إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

آثام النظام الطائفي...

محمد فرحات - البناء

نسخة للطباعة 2016-12-09

عرّف أنطون سعاده الديمقراطية بأنّها «سيادة المتّحد وحكمه نفسه»، فبلادنا هي من البلاد الأولى في العالم التي اعتمدت الديمقراطية مبدأً في بناء سلطة الدولة، فكان الملك يُنتخب انتخاباً مِن الشعب لمدى الحياة، وكان ذلك أصل الديمقراطية والجمهورية. بعد ذلك مَنيت شعوبنا، منذ ألف عام تقريباً، بفقدان السلطة لصالح الاستعمار الأول عهد السلاجقة، وما زلنا حتى الآن نرزح تحت استعمار استدمار مباشر وغير مباشر في أكثر الأحيان. فبعد الحرب العالمية الأولى وخروج السلطنة العثمانية من بلادنا، انشغلت الدول الرابحة في الحرب بمحاولة نشر مفاهيم السلطة والحكم، وخصوصاً في الولايات التي كانت تحتلّها السلطنة العثمانية، فجاءت اتفاقية «سايكس ـ بيكو» لتقسيم بلادنا إلى كيانات، وكانت دولة لبنان الكبير على أساس طائفي مذهبي أولَ بروز لنشر الديمقراطية الغربية التي أعلنت في العام 1920، وعمل الفرنسيّون والإنكليز على تثبيت التقسيم عبر الاستعمار. فكانت نتيجته تنفيذ «وعد بلفور» وتثبيت المفهوم الطائفي في لبنان خاصة.

هذا المفهوم اللاديمقراطي الطائفي جعل من كلّ طائفة تقسيماً طبقيّاً، فالحاكم الطائفي يليه مساعدوه فالرعيّة، وحدّد عمل كلّ طبقة، فالحاكم حامي أفراد الرعيّة، والمساعدون هم صِلة الوصل بين الرعيّة والحاكم، ينقلون له أخبار الرعيّة ومشاكلها، والحماية كانت وما زالت تحت مبدأ «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً».

بوادر هذا المفهوم برزت منذ عهد الاستقلال عام 1943، والأداة كانت آنذاك رئيس الحكومة اللبنانية رياض الصلح، وكان أفظع جرائمه لعب دور رئيسي في اغتيال أنطون سعاده، وأفظع خياناته علاقاته المشبوهة مع دول أجنبية ومع العدو الصهيوني لاحتلال فلسطين، ومع دول عربية رفعت شعار «لا سلاح للقوميّين»، وذلك مقابل بقائه في السلطة بضمانة إنكليزية.

مَن كان ليحاسب رياض الصلح وهو الحاكم الطائفي غير القوميين الاجتماعيّين!

في العام 1982، نفّذ العدو الصهيوني اجتياحاً كبيراً للبنان بلغ العاصمة بيروت، بتنسيق مع حاكم طائفيّ آنذاك هو بشير الجميّل، وتمّ إيصاله لرئاسة الجمهورية، فكانت عملية الأمين حبيب الشرتوني التي قلبت المعادلة في لبنان من اعتباره ولاية تابعة للسيطرة اليهودية، إلى دولة لها الحق في مقاومة الاحتلال، فكانت المقاومة الوطنية التي أخرجت الاحتلال من بيروت وصولاً إلى تحرير كامل الأراضي اللبنانية.

اليوم، ثمّة من يحاول انتشال العمالة من حُفَرِها، عبر دعاوى أمام القضاء في لبنان! لماذا وما هي الدوافع والأسباب؟

ببساطة، الحاكم الطائفي ليس كائناً حرّاً، والحالات الطائفية أعواناً ورعيّة تحرَّك دائماً من الخارج وضمناً العدو الصهيوني، ويبدو واضحاً أنّه في مرحلة التطبيع العربي غير المستتر مع العدو، تتمّ تغذية ورثة العملاء ليضغطوا باتجاه تشريع العمالة في لبنان، تحت مظلّة الحاكم الطائفي ومعادلات الطوائف والمذاهب، وبمواكبة قنوات إعلامية مأجورة.

في ظلّ النظام الطائفي العفن، لا عجبَ إنْ رأينا انقلاباً في الصورة، وعدم تمييز بين الخائن العميل، وبين المقاوم البطل، ولا عجب إنْ رأينا مؤسسة إعلامية تنعت الأبطال المقاومين بالإرهابيّين وتعمل على تبييض صفحات العملاء المجرمين.

كلّ ذلك، لأنّنا لا نزال ضمن نظام طائفي يحرص على تطبيق المفاهيم الاستعمارية الاستدماريّة لثقافتنا ولسيادتنا واستقلالنا.

إنّ الخروج من هذه الحالة الكارثيّة هو بمحاربة الحالات الطائفية والمذهبية ونُظُمها، ولهذا كانت دعوة أنطون سعاده بفصل الدين عن الدولة وإحلال الدولة الديمقراطية – القومية مكان الدولة الدينية الأوتوقراطية.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024