إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

المجتمع السوري هيئة اجتماعية واحدة بنسيجه الاجتماعي في بيئته الطبيعية

صبحي فريح - البناء

نسخة للطباعة 2016-12-08

إقرأ ايضاً


أفرزت الحرب الهمجية الكونية على سورية والعراق سوراقيا أفكاراً ومفاهيم غريبة وخطيرة على وحدة المجتمع ومكوّناته التاريخية منذ زمن قديم، غذّته الدعايات الأجنبية الاستعمارية والإعلام الغربي والعربي المعادي، وكان للفكر الوهابي المنحرف عن الدين الإسلامي المحمّدي الأثر البالغ على بعض شرائح المجتمع التي توهّمت أنّ بقدرتها أن تؤسّس في المجتمع السوري بؤراً وجزراً ومقاطعات خاصة، ولتحكم فيها باسم الفدرالية السورية أو باسم «الدولة الإسلامية».

إنّ العصابات الإرهابية على مختلف تسمياتها، وخاصة داعش والنصرة وجبهة الإسلام وأحرار الشام وغيرهم، شنّوا الحرب على سورية منذ خمس سنوات ونيف باسم الإسلام، والإسلام بريء من مزاعمهم وادّعاءاتهم. هذه العصابات المرتهنة لمشغلّيها السعودية تركيا أميركا قطر إسرائيل فرنسا بريطانيا تهدف من هذه الحرب على سورية إنهاء دورها الوطني بقرارها المستقلّ، ودورها القومي بدعم الثورة الفلسطينية والمطالبة بالحقوق القومية في فلسطين، ومن ثمّ القضاء على الجيش السوري وتقسيم أرض سوراقيا بلاد الشام والعراق ، زيادة على تقسيمها السابق باتفاقية سايكس بيكو في العام 1916. وخلق دويلات ضمنها تتقاتل وتتصارع في ما بينها، ولتهيمن وتسيطر عليها أخيراً «إسرائيل»، على هذه المقاطعات الهزيلة الصغيرة والمقسّمة طائفياً أو عرقياً، فشحنت نفوس بعض السوريّين إثنياً وعرقياً كالأكراد والتركمان والشركس والأرمن والآشوريين وبعض القبائل العربية، كذلك مثله في العراق، وكانت الغاية هي الاقتتال العرقي بين فئات الشعب السوراقي ليبقى قروناً من القتال الشامل جميع أفراد الشعب. كما أثارت الفتن الطائفية على مختلف المذاهب والطوائف بين كافة أبناء الطوائف الإسلامية المحمدية والمسيحية.

فيا أكراد سورية أنتم سوريون أولاً وأخيراً، وقبل أن تنتموا إلى النسب الكردي.

إنّ مطالبة البعض منكم بكيان خاص بالأكراد، بالفدرالية السورية كما هي في العراق من مطالب مثيلة لها هو خروج عن الواقع الحياتي والمصالحة والاشتراك بالعيش الواحد.

إنّ هذه المطالبات ليست إلّا جزءاً من سياسة أميركا القديمة والمستمرة حتى الآن، هي خلق الفتن والحروب الداخلية بين فئات الشعب بُغية القضاء عليها ذاتياً، وعلى وحدته ووحدة أراضيه لتقسيمها إلى أجزاء تقاتل بعضها بعضاً لمصلحة «إسرائيل»، التي هي خطر ليس على فلسطين، بل على سوراقيا، وإنما على العالم أجمع، والتي اغتصبتها منذ وعد بلفور، الوزير الإنكليزي، الصادر في عام 2/11/1917.

وليعلم الأكراد، منذ وجودهم على هذه الأرض سوراقيا لم يكونوا فئة مستقلّة عن الشعب القائم على هذه الأرض، بل متفاعلين معه تفاعلاً حياتياً تاماً، ودون تفرقة أو إثارة أية نعرة.

