية؟

حتى هذه اللحظة، وعلى الرغم من دخول الأزمة السورية سنتها الخامسة، ما تزال الحكومة السورية الطرف الأقوى من حيث قدرتها على الذهاب إلى طاولة المفاوضات ببرنامج واضح تلتف حوله أجهزة الدولة كلها. في حين أن كل المساعي الأميركية ــ الأوروبية لإيجاد "معارضة معتدلة" (مسلحة أو غير مسلحة) لم تؤد إلى أية نتيجة على الأطلاق. بينما تعزز الجماعات المسلحة ذات التوجهات التكفيرية أمثال "داعش" و"جبهة النصرة" و"جيش الفتح" وجودها الميداني على حساب القوى التي كان الغرب الأميركي ــ الأوروبي يراهن عليها كبديل للنظام أولاً، وبديل لحلفاء "القاعدة" ثانياً.

كانت خطة القوى المعادية للنظام السوري تقوم على بناء طرف معارض ذي مصداقية محلية ودولية للتفاوض مع الحكومة السورية كخطوة أولى نحو "المرحلة الانتقالية السياسية"، بعد أن يكون قد تم إنهاك الجيش النظامي السوري واستنزافه. لكن هذه المساعي أصيبت بالفشل الذريع، حتى باعتراف تلك القوى نفسها. ولذلك بات البديل الوحيد المتوافر هو اختيار "أهون الشرين" ما بين "داعش" و"النصرة" من جهة وجماعات مثل "أحرار الشام" من جهة أخرى، على الرغم من أن هذه الأخيرة تحمل الفكر السلفي التكفيري الذي لا يختلف كثيراً عن أفكار "القاعدة" و"داعش" و"النصرة". علماً بأن "أحرار الشام" شكلت تحالفاً مع "النصرة" في ما سمي بـ "جيش الفتح" الذي وضعته تركيا تحت وصايتها ورعايتها.

الاتجاه الثالث، السياسي الديبلوماسي، يتطلب إعادة تلميع صورة أحد الأطراف الفاعلة على الأرض كخطوة لا بد منها لمرحلة التفاوض القادمة. والظاهر أن الخيار الأولي وقع على جماعة "أحرار الشام" التي يبدو أن قياداتها أبدت نوعاً من المرونة والعملانية في استعدادها للتفاوض مع "النظام"! وهي الجهة نفسها التي رسّخت هدنة الزبداني ومضايا وكفريا والفوعة. غير أن هذا التحول يستدعي مسألتين مترابطتين: الأولى فك الارتباط مع "النصرة"، والثانية بروز تحول في الموقف التركي لناحية القبول بفترة انتقالية مع الرئيس السوري بشار الأسد. والأرجح أن المسألة الثانية ستتأثر إلى حد بعيد بنتائج الانتخابات النيابية العامة في تركيا بعد أسابيع... ولهذه الانتخابات حديث آخر لاحق.

أخيراً نعود إلى ربط الاتجاه العسكري التصعيدي والاتجاه السياسي الديبلوماسي. إن الضربات العسكرية التي ستوجه إلى "النصرة" و"داعش" ستساعد بطريقة غير مباشرة في فك الترابط الذي يجمع "أحرار الشام" و"النصرة" في "جيش الفتح". وربما يؤدي ذلك أيضاً إلى "تنقية" بعض الأجنحة في "النصرة" تمهيداً لضمها إلى الوفد المفاوض!! ومن المؤكد أن معارك الميدان المتوقعة، بقدر ما هي لتغيير المعادلات على الأرض، ستكون أيضاً لتشكيل "القيادات الجديدة" التي ستصوغ مستقبل سورية. لقد مرّ العراق بتجربة مريرة مماثلة أنهت حربه الأهلية سنة 2008 لكنها أدخلت البلاد في مأزق وجودي لم تستطع الخروج منه حتى اليوم. وليس من مصلحة سورية والمنطقة أن تجلس إلى طاولة المفاوضات أطراف يكون أقصى طموحها التوصل إلى "اتفاق طائف سوري" يرسّخ التشرذم الديني والطائفي والعرقي، ويسلم مقدراتنا القومية إلى قوى الخارج... كائنة من تكون هذه القوى.





 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه