إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

يا مطران الحق

راجي سعد

نسخة للطباعة 2017-01-28

إقرأ ايضاً


أثناء الحرب العالمية الثانية كانت سلطات الانتداب الفرنسية في حلب تبحث عن عُمَر وعُمَر من دون ان يَدْروا اذا كانا "اثنان فعلاً أم شخص واحد ينتحل المثنّى". حسب رواية الاستاذ شوفي خيرالله في كتابه "قصة الحزب"، "لقد عاث هذا "المثنّى" فساداً في حلب ومنطقتها لأنه يبّشر بالعقيدة القومية السورية" التي قاومت ضمّ الاسكندرون الى تركيا، وهي تقاوم الإنتداب، "وثمة سيّئات اُخر لدى هؤلاء المخرّبين القوميّين فهم يقاومون الهجرة اليهوديّة الى فلسطين لأن "فلسطينهم" جزء لا يتجزأ من "سوريّاهم"، وثمة الف شربوكة أخرى وكأن عندهم لاهوتاً وعلم كلام!!"

في إحدى الليالي، وبينما كان العُمَران في مهمّة ليلية لنشر "شربكاتهم"، والاّ دخل عليهما راهب من الدير ومدرسة اللاهوت، وباللباس الكنسي التقليدي ، فشلح عنه اول ثوب وشلح الثاني وكان يرتديهما فوق ثوبه الاصيل وأمرهما بكل سلطان ورهبة: "فليرتدِ كلّ منكما ثوبه! وسيرا خلفي ولا تتفوها بكلمة!! أنتما راهبان معي. ورائي!!. وبعد ان باتا الليلة في احد اقبية الاسواق الحلبية الدهرية، دخل عليهما في اليوم التالي وبغير سلام لأحد أمرهما باتّباعه بصمت. في البساتين كان راهب آخر بانتظارهما ليبتعد بهما عن حلب لكن قبل ان يسلمه الامانة ويغيب ويستدير، سأله احد العُمَرين

"طيّب! ما اسمك؟"

بلا حكي يا رفيق! بل أنتما أيضاً إنسيا من انتما!! مفهوم؟؟ فبركا اسمين جديدين وتخاطبا بهما حتى تعتاد الأذن!! واختفى."

هكذا تعرّف العمران، الشاعر عمر ابو ريشة والمحامي عمر ابو زلام ابن احد وجهاء مشايخ حلب، على الراهب كبّوجي بغير اسم ولا رسم.

هذا هو هيلاريون كبوجي الذي اتبع خطى السيد المسيح في الدفاع عن الحق ورفض الظلم فرفض ان تفرق الحزبيات الدينية والطائفية بين اهل الحق. كذلك رفض، كما رفض من قبله انطون سعاده، الحواجز والفواصل التي وضعها سايكس وبيكو بين اهل المصير الواحد فآمن ان االمسالة الفلسطينية هي مسالة شامية في الصميم ولبنانية وعراقية في الصميم وقاده هذا الايمان من حلب الى القدس في العام 1965 ليصبح مطرانها. من القدس قاوم اغتصاب فلسطين، كل فلسطين، من مستعمر استيطاني جاء من شتات مملكة الخزر وادعى زورا وبهتانا وباسم الدين ان اقدام اجداده وطات هذه الارض المقدسة. لقد اقرن المطران صحة معتقده بالبطولة ووقفات العز فكان منبرا لمقاومة المحتل وامد المقاومين الفلسطينيين باحتياجاتهم غير آبه بالمخاطر، ومؤكدا بذلك على دور رجال الدين الذي يجمع اهل الحق ويلم شملهم في صراعهم ضد عنصرية الشر الصهيونية. ان سجن سلطات الاحتلال له في العام 1974 لم يكسر من عزيمته فظل ثابتا على ايمانه بحق الشعب الفلسطيني بالحياة واكمل المسيرة بعد نفيه الى الفاتيكان بعد اربع سنوات واصبح قدوة للمقاومين في وطنه والعالم.

رغم حبه لمسقط راسه حلب فالمطران كبوجي اوصى ان يدفن في القدس. لم يتوقف رفض سلطات الاحتلال لهذا الطلب عند هذه الحد، بل ارادوا محي ذكراه كليا بدعوة اثنين ممن يطلقون على أنفسهم اسم "معارضة سورية" الى ندوة للجامعة العبرية في القدس. لقد كان رد القدس صريحا ومدويا فاذا بالطلاب الفلسطينيين يقولون لهؤلاء بان "سوريا بدها حرية مش عملاء" "اللي بيدعم الحرية بسوريا بيدعمها بفلسطين". لقد قالها الطلاب المقدسيون الأوفياء صراحة ان اصوات النشاز والعمالة لن تكون بديلا لصوت المطران الحر المقاوم.

يا ايها المطران المقاوم، يا مطران الحق، يا من تشربت صحة العقيدة خلال شبابك في قلعة الفكر حلب، ومارست بطولتك ورجولتك في زهرة المدائن القدس، وركد جسدك ليحيا حقا وعزا في مدينة الفينيق بيروت، نقول لكل الذين يحاولون تهميشك واسكاتك، بان هتافك سيظل يدوي في ضمائرنا لتحيا الشام ليحيا لبنان لتحيا فلسطين

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024