فهم وطنيون ومخلصون لوطنهم وشعبهم، وقبل فتح صلاح الدين الأيوبي لهذه البلاد وطرد الفرنج منها وانتصاره عليهم.

لقد غرّرت أميركا بجزء من الأكراد ودعمتهم بالمال والسلاح، وخدعتهم بأمل قيام كيان كردي مستقلّ لهم يمتدّ على طول الحدود السورية التركية، حيث يمتدّ من شمال اللاذقية إلى الريحان في جسر الشغور إلى جبل الأربعين ثمّ حتى عفرين وجرابلس والقامشلي والمالكية في شمال سورية، بما فيها عين العرب وراس العين وتل أبيض. إنّ هذه المنطقة من أخصب الأراضي السورية، والتي قد تمتدّ حتى شمال العراق لتلتقي مع حزب كردستان العراق الانفصالي.

والأكراد هم جزء من الشعب السوري، وينتمي أساساً إلى الأمة السورية سوراقيا ، ولا يهمّ من أين أتوا وهاجروا، فقد استقرّوا على الأرض السورية، مثلهم مثل جميع الأقوام التي قطنت هذه الأراضي فشكّلت الأمة السورية بعامل الوجود التفاعلي مع بقية السكان المقيمين على وفي البيئة السورية، فأصبحت وحدة اجتماعية قائمة بذاتها في بيئتها الطبيعية المميّزة عن البيئات الأخرى بحدودها الطبيعية المانعة من التداخل والاختلاط مع الشعوب الأخرى.

إنّ أمتنا في هذا الوجود الحقيقي القائم بالعلم والواقع، هو هذا الشعب المتجانس بجميع عناصره المكوّنة وحدة الأمة وحدة المجتمع عبر التاريخ، والمتولّدة من زمن طويل يرجع إلى ما قبل التاريخ الجلي، كما يقول سعاده مؤلف كتاب نشوء الأمم ونشوء الأمة السورية.

إذن، جميع الأقوام والسلالات التي نزلت بهذه الأرض وعلى مختلف أنواعها، والتي قطنت بيئة محدّدة، قد تفاعلت مع بعضها البعض وتفاعلت مع الأرض تفاعلاً إيجابياً، واختلطت وتمازجت الأقوام القديمة مع الأقوام الحديثة التي هاجرت إليها من الجنوب العدنانيون ، بكلّ الأقوام من الكنعانيّين والكلدان والأموريّين والحثيين والآراميين والآشوريين والأكاديين، واتّحدت مع بعضها وانصهرت في بوتقة الأرض ذات الحدود الطبيعية من جبال وبحار وصحارى المحاضرات . وهذا التفاعل البشري لا يقصد منه ردّ الأمة السورية إلى أصل سلالي واحد معيّن سامي أو آري، بل القصد إعطاء الواقع الذي هو النتيجة الأخيرة الحاصلة من تاريخ طويل يجمع كلّ الشعوب التي نزلت في هذه البلاد، وتمازجت وانصهرت مع بعضها حتى أصبحت شعباً واحداً له سمة وميزة واحدة، وله مصلحة واحدة في وحدة الحياة والعيش الواحد، فأصبحت لهذا الشعب أهدافه ومثله العليا، والمنقذ من تنافر العصبيات الدموية والتفكك القومي.

إنّ هذا المبدأ كما يقول سعاده، نقض جميع النظريات العرقية ونظرية الدم الواحد، حيث لا يوجد لدى جميع شعوب العالم دم خالص وذو صفات تميّزه عن الدماء الأخرى. سعاده.

لهذا، فإنّ هذا المبدأ ليس مؤسساً على مبدأ وحدة سلالية، بل على الوحدة الاجتماعية لمزيج سلالي متجانس في وحدة حياته وفي بيئة معيّنة ومحدّدة، فتكوّنت لهذا المجتمع نفسية خاصة وطابع فيزيائي خاص. هذا المبدأ الوحيد الجامع لمصالح الشعب السوري الموحّد لأهدافه ومثله العليا، والمنقذ من جميع السلبيات المحمولة من الآخرين والهادف إلى تحقيق المصلحة العامة الواحدة لهذا المجتمع. سعاده.

