إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ستبقى الضاحية ولبنان قلعة حصينة

عباس الجمعة - البناء

نسخة للطباعة 2015-11-17

إقرأ ايضاً


شكل الإرهاب التكفيري العابر للحدود العربية أداة الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي لتدمير القوى الحية ولاستنزاف محور المقاومة، لكننا نرى، بالعين المجردة، حجم المؤامرة التاريخية التي تستهدف المنطقة، ما يتطلب مواجهته بكافة الأشكال من أجل إنهائه.

إنّ جريمة برج البراجنة تُنذر بحالة غير مسبوقة من الإرهاب والترويع ستشهدها المنطقة العربية قد تغطي على الإرهاب الصهيوني، وقد يكون ذلك أحد أهدافها. فالمنطقة مقبلة على حالة غير منضبطة وغير خاضعة لقانون أو شرعية دولية، ولا لتعاليم دينية، ولا لأخلاق إنسانية، وبالتالي فإنّ ما هو على المحكّ ليس ما يسمونه الخطر الإرهابي بل مقتضيات النمو والهيمنة الإمبريالية الصهيونية على مقدّرات وثروات شعوبنا واحتجاز تطورها واستمرار تخلفها. لكنّ المقاومة ستستمر وتزداد اشتعالاً في مواجهة الإرهاب التكفيري والمشاريع الإمبريالية، رغم كلّ الظروف المعقدة الراهنة حتى الانتصار، كما تمكنت المقاومة من تدمير خرافة التفوق الصهيوني بدحر جيش الاحتلال عن معظم الأراضي اللبنانية المحتلة، دون قيد أو شرط، وبعد أكثر من خمسين عاماً من قيام القاعدة الصهيونية الاستعمارية على أرض فلسطين تحقق أول انتصار تاريخي عليها، وفقدت الإمبريالية القوة الرادعة لقاعدتها العسكرية المتقدمة التي زرعتها في فلسطين واعتمدتها لإخضاع الأمة العربية.

إنّ الإرهاب التكفيري اليوم يشكل الأداة الاستعمارية التي تمّ استنباطها وتوليفها لتعوض العجز الصهيوني وهي بالأمر الأميركي وفي لعبة ازدواج كلامية مفضوحة تحظى بدعم القوى الاستعمارية وحلفائها في المنطقة.

أمام كلّ ذلك نرى دماء الأبرياء، توجب علينا أن نتكاتف كالبنيان المرصوص، في وجه الإرهاب بكلّ أشكاله، لأنّ المعركة الوجودية المفروضة على الشعب العربي وهي معركة قومية تتركز حتى الآن في لبنان وسورية والعراق ومصر والجزائر وتونس وليبيا واليمن والتحدي السياسي والتنظيمي الراهن هو الانتقال إلى صياغة خطة قومية لتدمير قوى التكفير الإرهابية العابرة للحدود والتي لا يجدي معها توهم القدرة على صدها بالمعنى الدفاعي الضيق، ناهيك عن الإجهاز عليها ضمن الحدود القطرية لكلّ دولة بمفردها.

إنّ الاتجاه الصحيح لمجابهة التحدي الراهن الذي يتطلب من الأحزاب والقوى العربية تنسيق المواجهة وتوحيد الجهود الحكومية والشعبية في جميع البلدان العربية المستهدفة والمهدّدة ولإقامة التنسيق العابر للحدود في وجه العدو التكفيري.

ليس من المبالغة تشبيه التحدي الراهن بما جرى عشية نكبة فلسطين ، ولكن على جميع القوى الحية القيام بواجبها بالدفاع عن الشعب العربي في مواجهة التكفير ومقاومة الحلف الاستعماري الصهيوني الذي تتعرض له المنطقة والمقاومة الصامدة بكلّ بسالة وشموخ دفاعاً عن كلّ العرب وكلّ العالم المهدَّد بالويلات والمجازر.

إنّه الواجب القومي والوطني والأخلاقي، ولا بدّ من حشد جميع القوى والأحزاب والحكومات والنقابات والجيوش والقوى الشعبية في هذه المعركة المصيرية وكلّ جهد خارج هذا السياق ليس سوى هدر للإمكانات والطاقات التي يجب صبها لإنقاذ الأمة من براثن الإرهاب التكفيري الصهيوني، فالمرحلة تتطلب تحديد المواقع والخيارات الفعلية لسائر الأطراف وينبغي فضح المتخاذلين ومواجهة المتآمرين.

إنّ خطر الإرهاب، بالمستوى الذي يتصوره البعض كخطر محدود في أهداف عملياته ومجالها وزمنها، وبالتالي يحدّد مستوى مواجهته بالوتيرة المحدودة التي تتم حالياً، فالإرهاب في غاية الخطورة وخطر لا محدود يكون الجميع معه أفراداً وجماعات وكيانات أهدافاً محتملة لعملياته، وما جرى من تفجيرات في برج البراجنة يؤكد ذلك، وبقاء القوى الإرهابية دون استئصالها سيشكل كارثة حقيقية.

إنّ الجريمة التي ارتكبتها عصابات الإرهاب التكفيري في برج البراجنة لا تخدم سوى الاحتلال الصهيوني وأعداء لبنان وفلسطين والأمة، ومخططاتهم الهادفة إلى زعزعة استقرار المنطقة، ولكن نحن على ثقة بأنّ المقاومة مستمرة في حربها ضدّ الإرهاب التكفيري، الوجه المتنكر للصهيونية، وأنّ المقاومة على درايةٍ كافيةٍ بأنّ معركتها هي معركة الطريق نحو فلسطين، والعمليات الإرهابية التي تنفذها القوى الإرهابية، لن تزيد المقاومة إلا إصراراً على مواصلة الطريق، والقضاء على تلك المجموعات الإرهابية، فالردّ الوحيد على تلك العمليات هو مواصلة الكفاح ضدها.

من هنا نرى أنّ العملية الإرهابية التي حصلت في برج البراجنة، تقابلها الانتصارات المتتالية التي يسطّرها الجيش السوري والمقاومة اللبنانية ضدّ الإرهاب في سورية، وإنّ استهداف المدنيين الأبرياء من مجتمع المقاومة وأهلها، ظناً من القوى الإرهابية بأنها قادرة بذلك على ليّ ذراع المقاومة، وإحراجها أمام جمهورها، ستفشل أمام إرادة وصمود الشعب اللبناني الذي يعلم أنّ المقاومة تشكل له نبراساً مضيئاً.

إنّ محاولة العصابات الإرهابية زجّ الهوية الفلسطينية في عملياتها الإرهابية ضدّ مجتمع المقاومة في لبنان، في محاولةٍ يائسةٍ منها لإحداث فتنة بين جمهور المقاومة والشعب الفلسطيني، عبر الإيحاء بأنّ الفلسطيني هو من يفجّر بأبناء الضاحية، هي محاولات فاشلة، لأنّ ما جرى من تفجيرات امتزج فيها الدم اللبناني والفلسطيني في ساحة الشهادة، وإنّ القوى الإرهابية لا دين لها ولا جنسية، وإنّ طهارة القضية الفلسطينية لا يدنِّسها من يبيع نفسه، وستبقى المقاومة وجمهورها الداعم الأول للشعب الفلسطيني ولقضيته، وإنّ ما جرى يأتي بالتزامن مع الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وما رافقها من دعمٍ واسعٍ من قبل لبنان وأحزابه وقواه ومقاومته، وخصوصاً ما أعلنه السيد حسن نصرالله في ما يخصّ الدعم المطلق للانتفاضة الفلسطينية من دون أي اعتباراتٍ أخرى، وأنّ الفلسطينيين واللبنانيين في خندق واحد في مواجهة الإرهاب كما كانا في خندق المقاومة، وأنّ الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية حريصون، كما اللبنانيون، على أمن لبنان واستقراره.

من هذا المنطلق يجب أن نعمل سوياً، بمسؤولية وجدية وتضافر، لنشكل حائط صدّ قوي أمام خطر الإرهاب الداهم، وجميعنا يجب أن يكون في مستوى التحدي صفاً واحداً لإحباط المؤامرة التي تستهدف وجودنا.

ختاماً، لا بدّ من القول، لن تمر الفتنة عبر قلوبٍ عشقت الشهادة، لن تسقط فلسطين من وجدان الشرفاء، ستبقى الضاحية كما عهدناها منارة المقاومة والشهداء، وأحد أعمدة بنيان المواجهة على طول خطوط الصراع مع الكيان الصهيوني وأدواته. هي الضاحية ترتبط بالعز والإباء كلما داهمها الإرهاب، شهداؤها يُشيّعون بهتافات «كرامتنا من الله الشهادة»، وجرحاها يرفعون شارة النصر يداوون بقبضاتهم جراح أمة بأكملها، نحن نعيش في منطقة ساخنة، وكلّ يوم نرى مثل هذه التفجيرات، في فلسطين، والعراق، ولبنان، وسورية، ومصر، المهم الآن أن تبقى معنوياتنا عالية ونبقى على يقظتنا وتكاتفنا وتلاحُمنا في مواجهة الأخطار المحيطة بنا.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024