شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-06-21
 

برّي يعترف لأصحاب الفضل..

روزانا رمّال - البناء

يصارح الرئيس نبيه بري بالأمس، بما هو أهم من مضمون الحركة السياسية بالنسبة إليه وفحوى الخلافات بين القوى الحاكمة التي توجّهت نحو قانون انتخابي في ربع الساعة الأخير، ويخاطب مباشرة مَن كان لهم الفضل في ما وصلت اليه الامور بكل شفافية، في وقت تدأب كل القوى السياسية على الترويج أن إنجاز القانون ما كان ليكون بدونها، قائلاً أمام زواره إن «للمجتمع المدني فضلاً كبيراً في ما وصلنا إليه، لكن المطلوب ان يتوحّدوا وأن يركّزوا على المطالب وليس على المُطالب».

يؤكد مصدر متابع لكلام بري لـ«البناء» ان كلام رئيس مجلس النواب هذا هو أول إقرار من نوعه على مستوى قوى السلطة الكبرى والتي حكمت البلاد لعقود ضمن ايديولوجية الموروثات السائدة بأن الحراك الشعبي قد حقق إنجازاً جدياً اعترف فيه بري كأحد أقوى صقور الساسة في لبنان وأكثر مَن تمّ استهدافه من قبل هذا الحراك، ليتبيّن أنه الوحيد الذي اعترف بما عجز عنه السياسيون، بل أنكروه في مسألة تجيير البطولات في إنجاز القانون بدلاً من العودة للدافع الأساس الذي شكّل لهم حالة من القلق من عودة غليان الشارع مجدداً الذي لم يكن ليسكت هذه المرة عن التمديد او العودة لقانون الستين. ويتابع المصدر «على الرغم من كل الانتقادات التي رافقت القانون الجديد إلا انه ما من شك في أنه استطاع ضبط حركة الشارع وعدم أخذ الامور الى مرحلة لا يمكن تقدير أفقها ليبقى ان اعتبار باقي الإصلاحات ممكنة، ولو جاءت ببطء»، يختم المصدر.

يقدّم رئيس مجلس النواب نفسه أمام الحراك المدني ومجموعات الشعبية كواحد من أولئك الذين توقفوا عند همومه وسمعوه، لا كما تمّ الترويج لمساعي بري بالتخلص من حركة الشارع، خصوصاً امام مقر مجلس النواب وساحة النجمة، وهي الفوضى التي تم استخدامها من البعض للتصويب على بري مراراً وتكراراً بعيداً عن مصالح وغايات الحراك.

وعليه سيكون على الحراك المدني تلقّف كلام بري وقراءة رسالة «الودّ» التي أرسلت من رئيس مجلس النواب الذي أقرّ لهم بنجاح حركتهم وبقدرتهم على الضغط على السياسيين لعدم التقاعس أو اعتبار أن الاستسلام وارد بشأن قانون الانتخاب ليبقى الأهم هو دعوة بري القوى المدنية قبل الانتخابات النيابية المقبلة إلى تحديد المطالب أي التركيز على ما يعود بالفائدة على تغيير نتيجة الانتخابات والعمل من هذه اللحظة حتى الوصول إلى التغيير المنشود، هذا بالإضافة إلى تعبير بري عن رغبته وتيار المستقبل بتمرير»كوتا» نسائية من دون أن ينجحا في ذلك لعدم تقبّل باقي الأفرقاء ذلك عملاً لحسابات خاصة وبهذا الإطار كشف مصدر سياسي لـ«البناء» عن رغبة تيار المستقبل ترشيح نساء ضمن لائحة التيار بعيداً عن الكوتا للانتخابات المقبلة. ويفيد هنا التذكير بأن الرئيس بري سمّى الوزيرة عناية عز الدين بالحكومة عن فريق حركة أمل انسجاماً مع خياراته بهذا الإطار.

الهاوية التي كان يتحدث عنها أمين عام حزب الله التي تتمثل بالفوضى التى كان من المفترض ان تحلّ بالبلاد لو أن الافرقاء لم يتفقوا على إنجاز قانون للانتخابات، وهي تعني رفع منسوب التوتر في لبنان وسط غليان المنطقة، وبالتالي وضعه ضمن لائحة الاهداف الممكن التعويل عليها في حسابات النقاط والنقاط المتقابلة في المنطقة، بعد ان استطاع النجاة من هذه المعادلة وتحييد أمن البلاد عن ذلك، هو الانجاز الذي يتغنى فيه حزب الله ويعزو ذلك إلى العملية الاستباقية بقتاله في سورية.

يدرك أمين عام حزب الله بدوره خطورة عودة الشارع للتحرّك وتدرك الاطراف السياسية التي تعرف تماماً أن الحراك الشعبي الذي كان قد بدأ بمطلب محقّ «النفايات» كان قد تحوّل الى مادة دسمة على طاولات السفارات الخليجية والغربية في بيروت. وهو الأمر الذي كان من الممكن ان يزيد الطين بلة فيما لو كان قد فشل البلد في إنتاج قانون بلحظة اشتباك سعودي قطري يصبح لبنان حينها محكوماً بالاصطفاف، وربما تسعى القوى فيه لتجنيد قدراتها بخدمة الخلاف الخليجي من على الأرض اللبنانية.

يمتلك بري شجاعة الاعتراف والتحفيز. وهذا ما لا يمكن إنكاره. واتفق معه المراقبون او انسجموا ويبقى على القوى المدنية أن تمد اليد من أجل تطوير هذه النظرة بين السلطة الحاكمة وبينها، وهي اليوم أمام فرصة كبيرة لتشكل لوائح والعمل لمدة سنة كاملة على إنتاج خطط وأفكار قادرة على تعويم الفكر الجديد وإحداث نتيجة هامة ليس بالضرورة أن تؤدي إلى الفوز بقدر إثبات أن مطلب التغيير ممكن وهو فقط في صندوق الانتخابات.

يدفع بري المتظاهرين نحو صندوق الانتخاب ويحيّيهم على طريقته، لكنه ومن دون شك فتح أفق المهادنة مع مَن يعتبرهم أبناء المستقبل الذي ينتمي إليه كل مَن يؤمن بإمكانية الإصلاح والتطوير. يخرج بري كما العادة ليضع النقاط على الحروف ويعطي أصحاب القضية حقهم فلولا الحراك المدني والنتيجة اللافتة التي تحققت في الانتخابات البلدية وفي بعض النقابات، لما كان السياسيون قد شحذوا الهمم للتغيير، ولكان لبنان على موعد مع تمديد رابع بعد الثالث، وبأفضل الأحوال قانون الستين والفوضى وما تعنيه من أفق مجهول في البلاد.

بري يعترف لأصحاب القضية الذين يختلفون معه، فهل مَن يجاريه؟


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه