إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مؤشرات عميقة على اقتراب التغيير العربي

د. وفيق إبراهيم - البناء

نسخة للطباعة 2017-07-19

إقرأ ايضاً


عملية المسجد الأقصى في فلسطين المحتلة، ورفض سوريّي هضبة الجولان المحتلّ المشاركة في انتخابات «إسرائيلية» ترمي إلى التأكيد القانوني على إلحاقهم بالكيان الغاصب، إنّما هي مؤشّرات تدلّ على اقتراب موعد الانتفاضة في مدىً عربيّ كبير رفضاً للانهيار الذي جاوز حدود تسليم المنطقة لـ»إسرائيل» على قاعدة إنهاء قضية فلسطين، بالإضافة إلى رفض تعميم نشر القواعد الأميركية والغربية لحماية الأنظمة ومصادرة «العلم» وتعميم الفهم الأسطوري المتخلّف لحركة التاريخ.

ولأنّ لكلّ ردّة فعل فعلاً يستنهضه، يجب الربط بين استبسال الجيشين السوري والعراقي مع تنظيمات رديفة وشعبية في صدّ جيوش الإرهاب والانتقال من الدفاع إلى الهجوم في حركة تاريخية أعادت عشرات الكيلومترات المربّعة والمدن الكبرى إلى سلطة الدولتين… نعم يجب الربط بينها وبين الأقصى والجولان.

فهناك في فلسطين ساد شعور عام بالإحباط لتخلّي العرب عنها، وانحراف بعض الداخل… مصر والأردن والسلطة الفلسطينية لديها علاقات دبلوماسية وشبه حالة تحالف مع «إسرائيل». والخليج والمغرب ينسجون علاقات أمينة وسياسية مع الكيان الغاصب تتدحرج لتصل إلى علاقات دبلوماسية وتحالفية. لقد تنازل العرب وفلسطينيو السلطة عن فلسطين، ولم يأخذوا في المقابل أيّ شيء سوى استهزاء العدو «الإسرائيلي» بهم.

فمن يصدّق أنّ رئيس السلطة استنكر العملية البطولية في المسجد الأقصى في اتصال هاتفي مع صديقه نتنياهو؟

يجب إذن ربط العملية البطولية بالآتي: انهيار فلسطيني وعربي وتطبيع خليجي ومغربي مع «إسرائيل»، مع انكفاء العالم الإسلامي والبلدان الصديقة عن تأييد قضية العرب الأولى، بذريعة أنّ العرب أنفسهم صالحوا الكيان المغتصب. يُضاف أيضاً هذا الصمود السوري العراقي مدعوماً من حزب الله وروسيا وإيران، الذي أعطى فسحة للأمل واستلهام التجربة.

هناك أيضاً حلقة هامّة غير مرئيّة، تكشف أنّ المنفّذين الأبطال الذين اخترقوا مئات الأجهزة الأمنيّة ومراكز الرصد والأقمار الاصطناعية والعناصر «الإسرائيلية» المنتشرة في كلّ مكان، ليسوا هواة يتحرّكون غريزياً للانتقام بقدر ما ينتمون إلى الحالات التاريخية التي تريد استنهاض الانتفاضة العامّة بانتقاء أهداف قدسيّة تعتدي عليها «إسرائيل». أمّا الحلقة الثانية فهي انتماء هؤلاء الأبطال إلى فلسطينيّي الـ48 الذين صمدوا في أراضيهم داخل الكيان الغاصب منذ سبعين عاماً، الأمر الذي يؤشّر إلى أنّ الفلسطينيين بكاملهم في الضفة والقطاع وداخل فلسطين المحتلة لم يتهوّدوا ويواصلون تقمّص قضية وطنهم حتى الاستشهاد. وهذا يثير رعباً «إسرائيلياً» لأنّهم كانوا يعتقدون أنّهم نجحوا في تدجين عرب الـ1948 وبصدد إلغاء القضية الفلسطينية نهائياً بالتعاون مع الخليج.

لجهة اختيار المسجد الأقصى، فأكثر من ضربة معلّم. فهو مَعلم إسلامي أساسي تتلاعب «إسرائيل» بمواقفه الدينية وأساساته، بزعم أنّه ينتصب فوق «هيكل سليمان». لذلك ألهبت هذه العملية الفلسطينيين وأعادت وضع مسؤولية الأقصى في عهدة العالم الإسلامي الصامت تحت وطأة الضغط الخليجي المهادن حالياً لـ»إسرائيل»، واستنكاف جامع الأزهر عن تنظيم حملة عالمية لإنقاذه. والدليل أنّه استنكر العملية من طرف لسانه متجاهلاً إمكانية الإدانة الدولية والإسلامية، وصولاً إلى إمكان دعوته إلى قطع العلاقات مع «إسرائيل»؟ أنسيََ مشايخ الأزهر أنّ «الأقصى» هو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين؟

لقد كبحت هذه العملية نسبياً الاستسلام الفلسطيني الرسمي؟ وعرقلت اندفاعة الخليج نحو «إسرائيل» حتى تاريخه. وتحتاج لتحريك مشاعر المسلمين في العالم إلى إعلام أقوى يوضح الحقيقة للناس، فالأقصى اليوم حوّلته «إسرائيل» إلى زنزانات مراقبة إلكترونية وحائط مبكى لليهود وميداناً لآلاف الجنود من الجنسين يتجوّلون بحذر في جوانبه.

