إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

«إسرائيل»... كلفة باهظة لسلاح المقاطعة الاقتصادية

إنعام خرّوبي - البناء

نسخة للطباعة 2016-04-18

إقرأ ايضاً


في التاسع من حزيران عام 2005 انطلقت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات «Boycott Divestment and Sanctions Movement ـ BDS» بنداء من 171 منظمة فلسطينية غير حكومية، بغية تطبيق جملة من الأهداف أبرزها إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» واستعماره للأراضي العربية كلها، فضلاً عن تفكيك الجدار العازل، واحترام «إسرائيل» «حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، كما هو منصوص عليه في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. واستمدّت الحملة نداءها من نداء المقاطعة الذي أطلقه المُضطهدون السود في جنوب أفريقيا في أواخر خمسينيات القرن الماضي إلى المجتمع الدولي ضدّ نظام «أبارتهايد».

واليوم، وبعد مضيّ نحو 11 عاماً على إطلاق النداء، تنشط حملات التوعية في قطاع غزة والضفة الغربية لمقاطعة الشركات «الإسرائيلية» أو الشركات الأجنبية الداعمة لها. وقد ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً بصور لمواطنين إيرلنديين يزيلون بضائع «إسرائيلية» من داخل مركز للتسوّق في إيرلندا. وفي جزيرة آيسلندا قرّر المجلس البلدي، بغالبية أعضائه، عدم استيراد المنتجات «الإسرائيلية» بالمطلق ومقاطعة «إسرائيل».

تُمثل هذه الإجراءات والمبادرات دعماً فعلياً للشعب الفلسطيني وتضغط اقتصادياً على حكومة الاحتلال التي ألحقت بها حركة المقاطعة الدولية خسائر اقتصادية فادحة، عقب فسخ عقود بقيمة 23 مليار دولار، وتراجع قيمة الصادرات إلى حوالي 2.9 مليار دولار، في ظلّ توقع خسارة ما بين 28 و56 مليار دولار بالناتج القومي «الإسرائيلي» خلال المرحلة المقبلة. وهذا ما دفع حكومة الاحتلال إلى التهديد بملاحقة الناشطين في حملات المقاطعة واستهدافهم.

وفي خطوة تعكس فداحة الأثر الاقتصادي جراء حملة المقاطعة، تمّ عقد مؤتمر، هو الأول من نوعه في 28 آذار من العام الحالي أشرفت عليه صحيفة «يديعوت أحرونوت» عبر المؤسسة التابعة لها «واينت»، وقد حضره رئيس الدولة وغالبية الوزراء «الإسرائيليين» وحتى المعارضة، في حضور السفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو، وسفير الاتحاد الأوروبي لارس فابورغ ــ أندرسن، وكانت التصريحات في هذا المؤتمر غاية في الخطورة، حيث قدّم السفير «الإسرائيلي» السابق في الأمم المتحدة رون بروسار ورقة عمل أشار فيها إلى «أنّ الحركة تخترق يوماً بعد يوم المزيد من الخطوط الحمراء وتواصل جهودها ومحاولاتها عزل «إسرائيل» عن المجتمع الدولي». وأشار إلى «نجاح الحركة في حشد عدد من الأسماء الأكاديمية الكبيرة حول العالم ضدّ «إسرائيل»، ومنهم مايكل لينك المؤرخ العالمي والأكاديمية البريطانية البروفيسورة بيني غرين التي وصفت «إسرائيل» بأنها دولة أبارتهايد، وساوتها بتنظيم الدولة الإسلامية ــ داعش».

تعكس هذه التصريحات والمؤتمرات مدى قلق «إسرائيل» التي باتت تشعر بأنّ المقاطعة تمثل خطراً استراتيجياً ووجودياً عليها، وأنها تهدف إلى نزع شرعيتها، لذلك أوكلت، فور تأسيس الحركة عام 2005، إلى وزارة الخارجية مهمّة إعداد خطة عمل لمواجهتها وقد أطلق وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان حينها حملة «هاسبرا» ومهمّتها العمل على تجميل وجه «إسرائيل» وإظهارها على أنها دولة ديمقراطية محبّة للسلام تحترم حقوق الإنسان. وبعد أن فشلت هذه الحملة انتقلت المهمّة في حزيران 2013 إلى وزارة الشؤون الاستراتيجية. وكشفت معلومات صحافية بريطانية عن «مؤتمر سري» عُقد في لندن برئاسة وزير الشؤون الاستراتيجية «الإسرائيلي» غلعاد إردان، بمشاركة نشطاء من الحركة الصهيونية في أوروبا، بهدف التوصل إلى استراتيجية موحّدة لمواجهة «BDS» وكان مؤتمراً على جانب من الأهمية بالنسبة لـ«إسرائيل» وأنصارها. وكانت الحكومة «الإسرائيلية» عقدت في آذار 2014 «مؤتمراً سرياً» آخر خصّصت خلاله 100 مليون شيكل، إضافة إلى 30 مليون دولار زيادة عن المبالغ التي تمّ تخصيصها سابقاً، لمواجهة حركة المقاطعة، حتى أنّ إردان هدّد بما أسماه «اغتيالات مدنية» ضدّ ناشطين في حملة المقاطعة. وهو الأمر عينه الذي هدّد به أيضاً وزير المخابرات الصهيوني إسرائيل كاتس، في حين هدّد وزير الداخلية أرييه أدرعي بإبعاد عدد من الناشطين من الأراضي الفلسطينية المحتلة عامي 1967 و1948.

لم تجرؤ الحكومات العربية للأسف، والتي يُفترض أنها المعنيّ الأكبر بالصراع مع «إسرائيل»، خلال هذه الفترة، على مقاطعتها، والاستجابة العربية الوحيدة كانت من دولة الكويت عام 2014 خلال العدوان على غزة حين سحبت استثماراتها من إحدى وخمسين شركة أوروبية وأميركية لها علاقات مع «إسرائيل»، ولكن في المقابل هناك دول أخرى مثل الأردن ومصر والسعودية لها علاقات اقتصادية واسعة مع الكيان الصهيوني، وقد قامت الإمارات بفتح ممثلية «إسرائيلية» أواخر العام الماضي، لتكون بذلك ثاني دولة خليجية بعد قطر التي افتتحت، بدورها، ممثلية لدولة العدو في الدوحة، كما كانت «إسرائيل» في عداد الـ 54 دولة المشاركة في البطولة الدولية لكرة الطائرة الشاطئية التي استضافتها العاصمة القطرية، وللمرة الأولى، وهذه المرة تحت العلم «الإسرائيلي»، من دون التخفّي وراء دول أخرى، كما كان يحدث في السابق، حيث سُمح لفريق رياضي «إسرائيلي» برفع علم كيان الاحتلال في الدوحة.

أما بالنسبة إلى الدول الغربية، فجلّ ما قامت به حكوماتها، تحت تأثير الضغط الشعبي والجمعيات والمنظمات الحقوقية المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني، هو وسم البضائع المُنتجة في المستوطنات لتمييزها عن غيرها. وهذا ما يؤكده مسؤولون في حملة مقاطعة «إسرائيل»، مشيرين إلى أنّ نداءهم كان موجهاً منذ البداية إلى مؤسسات المجتمع المدني في الدول الغربية كونها مؤسّسات ديمقراطية وتشكل «لوبيات» ضغط على حكوماتها للاستجابة للشرعية الدولية.

وفي حين يُمكن أن يشكل هذا النوع من الحملات سلاحاً فتّاكاً في مواجهة مشاريع الاحتلال والاستعمار، يرى مراقبون أنّ هذه الحملة يجب أن تتركّز بداية في البيت الفلسطيني ومحاولة وقف كلّ محاولات التطبيع التي تقوم بها السلطة «الوطنية» الفلسطينية وتوحيد القيادة السياسية، وإصدار تشريعات فعّالة، وفي مقدّمها إعادة تفعيل القانون الصادر عام 2010 والذي يحرِّم التجارة مع سلع وخدمات المستوطنات «الإسرائيلية»، وتشجيع حملات شعبية محلية، خاصة بعد العدوان على غزة عام 2014، للتوقف عن شراء المنتجات الاستهلاكية «الإسرائيلية» وبيعها، خاصة الغذائية. كما ينبغي التوجّه نحو الحكومات العربية للالتزام بمعايير المقاطعة التي حدّدتها مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، كذلك إلى مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والحركات الجماهيرية العربية، خصوصاً أنّ الشعوب العربية ترفض التطبيع مع هذا الكيان.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024