إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

بوابة جهنّم...

أسامة العرب - البناء

نسخة للطباعة 2017-01-21

إقرأ ايضاً


تكثر في الآونة الأخيرة مفاهيم صهيونية جديدة تدخلها حروب الاستعمار الناعمة على بلادنا، كمفاهيم التغيير الديمغرافي، والذبح أو الطرد الطائفي والمذهبي، أو الهلال الشيعي والمثلث السني، فمنذ بضعة شهور نشرت صحيفة «معاريف» الصهيونية افتتاحية، جاء فيها:« أنّ الشرق الأوسط منقسم ومنشقّ في محور واضح جداً، من جهة يقف الهلال الشيعي الذي يقع من إيران، عبر الأغلبية الشيعية في العراق، ويمر عبر سورية وانتهاء بحزب الله في لبنان. ومن الجهة الأخرى، يقف المثلث السني، عبر السعودية، ودول الخليج، ومصر، والمنظمات المتطرفة بما فيها القاعدة». وتقول الصحيفة: «إنّ إسرائيل تقوم بتعاون سري مع دول الخليج في صراعها مع إيران بهدف إضعاف الدولة السورية كي تنهار، ولكي يتحطم التواصل الجغرافي الشيعي ويضعف حزب الله جوهرياً. وبالطبع هناك ميزة مهمة توجد للحلف السني «الإسرائيلي»، اسمها الولايات المتحدة الأميركية»، ومن ثم قال المحلل «الإسرائيلي» ألون بن دافيد في الصحيفة ذاتها: «إنّ ما يخيفنا علاوة على ذلك، المذابح التي ستقوم بها الميليشيات المدعومة من إيران في الموصل، وإمكانية امتداد الهلال الشيعي من إيران عبر العراق وسورية وحتى لبنان، وصولاً إلى شواطئ المتوسط». وبعد حوالى شهر واحد ناقشت صحيفة «إسرائيل اليوم»، ما أسمته «اليوم الذي سيلي القضاء على تنظيم الدولة في الموصل»، واصفة إياه بـ«المخيف»، و«بوابة جنهم»، كما قال المحلل «الإسرائيلي» يعقوب عميد رور في مقال له في الصحيفة: «هنالك تحدّ كبير لنا إذا ما سيطرت إيران على المدينة، ففي هذه الحالة سيتمّ استكمال الهلال الشيعي، كممرّ إيراني يقطع العالم العربي من طهران إلى بغداد ومن هناك إلى دمشق وبيروت». وما هي إلا أسابيع قليلة جداً حتى نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أيضاً افتتاحية جاء فيها: «إنّ إيران والنظام السوري ينفذان مشروعاً مشتركاً لتفريغ مناطق سورية من مواطنيها السنة واستبدالهم بمجتمعات شيعية لتأكيد نفوذها في المنطقة واستكمال الهلال الشيعي الذي يبدأ في طهران ويصل إلى حدود إسرائيل«، كما تلت الافتتاحية السابقة افتتاحية صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية التي قالت «بأنّ كلاً من حلب والموصل هما جزء لا يتجزأ من منطقة الهلال الشيعي، خاصّة أنّ هذه المنطقة من شأنها أن تعزز سهولة التواصل بين كلّ من إيران وحلفائها، كالنظام السوريّ والحكومة العراقيّة. لا سيما أنّ طهران عملت على خلق هذه المنطقة التي تمتدّ من العراق وصولاً إلى بيروت، خلال المعركة التي دارت بين كلّ من حزب الله وإسرائيل«.

وفي كثير من الأحيان يتفوّق الإعلام الصهيوني على بقية وسائل الإعلام، طبعاً الجهلة والسذّج وحدهم الذين صدّقوا كذبة «الهلال الشيعي والمثلث السني» ونسوا حقيقة «محور المقاومة ومحور الاستسلام». مع أنّ «محور المقاومة» يضمّ إلى الشيعة والعلويين والدروز العديد من سنة العراق وسورية ولبنان وفلسطين.

ولكن عندما قام أحدهم في عام 2004 بصياغة مصطلح الهلال الشيعي كان المُراد من ذلك، تحريض الولايات المتحدة لشنّ حرب على إيران وسورية وحزب الله، وتشويه صورة إيران لدى المجتمعات العربية والإسلامية التي باتت تتساءل عن سبب تراجع قضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى عن أجندات الدول العربية وحضورها بقوة لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لا سيما بعد أن حرّرت المقاومة الجنوب اللبناني، وبرهنت كيف أنّ «إسرائيل» حقيقةً هي أوهن من بيت العنكبوت؟ ناهيك عن تململ كافة فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية، من جراء غياب الدعم العربي المادي والمعنوي وحتى الإعلامي لهم، إبان مواجهتهم لغطرسة الاحتلال الصهيوني.

والأكاذيب التي تمّ سوقها عام 2004 جرى تطويرها اليوم بحيث بات البعض يتحدّث عن حزام شيعي لا عن هلال، وذلك بسبب الإسراف في تمويل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء لشيطنة إيران وحزب الله وتصويرهما بأنهما خطر استراتيجي وايديولوجي على السنة، وتصوير العدو «الإسرائيلي» بمقام «الصديق والجار الوديع» الذي لا يشكل عليهم أيّ خطر. أيّ أنّ الذبح والتطهير «الإسرائيلي» للفلسطينيين من الضفة والقدس وغزّة، وأسرلة وتهويد واستيطان الـ 21 المتبقية من أرض فلسطين، وإيقاع عقوبة المؤبد والعشرين سنة أشغال شاقة بأطفال لا تتجاوز أعمارهم الـ 14 سنة أمر مسموح به لـ«الإسرائيلي» لأنه «صديق»! أما مساعدة المستضعفين لتحرير الجنوب والجولان وغزة والقدس وغيرها، فهذه جريمة كبرى لأنّ الإيراني عدو! ناهيك عن محاولات الصهاينة لهدم المسجد الأقصى وتدنيسه، ومنع رفع الأذان فيه وبكافة مساجد القدس. لا بل حتى تحوّل دولة الاحتلال لدولة الشريعة اليهودية لم يسترع اهتمام هؤلاء، ولا حتى إقامة الطقوس التلمودية في المستوطنات والأماكن المقدسة في مدينتي الخليل والقدس. أما قيام إيران بلمّ شمل المسلمين الشيعة والسنة في إطار الوحدة الإسلامية ودعم التعايش الاسلامي المسيحي، فهذا أمر خطير جداً لا بدّ من وضع حدّ له لكونه يزعزع الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط!

ومشكور الرئيس الإيراني الذي سارع إلى نفي أكذوبة «الهلال الشيعي والمثلث السني»، مؤكداً على زيف مفاهيمهما، ومشدّداً على أنّ أخوّة السنة والشيعة واتّباع نهج القرآن وسيرة النبي الأكرم هما النهج الوحيد للدولة الإيرانية، ومعرباً عن جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق العلماء والمفكرين لتنوير المجتمعات إزاء الأفكار المتطرفة التي تمارس العنف والإرهاب باسم الإسلام. ومشكور السيد حسن نصرالله الذي يؤكد مراراً وتكراراً بأنّ كافة الأحاديث عن وجود مشروع أو هلال شيعي في المنطقة هي محض أكاذيب، ولا بدّ من مواجهتها وكشف ملابساتها.

أما لناحية التغيير بالتركيب الديمغرافي، فإن كانت هنالك من محاولات للتغيير الديمغرافي، فهي بالطبع ليست لا في العراق ولا في سورية، باعتبار أنّ إنقاذ المواطنين العراقيين والسوريين من الذبح والسبي والحرق الجاري على أيادي المنظمات التكفيرية الانتحارية هو بطبيعة الحال تغيير، ولكنه من الاستعباد نحو الحرية. أما التغيير الذي كان من الأجدر أن يتمّ تسليط الضوء عليه، فهو التغيير الديمغرافي الجاري في القدس ومحاولات أسرلتها عبر نقل السفارة الأميركية إليها تمهيداً لإعلانها «عاصمة أبدية لإسرائيل»، ناهيك عن التغيير الديمغرافي الحاصل في أم حيران والناصرة، وأم الفحم، وسخنين، ومدينة عرابة وغيرها.

وأخيراً، ربما تُحارَب إيران والمقاومة اللبنانية وقنواتها الفضائية، لأنها تحوّلت إلى سند الفلسطينيين الوحيد، فلا عجب أن نسمع عن ممثل حركة حماس خالد القدومي، أنّ إيران تعتبر الدولة الوحيدة الداعمة لنا في المنطقة، مؤكداً أسفه للتحركات العربية العاجلة لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. ولا عجب أن نسمع عن مسؤولين فلسطينيين بأنّ إيران هي الصديق الوحيد للفلسطينيين، ولا عجب أن نرى بأنّ أكثرية برامج «المنار» و«الميادين» لا تدور سوى عن فلسطين وعن مقاومة الاحتلال «الإسرائيلي»، ولا عجب في المقابل ألا نسمع في وسائل إعلام عربية سوى عن سنة وشيعة لا عن مسلمين ولا حتى عن عرب، ولا عجب أن نرى المسؤولين «الإسرائيليين» يطلون عبر شاشات تلفزتهم ليروّجوا الأكاذيب عن تغيير ديمغرافي وذبح وتشريد! ولا عجب أن يتعمّدوا ربط اسم التنظيمات الإرهابية بالديانة الإسلامية! ولا عجب أن يتحوّل عدوهم إلى شقيق وشقيقهم إلى عدو… فعجبٌ عجب!

محام، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024