والسؤال هو لماذا تمتنع السلطة الفلسطينية عن إرسال وفود إلى دولة الفاتيكان والمراكز الأرثوذكسية والإفتاء الإسلامي لتعميم ما تفعله «إسرائيل» من تهويد للقدس مدينة المسيحيين والمسلمين، وتدمير المسجد الأقصى ومنع الأذان فيه. وهي جريمة دينية يتجاهلها شيوخ الإسلام؟

فهل تعود فلسطين إلى مركزها على رأس قضايا العرب فتجمع هذا الشتات العربي المتناثر والمعدوم الحيل؟

المؤشرات تدلّ على أنّ المسيرة انطلقت نحو أهدافها، ولن تتوقف على الرغم من المعوقات الفلسطينية الرسمية والعربية الخليجية والمصرية.

لجهة المؤشّر الثاني، فموقعه في شموخ أهالي الجولان الذين رفضوا الهوية «الإسرائيلية» ولم يستبدلوها بهويتهم السوريّة برغم كلّ المغريات والمحثّات، ومنها إمكان إلحاقهم بالكيان الغاصب بشكل فدرالي، أيّ السماح لهم بإدارة أنفسهم مقابل الاعتراف بانتمائهم إلى «إسرائيل».

وها هم اليوم، يرفضون المشاركة بانتخابات «إسرائيلية» في الجولان كجزء من انتخابات عامّة تجري حالياً في الكيان الغاصب.. أليسوا أبطالاً صناديد أهل هذا الجولان الذين يتمسّكون بسوريّتهم في ظروف مستحيلة، مقابل نفر من السوريين هرب إلى تركيا ليرفع أعلامَها ويقاتل من أجل عثمانية تريد أن تحتلّ أراضي سورية؟

ألا يتمسّك أهل الجولان المحتلّ بسوريّتهم أكثر من منظمات التكفير في «النصرة» و«داعش» ومتفرّعاتها، الذين يتعاملون مع «الإسرائيليين» عند حدود سورية مع جولانها المحتل… يتلقّون منها السلاح والغذاء والتدريب والإسناد الجوي «الإسرائيلي» الذي يقصف الجيش السوري، عندما تشعر أنّ أصدقاءها الإرهابيين مهزومون؟

مقابل هذه المؤشرات العاكسة لتشبّث السوريين والعراقيين واللبنانيين بأوطانهم، تتكشّف صور استسلام الأنظمة العربية للنفوذ الأميركي ومعه النفوذ الأوروبي اللصيق به. يبدو المشهد مذلاً ومنكسراً… حكام عرب لا يلوون على شيء.. يفعلون ما يريده المعلّم الأميركي ويناشدونه حمايتهم دافعين له ما يطلبه من أموال وعقود… وكرامات… يبيعونه تاريخاً مشرّفاً يسحقه بنعاله وهم لا يطلبون إلا بقاء أنظمتهم وقسماً من مصادرها المالية. يخترعون أعداء لهم متجاهلين أنّ الغرب يحتلّ المشرق العربي منذ آلاف السنين، ألا يشكّل الفرنسيّون والبريطانيّون وبديلهم الأميركي استمراراً لحروب الفرنجة واليونان والرومان والمماليك والأتراك واليهود؟

ويتّضح أيضاً مدى البؤس العربي من خلال أزمة الخليج التي لا تمتلك مبرّراً قوياً لنشوبها، فكلّ دول الخليج العربي وتركيا موّلت الإرهاب فكراً ومالاً وتدريباً وانتقالاً وبإشراف أميركي، فما الذي استجدّ حتى تسمح واشنطن لإمارات النفط بالتقاتل؟ وتمنعهم من الاتفاق لبضعة أشهر، كما ورد على لسان مسؤول في الأمن القومي الأميركي. المزيد من بيع السلاح وعقد الاتفاقات، وتأسيس إرهاب جديد بلبوس عصريّ؟ أم لتركيب تحالفات جديدة تستند إلى الانتقال من عصر النفط الآفل نجمه إلى زمن الغاز المقبل بريقه.

هناك كما يبدو، صراع قويّ بين مؤشرات صاعدة تدفع إلى الأمل بالانتصار من خلال انتفاضات عربية كبيرة تستلهم تجربتي المقاومة في العراق وسورية ولبنان، وبين انهيارات تتسارع على مستوى الخلافات بين الأنظمة في الخليج ومصر والجري للاعتراف بـ«إسرائيل» كضامن جديد لاستمرار الأنظمة المتهالكة. أمّا المنتصر فهي هذه الشعوب التي تكافح منذ آلاف الأعوام برؤوس شامخة واعتادت على القتال الصبور ضدّ المستعمرين لحماية دورها في التاريخ ومصالح أهلها. وهذا الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي جعلها مطمعاً دائماً لقوى غربية لا تزال تعتبر أنّ مَن يريد السيطرة على العالم، فعليه أن يبدأ بالاستحواذ على المشرق العربي. ومرّة جديدة، تثبت فلسطين أنّها قوة روحية تاريخية تعيد وصل العرب بالعرب، وتحفيز المسلمين والمسيحيين في آن معاً.

فمتى تبدأ الانتفاضة العظيمة لتلتحق بمآثر الجيشين السوري والعراقي والمنظّمات الحليفة؟

إنّ غداً لناظره قريب.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024