شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-02-02
 

ما بَعد حلب غير ما قبلها...

ناديا شحادة - البناء

كثير من الوقائع والمعطيات تغيّر على خلفيّة ما يشهده العالم من تطوّرات ومستجدّات سياسية وعسكرية. وبين هذه المتغيّرات، لا يمكننا تجاهل المتغيّرات الأهم التي طرأت على الحرب في سورية بتغيير المعادلة العسكرية بشكل متسارع لصالح الجيش السوري وحلفائه، وانتقال الجيش من حالة الدفاع والصمود إلى حالة الهجوم في سلسلة انتصارات تكتيكيّة حرّر من خلالها العشرات من البلدات والقرى في أغلبية المحافظات السورية، ناهيك عن معركة الحسم في حلب، التي شكّلت تطوّراً نوعيّاً في مسار الحرب، ما أدّى إلى تغييرٍ فارق في المعادلات العسكرية والسياسية للصراع السوري وموازين القوى السائدة حالياً.

بهذا التطوّر النوعيّ والتفوّق الميداني للجيش السوري مع الحلفاء واستعادة المبادرة العسكرية من خلال الإطباق وإحكام الطوق على التنظيمات الإرهابيّة، تكون الحكومة السورية قد قلبت موازين الصراع وأصبح المموّلون للعصابات التفكيرية يدركون أنّه لم يعد أمام تلك الجماعات المدعومة من دول الخليج وتركيا وبعض أجهزة المخابرات الأميركية إلّا الاستسلام أو الانسحاب إلى إدلب، من خلال المعابر المفتوحة أو مواجهة المصير المحتم. أمام هذا، باتت حسابات الكثيرين تتحرّك وفق الوقائع الناجمة عن المتغيّرات العسكريّة السورية والوقائع على الساحة الدولية والعالمية، فموازين القوى على الأرض هي التي تقرّر نتائج أيّة مفاوضات، وهي التي تقرّر جدول الأعمال. وبناءً على هذه التطوّرات، بدت أفكار وتصريحات المبعوث الدولي إلى سورية، دي ميستورا، الذي حاول جاهداً في السابق إنقاذ التنظيمات الإرهابية من خلال المقترح الذي حمله معه في زيارته الأخيرة إلى دمشق، الذي عبّر فيه أنّه مستعدّ شخصيّاً للعمل على تأمين انسحاب «جبهة النصرة» ومرافقتهم إلى خارج حلب، وسعى لحشد التأييد الدوليّ والإقليميّ لمقترحاته في إقامة مناطق صراع مجمّدة في مناطق مختلفة بسورية، وفي مقدّمتها مدينة حلب، والتوصّل إلى هدنات أو مصالحات مؤقّتة تُتيح ممارسة إدارة ذاتيّة في هذه المناطق. كذلك، طلب دي ميستورا من مجلس الأمن الضغط من أجل وقف العنف ووقف القتال لمدة 48 ساعة أسبوعيّاً، ورفض أيّ تدخّل في تشكيل وفد المعارضة التفاوضي إلى جنيف.

أفكار وتصريحات دي ميستورا، التي أغرق من خلالها مهمّته الأمميّة، مسيّسة حسب المستجدّات التي تطرأ على الوضع في سورية والوضع الدولي والإقليمي. وباتَ ذلك واضحاً من خلال تصريحه الأخير، حيث ظهر بموقف مغاير لمواقفه السابقة حين أعلن بالأمس تأجيل المفاوضات المفترضة في جنيف من الثامن من شهر شباط إلى العشرين من الشهر ذاته، مضيفاً أنّه منح المعارضة السوريّة حتى الثامن من شباط لتشكيل وفد موحّد. وفي حال لم تتمكّن من القيام بذلك، فإنّه سيعمل بنفسه على تشكيل الوفد الموحّد. يؤكّد المراقبون بعد مقارنة كلام دي ميستورا بالأمس، أمام مجلس الأمن، بتصريحاته السابقة من الحرب في سورية عن حصر التمثيل التفاوضي بمؤتمر الرياض وعن هيئة الحكم الانتقالية، بأنّ التغيّرات بالوقائع والتغيّر الدولي والإقليمي فرضت على المبعوث الأممي التغيّر في تصريحاته الأخيرة، التي أتت في ضوء مسافة لا يمكن لأحد تجاهلها من التطوّرات على المسارَين السياسي والعسكري في سورية، سواء من حيث نجاح خيار المصالحات واتّساع رقعتها الجغرافية والسياسية، أو الانتصارات التي يحقّقها الجيش السوري في محاربة الإرهاب بدعم سياسي وعسكري تقدّمه روسيا وإيران وعناصر المقاومة اللبنانية.

واستنتاجاً، يصبح التساؤل مشروعاً بشأن أفكار وتصريحات دي ميستورا المحدّثة وفق نهج داعمي الجماعات الإرهابية بسورية، الذين يبحثون عن فرص نجاح ضائعة وفقاً لرغباتهم، ليبقى السؤال واقعياً وقائماً بشأن ما إذا كانت أفكار وتصريحات دي ميستورا، كمبعوث دولي يُفترض به النزاهة والحيادية، مجرّد أوهام يحرص على التمسّك بها قبل رحيله، أم يمكن اعتبار ما حصل من تغييرات في مسار تعامل دي ميستورا اختلفت باختلاف تطوّرات الحرب، وأصبح أقلّ شدّة بعد أن رهن نفسه بمسار الأزمة واتّخذ من المعارضة حليفاً لا محايداً…


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه