إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

غارات واشنطن حسب الطلب

سعد الله الخليل - البناء

نسخة للطباعة 2017-02-11

إقرأ ايضاً


ما أَن أعلنت وزارة الدفاع الروسية بأنّ غارات سلاح الجو الروسي في موسكو لم تطل مدينة إدلب منذ مطلع العام الحالي، حتى سارع البنتاغون إلى تبنّي الغارات التي طالت ريف إدلب، ولتعلن وزارة الدفاع الأميركية مقتل أحد عشر مسلّحاً من تنظيم القاعدة في ضربتين جويّتين أميركيّتين قرب إدلب في الثالث والرابع من الشهر الحالي، أسفرت الأولى عن مقتل عشرة عناصر، وفي الثانية قُتل القيادي أبو هاني المصري والذي تربطه صلات بكبار قادة التنظيم.

الإعلان الأميركي عن الغارة بعد ما يقارب الأسبوع من حدوثها وبعد الإعلان الروسي، يحمل في طيّاته ما يؤكّد الرغبة الدائمة بإبقاء عمليّاتها العسكرية في إطار العمل السرّي غير المُعلن، في حين تتكفّل القوى الحليفة لها على الأرض بمهمّة إطلاق حملات اتّهام جاهزة بحقّ موسكو ودمشق بادّعاء قتل المدنيّين، وهو ما يتردّد صداه في وسائل الإعلام ومراكز الدراسات المعدّة لاستقبال هكذا أخبار والترويج لها، على أن يضيف كلّ منها بصمته ليُظهر للرأي العام فاعليّته على الأرض السورية وتواجده في موقع الحدث، ولو كان مقرّه في واشنطن أو باريس أو لندن.

بالنظر للمقاربة التي تناولها عدد من المراكز المعنيّة بالشأن السوري لخبر الغارات، تتّضح آليّة التفكير الأميركيّة في الحرب السورية. فحين يعلن رامي عبد الرحمن، مدير ما يُسمّى المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأنّ الغارات المجهولة على مقارّ فتح الشام قتلت 30 شخصاً على الأقل، بينهم عشرة مدنيّين ومقاتلين في غارة مجهولة المصدر، فإنّ الحملة موجّهة للتركيز على المدنيّين العشرة الذين قُتلوا من أصل ثلاثين، من دون أن يُشير للمقاتلين العشرين المتبقّين، ومن دون أن يقدّم تفسيراً لتواجد المدنيّين في مقارّ فتح الشام ، وهو الأسلوب الحاضر دائماً لتأجيج المشاعر الإنسانيّة واللعب على العواطف. وبَعد أن أعلنت واشنطن أنّها من نفّذ الغارة، فهل سيبقى المرصد عند معلوماته حول المدنيّين العشرة؟ وكيف سيسخّر مصادر معلوماته للكشف عن هويّة باقي الذين قتلتهم الغارة الأميركيّة؟ وهل سيبقى مُصرّاً على السّعي لكشف ملابسات الغارة؟ أم سيتجاهل القضية؟

أربكت واشنطن أتباعها بالكشف عن الغارة، فحجم الميديا وسَيل التصريحات الهائل الذي سُخّر لاتّهام موسكو ودمشق لا يسمحان بالتراجع بسهولة لمجرّد الإعلان الأميركي عن المسؤولية، وهو ما دفع تلك الأطراف لإتّباع سياسة المضيّ في الحكاية والإصرار على نسب الغارة لمصدر مجهول، أو اختلاق غارات جديدة تستهدف المدنيّين للمضيّ في الرواية ذاتها.

بعيداً من مشاعر حلفاء واشنطن، فإنّ الإعلان يأتي عشيّة لقاء اللجان الفنية في العاصمة الكازاخستانية أستانة في إطار الحوار الأميركي الروسي ضمن مذكّرة التفاهم لسلامة حركة الطائرات في سورية، ولتأكيد التزام الطرفين بالتدابير اللازمة لتلافي أيّة حوادث في المجال الجوّي السوري، وهو ما يكشف جانباً ممّا دار في كواليس المباحثات. فمن غير المعقول أن تغيب تلك الغارات عن نقاش اللجان المختصة، وبالتالي يوضع الاعتراف الأميركي في سياق مخرجات الاجتماع من جهة، وبما يقطع الطريق على أيّة محاولات قادمة لتغطية الغارات الأميركيّة على الأراضي السوريّة وتوزيع الاتهامات على من يحارب الإرهاب في سورية.

بعد ست سنوات من الحرب على سورية، لم تعدْ تجدي الأساليب المتّبعة لتبرئة الأميركي ومن يدور في فلكه من التورّط بدماء السوريين، تماماً كما باتَ الحديث المشروخ عن تفرّد الجيش السوري وحلفائه بحصار واستهداف المدنيّين، في حين تشكّل المجموعات المسلّحة خط الدفاع الأوّل عن كرامة المدنيّين بمواجهة السلطات السورية مادة لتندّر السوريين في جلساتهم الخاصة ووسائل الإعلام بعد أن خبر السوريّون ممارسات مدّعي الحرية، والذين تحوّلوا من ثوار إلى ورقة محروقة يصنّفون في خانة عملاء واشنطن المصنّفين من الدرجة العاشرة.

لم تُمنح الغارات الأميركيّة على الأراضي السورية مشروعيّة في الحرب على الإرهاب، نظراً لسجلّ واشنطن الأسود في دعم وتمويل الإرهاب القاتل للبشرية وللحضارة حول العالم، ما يجعل الحراك الأميركي استعراضاً لا يتعدّى كونه زوبعة في فنجان لا تحصد إلّا صفير الريح.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024