إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

"الأرقام المخفية" في عالم الفضاء.. نساء منسيات حققن حلم "ناسا"

نسخة للطباعة  | +  حجم الخط  - 2016-09-09

لا يخفى على العالم بأسره، الكفاح الكبير الذي خاضه الأميركيون من أصل أفريقيّ للحصول على المساواة. لكنّ طموح مجموعة من النساء ذوات البشرة السوداء كان أكبر بكثير من حدود المساواة. حققن حلمهنّ وحلم العالم على سطح القمر، لكن بلدهن تناسهن لسنوات طويلة، ليتذكرهن أخيراً في العام 2015. هي قصّة النساء الأميركيات اللواتي نجحن في تحويل أنفسهنّ من مجرّد "حواسيب بشرية" تعمل لصالح "ناسا" (الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء)، إلى مهندسات ساهمن في وصول الإنسان الى القمر.

طموح مجموعة من النساء ذوات البشرة السوداء كان أكبر بكثير من حدود المساواة

طموح مجموعة من النساء ذوات البشرة السوداء كان أكبر بكثير من حدود المساواة

دفعت مغريات قصة حياتهنّ، مارغو لي شيترلي، إلى كتابتها في رواية ستصدر قريباً، وتحمل إسم "الأرقام المخفيّة Hidden figures". نشأت شيترلي في هامبتون-فيرجينيا وهي محاطة بمجموعة من العالمات والرياضيات اللواتي عملن مع والدها في وكالة ناسا. تحكي في روايتها عن تفاصيل حياة ودراسة هؤلاء النساء ومسيرة نضالهن الطويلة. هذه القصة التي أغرت السينما الأميركية ودفعتها إلى إنتاج فيلم يحمل الإسم نفسه سيبصر النور قريباً خلال الشهر الأوّل من سنة 2017، من إخراج "ثيادور ميلفي"، وبطولة اوكتافيا سبينسر، ترجي هانسون وجانيل مونال.

تقول شيترلي في بداية كتابها خلال العام 1940 "2% فقط من النساء السود حصلن على شهادات جامعية وأغلبهنّ أصبحن معلمات. لكن عدداً قليلاً جداً منهن تخطى كل التوقعات ونجح في الانضمام إلى وكالة ناسا". عمل تلك السيدات كان مهماّ جداً في مجال الطيران والفضاء، وكل تحدياتهنّ ترافقت مع فترة حاسمة جداً في العالم بشكل عام وفي أميركا بشكل خاص، فهنّ عايشن الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة وسباق الفضاء وحركة الحقوق المدنية والاعتماد على الحوسبة الإلكترونية.

تؤكد شيترلي في تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية أنّه "لفترة طويلة، لم يكن مسموحاً للأميركيين من أصل أفريقي بالقراءة والكتابة. ومُنعت النساء من الدراسة في العديد من الكليات"، لذا كان تحدي هؤلاء النساء كبيراً جداً، تخطين العنصرية والتمييز بكل أشكاله وأثبتن أنفسهنّ في المجال العلمي الذي أحببنه منذ الطفولة، الهندسة والرياضيات.

أمّا حياتهن فكانت مليئة بالمغامرات والتحديات، وكنّ الجنديات المجهولات خلف سباق ناسا الفضائيّ. نروي قصة 4 نساء لامعات في عالم الفضاء.



كاثرين جونسون (1918)


منح الرئيس الأميركي في العام 2015 جونسون التي تجاوزت اليوم الـ98 عاماً الوسام "الرئاسي للحرية"

نجحت جونسون في إطلاق صاروخ إلى الفضاء بدون استخدام حاسوب، وكانت هي سبباً أساسياً في هبوط الإنسان على سطح القمر. تفوقت في دراستها ودخلت المدرسة الثانوية باكراً، إلى أن درست "الرياضيات المتقدمة" في الجامعة، وكغيرها من النساء السوداوات إضطرت إلى العمل في التدريس لإنعدام الفرص.

نجحت جونسون في العام 1953 بالحصول على وظيفة "حاسوب" في ناسا. تلك الوظيفة التي كانت تقتصر فقط على إدخال الأرقام في معادلات مهندسين آخرين. لكن ذكاءها وبراعتها دفعا مجموعة "أبحاث الرحلات الفضائية"، التي كانت مؤلفة حينها من الرجال فقط، إلى دعوتها الانضمام إليهم.

اعترضت كثيراً على سياسة منع النساء من المشاركة في الإجتماعات، فنجحت في تخصيص مقعد ثابت لها على طاولة الإجتماع. كما رفضت استخدام "دورات المياه الملونة" التي خُصصت لأصحاب البشرة السوداء كي لا يستخدموا دورات المياه الخاصة بالبيض.

ساهمت رياضيات جونسون في رسم خريطة مسار رحلة "آلان شيبرد"، الذي أصبح أول رائد فضاء أميركي في العام 1961. وبراعتها دفعت بـ"جون غلين"، إلى الطلب منها التحقق من صحة الحسابات، عندما كان يستعد لأوّل رحلة فضاء مدارية في العام 1962، لأنه لم يكن يثق بحسابات أجهزة الكمبيوتر الإلكترونية الجديدة لدى ناسا. أمّا إنجازها الكبير فكان عندما وطأ "نيل أرمسترونغ" سطح القمر للمرة الأولى في 20 تموز/يوليو 1969.

