إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الإيجابيات والتناقضات في خطاب أردوغان بعد الجلسة الختامية لمؤتمر التعاون الإسلامي

ميشيل حنا الحاج - البناء

نسخة للطباعة 2016-04-19

هناك ايجابيات وهناك تناقضات في كلمة الرئيس التركي رجب أرودغان في الجلسة الختامية لمؤتمر التعاون الاسلامي الذي سترأسه تركيا لمدة عام. فهذه الرئاسة تفرض أعباء على عاتق أردوغان، استدرجته إلى تبني محاولات لرأب الصدع في العلاقات بين الدول الاسلامية، مقترحاً خطوات لتعزيز التعاون بينها، تمهيداً لعلاقات أوثق بين هذه الدول، ربما… أركز على ربما، تمهيداً للتقدّم خطوة نحو تنسيق جدي شرق أوسطي، قد ينتهي باتحاد شرق أوسطي كونفدرالي على غرار الاتحاد الأوروبي، فكأني بأردوغان قد قرأ مقالي الأخير الذي نشرته في اليوم الأول للمؤتمر والداعي لاتحاد شرق اوسطي يحبط، بل ويردّ على مشروع الشرق الأوسط الجديد الأميركي – الإسرائيلي .

بطبيعة الحال، لم يقرأ أردوغان مقالي ولا سمع باسمي، بل انّ ما يدفعه الى ذلك أمران أولهما انتشاؤه بكونه قد بات لعام رئيساً لمنظمة التعاون الإسلامي، مما يفرض عليه واجب تعزيز التعاون بينها، وثانيهما أنه بات يجد في هذا الطرح، مخرجاً لأزمته مع اكراد تركيا وحركات الإرهاب التي باتت تعشش في تركيا، اضافة الى كون مزيد من التنسيق والتعاون الاسلامي، يعزز موقفه في مواجهة روسيا الاتحادية، وفي النزاع الجديد مع أرمينيا الذي ظهرت بوادره مؤخراً، وغذّاه وعد أردوغاني بتقديم كلّ العون لأذربيجان المطالبة باستعادة ناغورنو قرة باخ ، الخصم المباشر لأرمينيا، الصديق الصدوق لروسيا الاتحادية، رغم الإعلان الروسي الرسمي بأنها ستواصل بيع السلاح لكليهما، رغم وجود ذاك النزاع بينهما، لكون الدولتين كانتا عضوين في الاتحاد السوفياتي السابق، والذي كانت روسيا عصبه الرئيسي، بل عموده الفقري، فكانت بمثابة الأخ الأكبر لكلّ منهما.

ومن الايجابيات التي ظهرت في كلمة أردوغان، كرئيس لمنظمة التعاون الاسلامي، وهو الاسم الجديد لها بعد أن كان مؤتمر الدول الاسلامية… دعوته لما يلي:

نبذ الخلافات الطائفية والعرقية التي تؤدّي الى حروب ، فالقاتل والمقتول مسلمان، وكلّ منهما يؤمن بـ»لا اله الا الله ومحمدا رسول الله».

وجوب محاربة الارهاب بشدة.

السعي لإنشاء أجهزة تسعى لحلّ الخلافات الاسلامية الاسلامية، أو الاسلامية مع جهات أو دول غير اسلامية، وعدم إفساح المجال لدول من الخارج لتحتكر القدرة على حلها. ومن أبرز الخلافات الاسلامية مع دول غير اسلامية، الصراع القائم في كشمير بين الهند الهندوسية، وباكستان الاسلامية، وكذلك الصراع حول السيادة على ناكورنو قرة باخ، وهو النزاع بين دولة اسلامية هي أذربيجان، ودولة مسيحية هي أرمينيا.

ايداع وتوظيف أموال الدول الاسلامية في بلاد اسلامية، وليس في دول أخرى كما هو حاصل حالياً، حيث توجد في مصارف الدول الغربية غير الاسلامية بطبيعة الحال ، مئات بل آلاف المليارات، علماً بأنه لم يودع منها في البنوك التركية الا ثلاثين ملياراً فحسب، كما قال.

5 - تعزيز الدعم للقضية الفلسطينية، سعياً لوصول الفلسطينيين الى حقوقهم المشروعة، مؤكداً مواصلة تركيا التي باتت تقترب من مصالحة مع «إسرائيل» لإنهاء النزاع معها حول قضية الاعتداء الإسرائيلي على الباخرة التركية ومقتل عدد من الأتراك في ذاك الاعتداء … تقديم الدعم للفلسطينيين ولقضيتهم العادلة

6 - تشكيل وفد وساطة لحلّ النزاعات بين الدول الاسلامية مؤلفاً من رئيسي تركيا رئيس المؤتمر ورئيس كازاكستان.

وهناك نقطة ايجابية أفرزها توقيت عقد المؤتمر الذي شارك فيه 35 رئيس دولة ورئيس حكومة اسلامية، وهي اتاحته الفرصة للقاءات أخرى مطولة بين الرئيسين روحاني وأردوغان. حيث توجه الرئيسان الى أنقرة عاصمة تركيا فور انفضاض جلسات المؤتمر، لعقد مباحثات ثنائية مطوّلة لتعزيز التعاون بين الدولتين التركية والايرانية، إضافة الى تقريب وجهات النظر بين إيران والسعودية، رغم بعض المؤشرات على رغبة سعودية في تفاقمها، ترافقها رغبة تركية أيضاً بابقائها محتدمة، لكون الجانب التركي من المستفيدين اقتصادياً، مالياً واستراتيجياً، من بقاء تلك الخلافات قائمة.

ولكن الى جانب تلك الإيجابيات، هناك عدة سلبيات واضحة أفرزها ذاك المؤتمر والنتائج المرجوة من ورائه كما حدّدها أردوغان في خطابه، والتي قد تنسف كلّ ايجابياته، رغم توجه أردوغان، كرئيس لمنظمة التعاون الاسلامي للسعي لحلها، ان كانت قد بقيت له مصلحة في حلها، خصوصاً لدى انتهاء رئاسته لتلك المنظمة بعد اثني عشر شهراً من الآن. وهذه السلبيات هي:

1 عدم إصراره على بقاء الملك سلمان بن عبد العزيز في اسطنبول طوال يومي المؤتمر، وتركه يغادر قاعة المؤتمر بعد انتهاء الجلسة الافتتاحية فوراً متوجهاً الى الرياض، دون تشبّث أردوغان بأظافره وبأسنانه ببقاء العاهل السعودي في اسطنبول، من أجل عقد اجتماع استثنائي بإشراف تركي، يسعى جدياً لمصالحة البلدين، علماً بأنّ إيران كان من المفروض أن تتمثل في المؤتمر بوزير خارجيتها، لكن الرئيس حسن روحاني قرّر في اللحظة الأخيرة، ترؤس الوفد الإيراني بنفسه، على أمل أن يشكل ذلك مناسبة ملائمة لمصالحة ايرانية سعودية.

فمغادرة العاهل السعودي لتركيا فور انتهاء الجلسة الافتتاحية، شكل الفشل الأول لمهمة أردوغان كرئيس للمؤتمر، مع العلم بأنّ أخباراً تتردّد حول عزم الرئيس روحاني للتوجه الى الرياض قريباً، مادّاً يداً ايرانية في دعوة جدية لتذليل أسباب الخلافات بين الدولتين الكبيرتين، واللتين تتنازعان على القيادة في المنطقة، متناسيتين الدور القيادي أيضاً لكلّ من مصر وتركيا، اضافة الى العراق وسورية …

2 كان على الرئيس أردوغان أن يحلّ خلافاته مع مصر قبل انعقاد المؤتمر. ولكنه لم يفعل، ولم تصل الوساطة السعودية التي قادها العاهل السعودي بينهما… الى نتيجة مجدية، وذلك لعدم إبداء أردوغان المتشبّث بتوجهاته السياسية الإسلامية، الاستعداد للتجاوب مع المطلب المصري الوحيد، وهو تخليه عن التدخل في الشؤون الداخلية لمصر، والتآمر عليها بتقديم الدعم المتواصل لحركة حماس وللتنظيات الإرهابية المتواجدة في سيناء، مع مواصلة تركية بعدم الاعتراف بشرعية النظام المصري الجديد الذي أفرزته ثورة 30 أيار مايو ، وقادت الى وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي الى مقعد الرئاسة نتيجة انتخابات شرعية. فالرئيس الشرعي للبلاد، لما يزل في نظر أردوغان، هو الدكتور مرسي، الرئيس المعزول الذي أقصاه الشعب والجيش عن مقعد الرئاسة. فتفويت هذه الفرصة، قد أدّت الى امتناع الرئيس السيسي عن المشاركة شخصياً في المؤتمر، وانتداب وزير الخارجية، لإلقاء خطاب تسليم الرئاسة المصرية لتركيا كأمر بروتوكولي محض، ثم مغادرته قاعة المؤتمر، بل وتركيا أيضاً، فور انتهائه من إلقاء خطابه القصير.

3 موافقة تركيا على تبني المؤتمر لبيان ختامي يدين إيران ويتهمها بإثارة النزاعات الطائفية في دول المنطقة، كما هو حاصل كما يقول البيان في سورية والعراق واليمن والصومال، علماً بأنّ النزاع في الصومال، هو نزاع بين الحكومة الرسمية وتنظيم شباب الصومال المنتمي لتنظيم «القاعدة» وصاحب الاتجاه الوهابي السعودي. فهذا البيان، هو خطوة عملية تعلن عن فشل مهمة المؤتمر لحلّ الخلافات، ذلك أنّ البيان الختامي قد عززها.

4 - تحدّث الرئيس أردوغان مشكوراً في خطابه، عن وجوب نبذ الخلافات الطائفية والعرقية والتي تشكل أسباب المنازعات في المنطقة. أما حديثه عن الخلافات العرقية، ورغبته في الغائها كسبب للنزاع، فمردّه مصلحة تركية أثارها ذاك الصراع القائم في تركيا بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، ولولا وجود ذاك النزاع، لما أثار ذاك الموضوع. كما أنّ حديثه عن الخلافات الطائقية وما تثيره من مآس وعمليات قتل، اذ أنّ من يقتله هذا المسلم، هو مسلم آخر كما تذكر أردوغان فجأة ، ما كانت ستنجح في الظهور والاستقواء والبقاء حية، لو لم تفتح تركيا حدودها أمام تدفق الأسلحة على المقاتلين، وورود موجات وراء موجات من المقاتلين عبر تلك الحدود وبعضهم من المرتزقة ، على ساحتي القتال الرئيسيتين وهما سورية والعراق. ومع ذلك، فانّ المعتدلين والعقلاء في هذه المنطقة من العالم، يرجحون فعلاً الدعوة لنبذ الطائفية والعرقية كسببين للتقاتل بين شعوب، بل وحكومات هذه المنطقة من العالم، وذلك كخطوة نحو استبدال ذلك بتنسيق فعّال بين دول الكنطقة، يمهّد لاتحاد فيدرالي تدريجي بينها. ولكن لعله من الأجدى أن تكون تركيا هي المبادر لإيقاف التقاتل لأسباب عرقية بامتناعها عن مقاتلة الأكراد الأتراك لأسباب عرقية، يتبعها توقف كلّ دول المنطقة عن مقاتلة من توجد معهم خلافات عرقية كالأكراد والأمازيغ والبربر، مع وقف آخر لترويج الخلافات الطائفية بين السنة من جهة، والشيعة والعلوية والاسماعيلية من ناحية أخرى، اضافة الى الخلاف مع طائفة الموحدين، أي الدروز من سكان سورية ولبنان وجزء صغير من الأردن.

5 - الدعوة لمحاربة الإرهاب أمر محمود، لولا أنها قد جاءت متأخرة، اذ كان الإرهاب افرازاً لما قدّموه هم من دعم لهم، أقله شراء النفط غير الشرعي من قبلهم، كما أنه قد جاء متأخراً ونتيجة متوقعة لاكتواء تركيا أخيراً بناره.

6 - الجميع يرحب باستثمار أموال دول المنطقة في دول المنطقة وليس في خارجها، وهذا مطلب شعبي قديم لم تستجب له قط الدول المعنية وقد لا تستجب له أبداً، نتيجة ارتباط مصالحها بمصالح الدولة الغربية المستثمرة تلك الأموال فيها.

7 - الدعوة لتأييد القضية الفاسطينية، مطلب قومي عربي وإسلامي. ولكن يناقضه توجه تركيا للمصالحة مع «اسرائيل»، العدو الأشرس للقضية الفلسطينية.

اذن كانت هناك إيجابيات وسلبيات لذاك المؤتمر ولما ورد في خطاب أردوغان الحماسي في ختامه، أو بعد ختامه. ومع ذلك فقد كان البعض يفضل أن يسعى المؤتمرون بدل هذا وذاك، لإرساء خطوات جدية للبدء بتنسيق جدي بينها كخطوة أولى نحو تطوير التنسيق الجدي الى تحالف ينتهي بنوع من الاتحاد الكونفدرالي المرن، الاتحاد الشرق أوسطي، على خطى الاتحاد الأوروبي، ينهي الخلافات العرقية والطائفية بينهم إنهاء جذرياً، وينتزع من الصدور آثار الحروب القديمة بين بعض تلك الدول. فالاتحاد لن ينهي فحسب الأسباب الداعية للخلافات العرقية والطائفية، بل وبعض الخلافات الحدودية أيضاً. كما أنه سيقدّم الاتحاد للعالم كقوة عظمى من حقها أن تمثل في مجلس الأمن بمقعد دائم، وهو المطلب الذي قدّمه أردوغان في خطابه الشهير الذي ألقاه في هذا اليوم وشكل النقطة الإيجابية السابعة له.

وقد رأينا آثار التفكك الذي أصاب دول الاتحاد السوفياتي منذ لحظات تفككه. فكلّ النزاعات التي كانت خفية ويحتضنها الاتحاد السوفياتي بصدر رحب، قد برزت بين تلك الدول بعد تفككه. فهناك خلاف مع جورجيا، وآخر مع أوكرانيا وهذه خلافات عرقية ، وثالث بين أرمينيا وأذربيجان، وهذه خلافات طائفية في جوهرها. فالاتحاد السوفياتي بما تضمّنه مفهوم الاتحاد، قد ألغى خلال وجوده، الخلافات العرقية بين هذه الدول كما في جورجيا وأوكرانيا، وألغى الخلافات الطائفية كما في أرمينيا وأذربيجان، بل وألغى الخلاقات الحدودية كما في قضية شبه جزيرة القرم الروسية التي كانت روسية وأصبحت أوكرانية في ظلال الاتحاد، لتعاد روسية نتيجة الخلافات التي نشبت كأثر من آثار تفكك الاتحاد السوفياتي، ومثلها ناغورنو قرة باخ التي كانت أرمنية وضمّت الى أذربيجان تأكيداً لروح الاتحاد، لتعود شبه مستقلة بعد تفككه، ولكن لتعود أذربيجان للمطالبة باستعادتها كجزء من أراضيها رغم الاختلاف في الدين وفي العرق بينهما. فهذا الاختلاف بينهما، لم يبرز الا كأثر من آثار تفكك الاتحاد السوفياتي الذي كان يجمعهم كلهم تحت مظلة واحدة تناست الخلافات الطائفية والعرقية والحدودية، لتعود الى الظهور بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024