الشعب السوري المتجانس اجتماعياً بيئوياً تاريخياً

فالشعب السوري بكلّ مسمّيات فئاته هو هذا النسيج المتجانس تجانساً اجتماعياً في بيئة محدّدة، ومتفاعلاً معها وعليها، فقد احتضنت هذا الشعب بمختلف أجناسه ومواقعه السابقة التي هاجرت، سواء الشركس أو الأكراد أو الأرمن والعرب بالضخّ الإسلامي منذ 40 للهجرة، وانتشرت فيها لغة الفتح – العربية بعد أن كانت لغة السكان الأصليين السريانية، والتي لا تزال متداولة في بعض المدن السورية، خاصة في مناطق القلمون. علماً أنّ اللغة لا تعطي تشكيلاً أو عنصراً أساسياً لتشكيل أمة كما هي اللغات المشتركة بين عدو من الأمم فلم تتوحّد أممها بسبب وحدة اللغة. وبنتيجة هذا التمازج الانصهاري للشعب بكلّ فئاته في هذه البيئة المميّزة والمحصّنة من كلّ جهاتها الأربع، حصل هذا الاندماج النفسي والتطابق العقلي والتوافق المعيشي والارتباط الحياتي بين أفراد المجتمع لحصول المصلحة العامة للجميع، ودفع الضرر والخطر عنهم، فنشأت عقلية متجدّدة متفوّقة «تظهر النوع السوري المتفوّق على الشعوب المجاورة، سواء في العربة أو الفرس أو العثمانيّين، فهم الذين مدّنوا الإغريق ووضعوا أساس مدنية البحر المتوسط» فكانت أمّة متجدّدة مخترعة، أمة المحراث والمجداف والحرف، فنشرت المدنية في أصقاع الأرض.

التفوّق السوري ونوعية المزيج الراقي

وهذا التفوّق يعود كما ذكرنا إلى نوعيّة المزيج المتجانس الممتازة والمتجانسة تجانساً قويّاً مع نوعية البيئة السورية الخصبة، والتجانس في الأصول مانع وناف للتنوّع البشري، لأنّ الأصول المشتركة التي عاشت في سورية كان امتزاجها حقيقة علمية تاريخية، وهي أساس إثني نفسي تاريخي وثقافي، وهذا ما يظهر في شرائح المجتمع السوري بمختلف أسمائها.

فهي ضمن هذا المزيج السوري الموحّد في الحياة الاجتماعية كهيئة واحدة ولا يوجد خلاف بينها وبين ايّة شريحة كانت، لذلك ينفي هذا الواقع التنوّع سواء كان في الدم أو جنساً معيّناً أو حتى طائفة أو مذهباً دينياً، لأنّ جميع أفراد الشعب في هذه البيئة هم في وحدة الحياة التي جمعت فيها مجمل العناصر الأساسية التي نزلت فيها واحتكّت مع بعضها، وتكوّنت بوجودها التفاعلي أفقياً وعمودياً شعباً وبيئة الأمة السورية بلاد الشام والعراق ، فإنّ مدلول الأمة السورية يشمل هذا المجتمع الموحّد في الحياة الذي امتزجت أصوله وصار شعباً واحداً هو المجتمع القائم في البيئة السورية الممتازة، فعرفت باسم سورية.

هجرة اليهود

إلّأ أنّ هناك هجرة يهودية لا يمكن زوال عصبيّاتها وتنافرها مع كلّ الشعوب في العالم، التي عاشت بين ظهرانيها. إنّها هجرة خطرة ولها عقائدها الخاصة وهي غريبة وجامدة وأهدافها تتضارب مع حقيقة الأمة السورية وحقوقها وسيادتها، وبالرغم من عيش اليهود في سورية لم ينصهروا مع الشعب السوري، وبقيت أحوالهم وحياتهم الخاصة مستقلة وبعيدة عن المجتمع السوري.

وعملوا منذ عام 1898 على تأسيس وطنٍ لهم مدّعين بـ»حقّهم» في أرض فلسطين، فاعتمدوا على السياسة الاستعمارية الفرنسية الإنكليزية، سواء باتفاقية سايكس بيكو أو وعد بلفور، فقتلوا الشعب الفلسطيني وهجّروه واحتلوا أراضيهم وأخرجوهم من ديارهم قتلاً وتشريداً وتدميراً لبيوتهم وسكنهم، وشرّدوا ملايين الفلسطينيين في أصقاع الأرض.

فلو كانت هذه الأمة موحّدة في جميع كياناتها شعباً وأرضاً لما حدثت هذه المآسي والاحتلال والقتل والتشريد، وهذا ما حصل لاحقاً في الحرب الكونية على سوراقيا بفعل المرتزقة والمأجورين والمجرمين والوهابيّين، أعداء الدين والشعوب، إذ قتلوا الآلاف من هذا الشعب، ودمّروا كلّ البنى التحتية من سكن ومساجد ومدارس ومستشفيات، والذين انتظمواً في جبهات النصرة وداعش وغيرهم، يقاتلون الجيش السوري والعراقي ويسبون النساء ويقطعون أعناق الأطفال والرجال باسم إسلامهم المنحرف والمشوّه للدين الصحيح، فلم تبقَ فئة من الشعب السوري إلّا مستهدفة قتلاً وتدميراً وتهجيراً وسبياً واغتصاباً، فلا يغرّنّ أية شريحة من شرائح هذا المجتمع السوري العراق والشام أن تسعى لتكوين كيان لها في سورية والعراق، لأنها ستلقى الهزيمة والهلاك والفناء، وسيكون مصيرها أوهاماً تذروها الرياح العاصفة، فلا تجد حينذاك لا أرضاً ولا شعباً، بل سيندثر في أعماق التراب لتبقى «إسرائيل» هي الأقوى في أرض سوراقيا، ولا تقوى أية شريحة من المجتمع محاربتها بعد أن تفكّكت أواصرها وأصبحت شلعاً، وحينئذ تسيطر الأفكار والمبادئ الوهابية المعادية لكلّ طائفة ومذهب، كما قال سعاده في العام 1936، حيث قال: «لقد وجدت النهضة القومية الاجتماعية في العصبية الدينية الوهابية المنتشرة في الجزيرة العربية عداءً للسنّة والشيعة وللتمدّن المسيحي والإسلامي العام، وخطراً يرمي إلى فتح عربي جديد للبلدان المجاورة للسعودية، وخصوصاً للأمة السورية، وهذا الفتح لا يرتكز على نظرة فاهمة في الحاجة الاقتصادية أو الاستعمار، وإنّما يقوم على عصبية دينية مادية خطرة يتولّى ابن سعود العمل على تحقيقها عبر حرب مداهمة وبواسطة عملاء له…»

واليوم، تتحالف السعودية الوهابية مع «إسرائيل» من دون الالتفاف إلى الفلسطينيّين وعودتهم إلى أراضيهم التي نزحوا منها في حربي 1948 و 1967.

والخلاصة، أنّ الانتماء الوطني وحمل الهوية السورية للأكراد مؤخّراً هي الضمان والأمان لكلّ فئة من فئات هذا الشعب، فيضمن بوحدته الكاملة وبوحدة أراضيه القوية، وليس الكيانات الصغيرة الضعيفة التي سيُقضى عليها من قِبل الآخرين، وخاصة من قِبل «إسرائيل»، ويضمن حياته واستقراره وقوة شعبه وأرضه، فتكون الهوية الجامعة والضامنة للحياة والحقوق والواجبات بين جميع أفراد المجتمع الموحّد بكلّ شرائحه.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024