شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-06-09
 

الصراع الخليجي و»الشرق الأوسط الترامبي»

يوسف الصايغ - البناء

بات واضحاً أن تصدّع العلاقات الخليجية – الخليجية عبر الأزمة التي أحدثتها السعودية ومعها الإمارات ومصر وباقي الدول التي تدور في فلكها مع إمارة قطر، هي أحد انعكاسات زيارة الرئيس الأميركي المقامر دونالد ترامب الى السعودية، والتي يبدو أنها تحمل في طياتها أجندة بالغة الخطورة، خصوصاً إذا ما أضفنا الى الأزمة الخليجية المتصاعدة، الهجمات الإرهابية التي شهدها البرلمان الإيراني ومرقد الإمام الخميني بما يحمل من رمزية لإيران وثورتها ورغم احتواء الهجوم بغضون ساعات قليلة إلا أنّ دلالات هذا العمل الإرهابي، تكمن في أنه يأتي ترجمة لكلام ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي أعلن بعد «الزيارة الترامبية» الى مضارب آل سعود، أنّ المعركة ستنتقل الى قلب إيران، ولعلّ الكلام الإيراني عن ضلوع السعودية وتورّطها بهجمات طهران، يؤكد أنّ الصراع انتقل الى مرحلة تتسم بدرجة عالية من الخطورة.

مما لا شك فيه أنّ هناك من يراهن بعد هجمات طهران وما سبقها من اتهامات سعودية لقطر بالتنسيق مع إيران في دعم الإرهاب، أنّ إيران ستنزلق الى المواجهة مع السعودية. وهذا تعبير عن رغبة واشنطن بالتصعيد مع إيران، فترامب أعلن صراحة عن رغبته في إلغاء الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع دول 5+1. ولهذه الغاية يريد الرئيس الأميركي أن يجد الذريعة المناسبة لذلك، لكن من يدرك السياسة الواقعية التي تنتهجها الجمهورية الإسلامية والتي ترجمت بإعادة انتخاب الرئيس حسن روحاني لولاية رئاسية ثانية، يمكنه أن يستنتج ومن دون عناء كبير أن إيران بقيادتها الحكيمة، هي أذكى من أن تنجرّ الى أيّ مواجهة مع أميركا أو أدواتها بالمنطقة، على الرغم من الإشاعات التي يروّجها الإعلام السعودي بأنّ الحرس الثوري بات متواجداً في الدوحة لحماية قصر تميم. وبالتالي فإنّ إيران التي تلقفت الهجمات الإرهابية، تدرك جيداً كيف ومتى تردّ على محاولة زعزعة أمنها واستقرارها، لكن وفق توقيت طهران، والذي يختلف عن التوقيت الأميركي بالشكل والمضمون، فإيران التي صمدت منذ انتصار ثورتها بوجه العقوبات والحصار وتمكنت من انتزاع اعتراف دولي بحقها في الحصول على الطاقة النووية السلمية، لن تنزلق الى مغامرة على قياس ترامب وسياسته الرعناء، لأنها تتقن الحبكة السياسية بمقدار براعتها في إنتاج السجاد العجمي.

كما أنّ الحديث عن احتمال قيام السعودية بمغامرة عسكرية واحتلال قطر بضوء أخضر أميركي، على غرار ما قام به صدام حسين من احتلال للكويت، والذي تمّ آنذاك بضوء أخضر أميركي أيضاً، فهو ليس بهذه السهولة. كما أنّ ترامب الذي دعم السعودية من خلال تغريداته المدفوعة الثمن سلفاً، عبر صفقات الأسلحة التي قدّرت بمئات المليارات، لا يريد للأزمة الحالية أن تتعدّى السقف المرسوم لها أيّ تغيير السياسة القطرية، من خلال التوصل الى تسوية تحفظ لواشنطن دور الحاكم الفعلي بأمر دول الخليج، كما أنّ هناك من يسأل هل بمقدور السعودية التي عجزت عن تحقيق أيّ نصر ولو شكلي في اليمن، بعد مرور أكثر من عامين على «عاصفة الحزم» المزعومة، والتي لم تتمكن من إنهاء الأزمة القائمة في منطقتها الشرقية بالإضافة الى فشلها في طمأنة مشايخ آل خليفة في البحرين، أن تقوم بحرب جديدة بمواجهة قطر؟

ومما لا شك فيه أنّ الذريعة التي تتبنّاها السعودية أيّ «محاربة الإرهاب» لتبرير سياستها العدائية ضدّ قطر، لا تنطلي إلا على بعض أمراء وحكام الإمارات السعودية، وعلى مَن يريد أن يدفع السعودية الى هاوية تصعيد مواقفها، فبصمات آل سعود واضحة بدعم الإرهاب الداعشي في سورية والعراق، كذلك لا بدّ من الإشارة الى الدور التركي إلى جانب قطر، وهو ما يشكل رسالة الى السعودية ومن معها بأنّ دول «الإسلام السياسي الإخوانية»، لن تترك قطر وحيدة في معركتها، وسوف تعمل على فك عزلتها، وبالتالي ستكون المواجهة مع قطر بمثابة مواجهة بين محورين. وهذا ما يستوجب من الرياض أن تقوم بمراجعة حساباتها قبل الإقدام على أي مغامرة من هذا النوع.

بناء على ما سبق يبدو جلياً أنّ المنطقة دخلت بعد زيارة ترامب في مرحلة صراع تتسم بالسخونة، وربما تكون ترجمة حقيقية لما يُحكى عن بدء ولادة «الشرق الأوسط الترامبي»، والذي بالطبع لن يبصر النور، لأنّ من أسقط مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، الذي جاءت كونداليزا رايس في تموز 2006 لتبشرنا به، لن يُعجزه إسقاط شرق أوسط ترامب، خصوصاً بعد الإنجازات الميدانية التي تمّ تحقيقها على الجبهتين السورية والعراقية، وفائض القوة الذي راكمته المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة، والتي لن تسمح بإقامة شرق أوسط تكون «إسرائيل» هي الحاكمة الفعلية فيه.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه