شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-06-14
 

حول الاستفتاء في إقليم كردستان

زياد حافظ - البناء

الأنباء حول إقامة استفتاء في إقليم كردستان تستدعي ملاحظات عدّة حول مبدأ الاستفتاء وحول الملابسات السياسية العائدة له. فمن حيث المبدأ نعتبر أنّ حق تقرير المصير حق مشروع، ولكن ينطبق على مجموعات تقبع تحت احتلال أجنبي. هذا لا ينطبق في رأينا على الواقع العراقي، حيث الدولة المركزية ليست دولة محتلة. فالمكوّنات المختلفة للمجتمع العراقي أقرّت منذ عام 1970 حقوق الأكراد والاعتراف بلغتهم كلغة رسمية. كما أنّ اتفاقية آذار 1970 أقرّت بالحكم الذاتي ضمن الدولة العراقية الواحدة والموحدة حيث يشارك الأكراد في الحكم في الإقليم وعلى صعيد الوطن العراقي. لكن الخلافات التي نشبت بين الحكومة المركزية وبعض القيادات في الإقليم أدّت إلى إجهاض الاتفاقية. وما زلنا نعيش تداعيات ذلك الإخفاق الذي فرّق بين أبناء الشعب العراقي.

نحن كعروبيين أبناء التيّار القومي العربي نقرّ بحقوق الأكراد. فنعتبر المكوّن الكردي جزءاً أساسياً من المكوّن العراقي، كما نعتبره أيضاً جزءاً أساسياً من الموروث السياسي والثقافي المشترك للأمة العربية.

أما من حيث المقاربة السياسية لإعلان الاستفتاء، فهناك ملاحظات عدّة يمكن إبداؤها. الملاحظة الأولى هي توقيت الإعلان وتوقيت إقامة الاستفتاء. فبالنسبة لتوقيت الإعلان فيأتي في سياق تطوّرات خطيرة في المنطقة وفي الخليج العربي وفي الميدان في كلّ من سورية والعراق. فالتطوّرات في الخليج أظهرت التصدّع في جبهة العدوان على سورية واليمن بشكل لافت. فهناك خلافات علنية بين حكومة الرياض وحكومة الدوحة، وهناك خلافات بين حكومة أبو ظبي وحكومة الدوحة، وهناك خلافات بين حكومة الرياض وحكومة أبو ظبي في ما يتعلّق بالساحة اليمنية. ففي سياق التضييق على حكومة قطر وما يمكنها أن تقوم به من تحرّكات مع حكومة أنقرة خاصة أنه توجد قاعدة عسكرية تركية في قطر جاء الإعلان عن الاستفتاء كإنذار لحكومة أنقرة من القيام بخطوات تناهض خطوات حكومة الرياض وأبو ظبي.

الملاحظة الثانية هي تحديد موعد الاستفتاء وهو عشية ذكرى الانفصال بين سورية ومصر. وكأنّ الاستفتاء يبشّر بالمزيد من الانقسام والانفصال. لم تستوعب النخب الحاكمة في إقليم كردستان أنّ الانفصال ليس حلاّ. والدليل على ذلك هو جنوب السودان الذي أحرز «استقلاله» ليغرق في صراعات داخلية قبلية. وليس هناك من حلول إلا ربما بالعودة إلى نوع من الوحدة الاتحادية مع حكومة الخرطوم. أما في الإقليم الكردستاني فإنّ الصراعات القبلية والحزبية قد تتفاقم في دولة «مستقلّة» لا تحسمها إلاّ العودة إلى كنف الدولة المركزية.

الملاحظة الثالثة هي أنّ الإعلان يعكس عدم تقدير دقيق لموازين القوة وربما يخضع لـ «نصائح» صهيونية تسيء أيضاً في تقدير الموقف. فالصراعات العربية – العربية لا تعني أنّ اللحظة أصبحت مؤاتية للانفصال. فالتحوّلات في الميدان في كلّ من العراق وسورية تدلّ على أنّ المحور الذي دعم التفتيت والتقسيم والحروب الداخلية في حال تقهقر، وأنّ الضجة الإعلامية حول أحلاف جديدة تعيد التوازن إلى المحور المعادي لمحور المقاومة ليست إلاّ ضجّة. فما يُفقَد في الميدان لا يُسترجَع في الإعلام رغم ارتفاع النبرة والصراخ.

الملاحظة الرابعة هي أنّ الخطوة الأحادية لا تأخذ بعين الاعتبار مواقف عديدة أولها موقف حكومة بغداد، وثم دمشق، وثم طهران، وثم أنقرة، ناهيك عن الموقف السلبي من قبل الاتحاد الأوروبي، وفي مقدّمته موقف المانيا، تجاه الانفصال. فعلى ماذا يعتمد دعاة الاستفتاء؟ أضف إلى ذلك لم تشارك المكوّنات الكردية كلّها في الدعوة إلى الاستفتاء ما يفقد تلك الدعوة «شرعية كردية».

الإقدام على الانفصال لا يحمل ضمانة للنجاح، وإنْ كانت نتائج الاستفتاء، إذا ما أقيم، دلّت على ذلك. فمكوّنات الحياة في سلام ورخاء في بيئة معادية قد لا تسمح بذلك، خاصة أنّ الدولة المرتقبة لا منفذ لها إلى البحر للتواصل مع العالم تجارياً. كما أنّ التقسيم قد يطال دولاً أخرى في المنطقة القريبة والبعيدة تهدّد الاستقرار الإقليمي والعالمي. فعلى الانفصاليين أن يتوقّعوا مقاومة شرسة من قبل دول الجوار القريب والبعيد لدرء عدوى التقسيم الذي لن يأتي إلاّ بالمآسي.

الملاحظة الخامسة هي أننا نعيش في عصر التكتّلات الكبيرة على الصعيد الاقتصادي والسياسي. المزيد من التفتيت والتقسيم لن يؤدّي إلى الرخاء والرفاهية المتوخاة من الانفصال بل العكس. فلماذا السير في عكس اتجاه التاريخ…؟


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه