إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أردوغان: الأمر لي في تركيا الجديدة

د. هدى رزق - البناء

نسخة للطباعة 2016-08-01

إقرأ ايضاً


تميّزت الساعات الأولى من محاولة الانقلاب الفاشلة بدعوة إدارة الشؤون الدينية الشعب التركي إلى الاحتشاد دفاعاً عن الديمقراطية. وطلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من رئيس مديرية الشؤون الدينية، وهي الهيئة الرسمية في تركيا، دعوة الناس للنزول إلى الشوارع من أجل اظهار تضامنهم ضدّ محاولة الانقلاب العسكري الفاشل، كما تمّ إصدار أمر إلى جميع الأئمة في الجمهورية للذهاب إلى مساجدهم للدعوة إلى التكبير، كذلك تمّ إرسال رسائل نصية إلى هواتف 110.000 من الأئمة كإعلانات للجمهور ودعوة إلى قراءة الصلاة في المساجد، وإبلاغ الناس بأمكنة التجمع وتشجيعهم على التحلي بالشجاعة والنزول إلى الشوارع، لقد حان وقت استغلال تطبيق توظيف رجال الدين المحليّين وطلاب العلوم الدينية في الدولة منذ عام 2012. فأردوغان استعان بمن يعتبرهم جزءاً من زرع الـ14 عاماً في الحكم، فهو سعى إلى تقوية هذا الجهاز الديني من أجل إحداث «التغيير القيمي» في المجتمع التركي والقضاء على روح العلمانية في البلاد. استعان بالأئمة من أجل التعبئة الجماهيرية كما استعان بـ«سي أن «ن» تورك لكي يعلن أنّ الديمقراطية تواجه تهديداً انقلابياً وتعبئة العلمانيين بوجه انقلاب من حفنة عسكرية إسلامية – غولينية ساهم هو بتقويتها والإستعانة بقوتها الكامنة في مؤسسات الدولة منذ 40 عاماً، من أجل القضاء على العلمانية من جهة وتثبيت سلطة العدالة والتنمية الإسلامية من جهة أخرى.

هو يريد اليوم استكمال «ثورته الصامتة» في الداخل التركي، التي أعلن إنجازها عام 2010 أي قبل الربيع العربي، بعدما أورد إنجازات العدالة والتنمية في التحوّل إلى الديمقراطية والمدنية، وافتخر بتنصيب شخصية مدنية للأمانة العامة لمجلس الأمن القومي، وتقليص سلطات القضاء العسكري وإلغاء بروتوكول «أماسيا» والمقعد العسكري في بعض المؤسسات المدنية، وسمح بالطعن بقرارات مجلس الشورى العسكري. ومحاكمة انقلابيي عام 1980 مدعماً بإنجازات اقتصادية ـ أمنية مع خطاب ديني بدا معتدلاً لاستقطاب الشباب.

اعتبر أنه بات قادراً على توظيف خبرته في التعامل مع مقتضيات الحداثة.. قدم تجربة اعتبرت رائدة في تركيا، بدعم غربي وبسياسة خارجية متصالحة مع المحيط الإقليمي. اليوم يقف الرئيس التركي بعد خمس سنوات من «الربيع العربي» حاول خلالها استثمار النجاح الداخلي بفرض نموذجه والتصرف كقوة اقليمية. اعتقد أنّ هذه «الإنجازات» ستتيح له ملء الفراغ الإقليمي من أجل التمدد وإعادة مجد الإمبراطورية، طالما المطروح إعادة النظر بإتقاقية سايكس بيكو. أما داخلياً فرأى الفرصة سانحة بعدما اشتدّ ساعده للانقضاض على حليفه فتح الله غولن، وقلب مفاهيم ووظيفة المؤسسة العسكرية. ومحاولة استيعاب الإكراد تحت عباءته. لكن فشل حزبه في انتخابات 7 حزيران 2015 بالحصول على الأغلبية البرلمانية لتشكيل الحكومة منفرداً، أدّى به إلى قلب الطاولة قام بالانقلاب على الحوار مع الأكراد، وضرب انجازاته الأمنية في حربين داخليتين واحدة سياسية مع غولن وأخرى عسكرية مع الأكراد، سعى للإمساك بكلّ مفاصل السلطة تحت شعار «النظام الرئاسي بعدما بدأ ينحو نحو الاستئثار، كأنما بناء تركيا 2023 هو مشروع شخصي في ظلّ زعامة تحمل اسمه فقط دون رفاقه غول واوغلو… ضرب الرقابة والمحاسبة داخل حزب العدالة والتنمية وحوّله إلى حزب أردوغاني، مستعيناً بقوة «الإخوان المسلمين» كذلك بالمتطرفين الإسلاميين الذين يرون أنّ «داعش» فصيل إسلامي يجب دعمه والدفاع عنه.

استبق خسارة رهانه الاقليمي وعجل بإخراج مقرّرات ثورته إلى العلن، أصرّ على ضرورة مكوث الناس في الشارع دعماً لعملية انقضاضه على السلطة دفعة واحدة، وليشكل الجمهور القابع في الساحات غطاء للتغيير.

اقتصّ بعض جمهور أردوغان المنظم من الجيش، وما يعنيه هذا العسكر من رمز يحمى الدولة التركية، أغفل الرئيس أهمية صورة القوة التي تميّزت بها تركيا. لكنه في قرارة نفسه يعدّ العدة لجيش تركيا الجديدة، الذي سيتمّ تظهيره في المرحلة المقبلة على أنه أولاً جيش الحزب الواحد. لم ترق له تصريحات البنتاغون حول مآل الضباط والأسرار العسكرية التي تقاسمها هؤلاء في الحرب على «داعش» وفي التخطيط في حلف شمال الأطلسي الناتو، فهو في ثورة التغيير هذه للتمكن من كلّ السلطة يتخذ قرارات سياسية تفضي إلى رسم عناوين صراعية، هو يحسم المشهد الجديد ويعتبر أيّ كلام من واشنطن تدخلاً في شأن داخلي، وتواطؤاً طالما لم تسلمه غولن القابع في بنسلفانيا.

هو ليس بحاجة للغرب، لا سيما أنه يستغلّ فرصة الفراغ التي تحتمها الانتخابات الأميركية من أجل فرض توازنات جديدة معطوفة على حالة من الخوف والهلع وعلامات مثيرة للقلق، يريد فرض صورة جديدة على الغرب مع وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض اوائل 2017.

قبضت السلطة السياسية على آخر أنفاس المؤسسة العسكرية التي كان قد جرى إضعافها، منذ تولى العدالة والتنمية السلطة من اركينغون إلى بليوز. وهو قام بشحذ مقصلته لممارسة هذا التطهير الذي بدأه منذ 2014، والعمل على تطهير القضاء وضرب المؤسسات الاعلامية والتعليمية التي تمّ وضع اليد على بعضها منذ آذار 2016.

حركة التطهير طالت قيادات كبرى في الجيش وما تبقى من وسائل اعلامية قدّرت بـ132 وسيلة.

لوائح أعدّت سابقاً كانت قد سلّمت إلى الوزارات المعنية بغية انتظار ساعة التنفيذ. لكن لم يكن باستطاعة الرئيس ووزرائه تنفيذ هذا الحكم لولا «الانقلاب الفاشل» الذي أفرج عن خطة أردوغان من أدراج الوزارات. تمّ اقصاء 66 ألف موظف عن مراكزهم، 42 ألف منهم معلمين من وزارة التربية، أكثر من 9000 آلاف من وزارة الداخلية، أكثر من 3000 من الضمان الاجتماعي، حيث ملفات كلّ المواطنين الأتراك، أكثر من 2000 قاضٍ ومدّعي عام، جرى تعليق عضويتهم أو إقالتهم أو احتجازهم، كذلك إقالة 300 دبلوماسي. وأقرّ المجلس الأعلى العسكري إعادة هيكلة الجيش وفصل 168 ضابطاً من القوات المسلحة التركية، 149 منهم برتبة جنرال وادميرال ليفضي الأمر إلى تفريغ الجيش من نخب مدرّبة ما مجموعه 40 من بنية القيادة في البحرية والقوات الجوية. فلديه خطة كاملة لبنية الجيش وتجهيزة وعديده ومهامه، كذلك للإنتاج العسكري وهو سبق أن عقد اتفاقاً مع شركات محلية منها «بايكر ماكينا» التي تصنع طائرات من دون طيار، وسبق لها أن شاركت في عدة مشاريع لتطوير الأنظمة الدفاعية في تركيا.

احتجز نحو 16 ألف شخص، بما في ذلك 9.000 في السجن انتظاراً للمحاكمة. وصدرت أوامر بإلقاء القبض على أكثر من 50 صحافياً. تمّ تمديد فترة الاحتجاز قبل توجيه التهم. تجري هذه الحملة من خلال المراسيم التشريعية، وتحت حكم الطوارئ.

صدمت المعارضة لكنها وقفت إلى جانب الديمقراطية ضدّ الانقلاب، تصرف قادتها كأنما هناك تخدير عام في الأجواء، شارك بعضهم في وضع اليد على مؤسسات غولن، وأيّد بعضهم الآخر كحزب الحركة القومية، وحزب الشعب الجمهوري خطوات أردوغان تحت شعار الدمقرطة، واستثني حزب الشعوب الديمقراطي من لقاء في القصر الجمهوري. وحشدت المعارضة تأييداً للانقلاب ووجه بعضها اللوم لأردوغان، لأنه دعم الغولينيين الذين انقلبوا عليه. لكن فاتهم أنّ انقلابه على الغولينيين أتى في إطار منع أيّ معارضة له. من راقب خطاب بعض المعارضة التركية وليونتها يعّي أنّ الخوف سيطر عليها فهادنت إلى درجة المداهنة. ومنها من اعتقد أنّ اقتسام السلطة مع أردوغان قد حان على أنقاض الغولينيين. ما لبث رئيس حزب الشعب الجمهوري أن انتقد التوقيف والاحتجاز والإقالة والتطهير، وتمنى أن لا تتحوّل إلى انتقام. الانقلاب انجز واردوغان يرى أن الأمر اليوم هو فقط له لكن هل أصبحت تركيا جمهورية الخوف وهل هو اليوم فعلاً قوي؟


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024