ومنح الرئيس الأميركي باراك أوباما، في العام 2015، جونسون، التي تجاوزت اليوم الـ98 عاماً، الوسام "الرئاسي للحرية"، وهو أعلى وسام مدنيّ يمنح في الولايات المتحدة. وشكّل هذا المنح أوّل اعتراف وتكريم أميركي لجيل ناسا من النساء الأميركيات من أصل أفريقيّ. وللمفارقة، فإنّ جونسون من مواليد 26 آب/ أغسطس وهو اليوم العالمي للمساواة.


دوروثي فوغان (1910-2008):


تخصصت فوغان في مجال الحوسبة الإلكترونية وبرمجة لغة "الفورتران

عملت كمدرسة رياضيات في مدرسة ثانوية في ولاية فرجينيا. وفي أحد الأيام من العام 1943، استقلّت فوغان المتزوجة والأمّ لأربعة أطفال، قسم "الملونين" (الخاص بأصحاب البشرة السوداء)، في الحافلة لتذهب الى أوّل يوم عمل لها في "ناسا". عملت هناك بوظيفة "كمبيوتر"، ولكنها كانت موهوبة جداً في الرياضيات، فانضمت إلى مجموعة صغيرة من النساء السود المتخصصات في الرياضيات، والتي أطلق عليها، وبشكل عنصريّ، اسم مجموعة "الحواسيب الغربية".

كان من الصعب على هذه المجموعة التي خصصت لها طاولة محددة لتناول الطعام، بعيداً عن البيض، تجاوز دورها في العمل والترقي، خلافاً للآخرين. وفي الوقت الذي كان أعلى منصب قد تحصل عليه إحدى نساء "الحواسيب الغربية" هي رئاسة المجموعة، نجحت فوغان في العام 1951 بأن تصبح أوّل مديرة سوداء في "ناسا".

وتخصصت فوغان في مجال الحوسبة الإلكترونية وبرمجة لغة "الفورتران"، كما عملت أيضاً في اختبارات "المشروع الكشفي" في مركز "والوب للطيران".


ماري جاكسون (1921)


تقريرها البحثي عن الطيران المداري كان التقرير الأول في قسم أبحاث الطيران الذي تكتبه امرأة.

حصلت على شهادة في الرياضيات والفيزياء، وعملت كسكرتيرة قبل أن تترك العمل لتتزوج وتصبح أمّاً. وبعد سنوات عدة أصبحت سكرتيرة عسكرية. الى أن تلقت في العام 1951، عرضاً من "ناسا" للعمل كحاسوب. وبعد عامين، عملت جاكسون هناك مع فريق هندسيّ لتطوير أنفاق الضغط فوق الصوتي، حيث كانت تختبر النماذج. وعندما أرادت التدرّب لتصبح مهندسة، عانت كثيراً لحصولها على إذن بحضور دروس الهندسة في المدرسة المخصصة بالبيض.

تقريرها البحثي عن الطيران المداري، كان التقرير الأول في قسم أبحاث الطيران الذي تكتبه امرأة. حسبت مسارات أولى رحلات ناسا الفضائية البشرية، وكان عملها حاسماً في هبوط "أبوللو" على القمر.


كريستين داردن (1942):


أحبت داردن الهندسة كثيراً في المرحلة الثانوية، لكن والدها أصرّ على أن تصبح معلمة بعد حصولها على شهادة الماجستير في "الرياضيات التطبيقية". خاصةً أنّ الوظائف التي كانت متوفرة للنساء السودوات في ذلك الوقت، كانت فقط في التدريس والتمريض والسكرتاريا. ولكنها حصلت على وظيفة في "ناسا" كحاسوب بعد أن أنجزت الكثير من الدورات في علم التفاضل والتكامل المتقدم ونظرية الأعداد.

عملت داردن في هذه الوظيفة لسنوات عديدة مرغمة، لعدم رضاها عنها. فكانت ترغب بأن تصبح مهندسة، وعندما وجدت أن الرجال يرتقون في المناصب داخل الوكالة، واجهت رئيس القسم الذي تعمل فيه بذلك، وسألته عن ترقية الرجال الذين يتساوون بها تعليماً وخبرة، أو أقلّ منها حتى، بينما لا تتمّ ترقيتها هي. فأجابها حينها"إن النساء لم يشتكين من هذا من قبل". لأن الاعتقاد السائد حينها كان بأنّ النساء سيتخلين عن العمل حين يكون لديهنّ أطفال.

وحاربت داردن لأجل قضيتها وتمّت ترقيتها بالفعل للفريق الهندسي، حيث بدأت مسارها الوظيفي في مجال أبحاث الدويّ الصوتيّ. كما حصلت على درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية، وامتدت مسيرتها المهنية لأربعين عاماً في "ناسا".


بقلم : سجى مرتضى- الميادين


 
جميع الحقوق محفوظة © 2024