إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

«هبّات» الانتفاضات الموسمية.. لا تحرِّر فلسطين ولا تثبِّت هوية قوميّة

هاني الحلبي - البناء

نسخة للطباعة 2017-07-22

إقرأ ايضاً


«هبّات» أو «انتفاضات»؟ اعتصامات أو تظاهرات غضب؟

سجال استهلك حبراً كثيراً من الإعلاميين والمحللين والباحثين، في تعيين معايير وتوصيفات كل حركة شعبية فلسطينية خلال العقود التي مرّت على اغتصابها.

وفضلاً عن البحث في المعايير والتوصيفات كانت التحركات الفعلية موسمية تفور في فترة لتختفي في فترة تالية، تعنف حيناً وتخبو حيناً آخر، حتى بلغت في التسجيل الرقمي أعداداً كبيرة سيسجلها التاريخ القومي والإنساني والسياسي.

وإن كان ممكناً أن نسجل، تحضر ملاحظتان:

الحيوية الثورية الفلسطينية التي استطاعت أن تدهش العالم وأن تثبت مدرستها المقاومة، بإبداع وسائلها وإطاراتها وطرائقها وخططها، من الحجر، والمقلاع، فالإطارات المشتعلة، إلى السكين، فالعبوة، فالرصاصة، والطائرة الشراعية حتى التصنيع العسكري لصواريخ بلغ مداها 70 كلم يمكنها من غزة أن تطال بنك أهداف وازن في كيان العدو، ولطائرات مسيّرة ما زالت في حداثة تجربة.

فقدان استراتيجية تحرير ثورية. هذه الثغرة عانتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني، في معظم فصائلها، إذ تاهت في أمميتها وإسلاميتها وعروبتها ومحليّتها، ولم تفطن إلى ظهير استراتيجي قومي ثابت قادر أن يقلب المقاييس إذا أُحسن التطبيق المرن مع ثبات الأهداف العليا. حاولت الثورة الاستفادة من دعم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر فاكتسبت به موقعاً مؤثراً عربياً ولبنانياً، بخاصة مع محاولة بلورة خطة الجبهة الشرقية، التي لم تبصر النور، سوى في أوراق عمل واجتماعات عدة، بل بقيت حبيسة الأدراج والخطط الكيانية التي تخاف الضوء. فتحترق به إذا اقتربت منه.

تكرّرت تجربة الدعم الظهير الاستراتيجي مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وتمكنت الثورة من بلوغ مرتبة دولية رفيعة أوائل السبعينيات، بخاصة مع محاكاة السياسة في الجمهورية العربية السورية مقولة جعل الجولان في وسط سورية وليس في جنوبها. ما يعني واجب سورية بتحرير فلسطين، كواجب أهل فلسطين انفسهم، وهذا إدراك قومي لوحدة الهوية السورية التي لم تتمكن خطط الأوروبيين من قتلها في النفوس ولا في الوجدان الشعبي ولا في خطط القيادات الوطنية ذات الاتجاه القومي.

لكن مع بلورت خطة معادية في مراكز الأبحاث الاستراتيجية أواخر سبعينيات القرن الماضي، أعلن عنها مركز الأبحاث الاستراتيجية في لندن العام 1979، إذ علّق في تقريره السنوي بُعيد توقيع ميثاق العمل القومي المشترك بين القيادتين في دمشق وبغداد، أنه ينبغي إسقاط هذه الميثاق قبيل بدء تنفيذه الفعلي العام 1980، لما لهذا الميثاق من تكوين ظهير استراتيجي شديد التأثير على حجوم القوى العسكرية السياسية الاقتصادية البشرية العلمية الصناعية لشعب فتيّ في الدولتين المجاورتين لفلسطين، فيمكّنهما من بناء دولة حديثة ومصنّعة ومبدعة، تستعيد الشتات والتشظية إلى دورة حياة واحدة ومقتدرة خلال سنوات قليلة من توحيد الخطط والرؤى والبرامج والسياسات. بينما لم يهتم أي مركز أبحاث بدرس أية محاولة وحدوية عربية أخرى قديمة أو حديثة، لا بين مصر وسورية ولا بين سورية وليبيا، ولا بين مصر وسورية والعراق، لأنّها كانت تحمل سقوطها في بداياتها وفاقدة القدرة العملية على الحياة والبقاء، لأسباب عدّة لا مجال لتفصيلها الآن.

هكذا لم تتمكن قيادات الثورة الفلسطينية من نسج استراتيجية ثورية متماسكة، ترتقي بالفعل الثوري وتتصاعد به، وتؤمّن موارد القوة والدعم وتبلور هوية ثورية واحدة، وتجمع الكلمة الفلسطينية على خطة موجزة عامة ودقيقة تشكل خطة نظامية دقيقة مبرمجة زمنية ومدروسة القدرات والآليات والتطوير، بالتنسيق مع معطيات القوى المركزية القومية في محيطها القومي. الانقسامات. التشتت. تباين الرؤى حتى التناقض. الانقلاب على خطط ومواقف وسياسات بين فترة وأخرى… كلّها معاً شوّهت كثيراً بهاء الثورة الفلسطينية وفرادتها وكادت ان تبعد عنها حاضنتها الشعبية، وصولاً إلى بعض الانزلاقات في مواقف عسكرية وسياسية لبعض الفصائل تحاكي مواقف دول راعية للإرهاب الذي يشن حربه الأخيرة البائسة ضد سورية والعراق. خطايا وأخطاء كانت تبعدهم عن القدس وتبعد القدس عنهم..

الهبّات، الانتفاضات، التظاهرات، الاعتصامات، الثورات، كلها متى كانت موسمية وانخفضت مطالبها لتصبح هزيلة من شاكلة: أن يُسمح للمصلّين الدخولُ إلى المسجد من دون تفتيش، وكأن العيب كله في وجود تفتيش على باب مسجد أو وجود باب إلكتروني في مدخله، وكأن ليست المشكلة في الإرادة التي تحتلّ المسجد وتحفر تحته وتقوّض أركانه حتى تلوّح بهدمه قريباً، لتبني هيكلها المزعوم.

المشكلة في فقدان السيادة القومية في فلسطين بإرادة قومية.

المشكلة في ادعاء هذه السيادة لدولة عربية والتحدّث باسم فلسطين وباسم بعض القوى الفلسطينية لقاء شحنات وقود او قروض إعمار أو برامج طبابة، لتقول حكومة العدو أنها نسقت مع هذه الدولة العربية او تلك كوصية على الفلسطينيين!

حق التعبير عن فلسطين ليس إلا للشعب الفلسطيني وحركته المقاومة في الميدان.

الشعب حَكَمٌ نبيلٌ. وبخاصة شعبنا في فلسطين. العصيّ على التطويع والإذلال. حاكَمَ الثورة. عاقَبَ السلطة على انحرافاتها التي انزلقت لتتحدّى بوقاحة لا تليق بمن يرفع علم فلسطين في مكاتبه وفوق مبانيه. بما فيها التورط المذلّ لاستنكار بطولات جبارة كعمليتي القدس الأخيرتين قرب حائط المبكى وعملية شهداء آل جبارين الثلاثة..

لا يغفر الشعب ولا يسامح. لكن هذا الانقلاب عليه وعلى دمه لا يمرّ لا مرور الكرام.. ولا مرور اللئام.

امشتق شعبنا في فلسطين دمَه وتحدّى. أمس في جمعة الرحيل إلى القدس. العيون والقبضات والسواعد والجباه كلها في بوصلة واحدة هي القدس. القدس هي فلسطين كلها. إذ لا تعني القدس بمعزل عن فلسطين شيئاً. قيمة القدس من قيمة فلسطين. وقيمة القدس في كل ذرة تراب فلسطينية. قيمتُها في كل نسمة هواء فلسطينية، في كل حبّة ماء من الحاصباني ونهر الأردن والحولة واليرموك.. ليست قيمتها فقط مسجداً ومصلّى وكنيسة قيامة..

حياتنا القومية تنقص جداً من دون فلسطين.. مما وراء النهر ومما وراء البحر وما بينهما.. ولا يمكن لشعب الجبّارين الشامي السوري إلا تحريرها عندما تحين ساعة قيامتها..

استعدُّوا.. فلكلّ قيامة ميعاد.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024