شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-09-12
 

ذهنية «قتلتُها» والمسؤولية الوطنية

هاني الحلبي - البناء

تباين علماء السلوك وعلماء الأخلاق في تحليل سلوك المرء وعلاقتها بقيمه. إذ لا يمكن تعليل السلوك أنه حصيلة فروق فردية فقط، تجعل هذه الفروق روائز ومعايير حاكمة وحدها في سلوك الفرد. وإذ تؤثر بمقدار ما الفروقُ الفردية على سلوك المرء، لكنها ليست العامل الوحيد فيه.

يرجّح العلماء تضافر عوامل عدة ومعايير عدة في تشكيل نسق سلوك المرء، منها طبيعته الخاصة، نشأته، بيئته الأسرية، مرتبته في أسرته، سوية الأسرة الاجتماعية والاقتصادية، البيئة الاجتماعية المحيطة، محطات حياته وما يتعرّض لتحديات تولد استجابات تتباين بين فرد وآخر، النسق التربوي والثقافي، مستوى حركته البدنية ولياقته، درجة أدائه الذهني وتفعيل استعداداته، واقعه المهني..

وحيث إن السلوك هو سيناريو أداء تتمسرح فيه وبه قيم المرء التي تمثّلها في تربيته المتواصلة وتكسّبه المستمر وفق قانون التجربة والخطأ والخلاصة.

هكذا يبدو أن بعض سياسيي لبنان استطاعوا أن يكرّسوا ببراعة لا يُحسدون عليها ذهنية انتهازية منافقة، بحيث بوأوا أنفسهم فلاسفتها بحق. بخاصة عندما كان داعش وأخواته من أسرة اللعنة والهزيمة والجريمة، يحتلون جرودنا ومنها يديرون معامل التفخيخ والتجنيد والقيادة والفتنة، لم يكن بين بعض المسؤولين الرسميين في لبنان، سياسيين وعسكريين، ومثلهم بعض أقرانهم من مسؤولين غير رسميين، ليفطنوا لهذا الخطر الداهم الرهيب، بل بعضهم كان يستكثر في أهلنا، في بيروت والضاحية، تصريح استنكار، وهو اضعف الإيمان من مواطن لبناني يرى أن بلده وشعبه يستهدفان بحرب الوجود.

كان همّ هؤلاء الانتهازيين فقط، هو معادلة المقارنة بين سلاح المقاومة التي انتفت أسباب بقائه، برأيهم، بسلاح الإرهاب وسموه أنه «سني»، والذي هو برأيهم، ردة فعل على سلاح وسموه أنه «شيعي»، بعدما تمّ تأمين انسحاب «إسرائيل»، وليس هروبها من الجنوب اللبناني، برأيهم، ولكنّهم سلموا جدلاً ليصلوا إلى ما يراد منهم تحقيقه بحصار سلاح المقاومة. تكرّر هذا الحصار بحرب تموز المجيدة العام 2006، وخيضت ضد المقاومة أبشع مؤامرة بأيدٍ وألسنة محلية تساوى لديها العارُ بالشرف، ولم تر سلاح المقاومة سوى تهديد طائفي لهم. اشتراك حزب الله في الدفاع عن سورية أضاف للغو الانتهازيين، ذريعة جديدة بمعادلة جديدة، هي من نسق المعادلة السابقة أعلاه، وهي ان استشراء الإرهاب وتعاطف لبنانيين معه، «رجال دين» و»رجال سياسة» وغيرهم، سببه ما قيل إنه تدخل لحزب الله في سورية، فاضطر الإرهابيون الثوار للدفاع عن أنفسهم بنقل الحرب إلى أرض «عدوهم».. سنوات من اللغو والنفاق ولا مقياس يستحق النظر سوى إشارة من سفارة أو دولة إجنبية حاكمة فتشتعل الشاشات والوسائل الإعلام الأصفر بالنفاق..

الأبشع، أن هؤلاء لم يخجلوا ولم يستحوا، بعد تحرير الجرود، بالمقاومة والجيش السوري اللبناني، وتحقيق الأهداف بالتطهير واستعادة رفات الشهداء وتكريمهم، ليروا في حلف الشرف والتحرير عيباً سوى أنه لم يسحق داعش حتى آخر إرهابي.. بل قالوا إنه هو حليفه، ويشغله، بنقله من مكان إلى مكان. من جرود القلمون إلى دير الزور، ليستفيقوا من لبنان إلى العراق للاصطياد في مستنقعات الهزيمة بحثاً عن سمكة انتصار..

هؤلاء كالعامل الذي لما رأى افعى عملاقة في حقل، فهرب عارياً تاركاً ثيابه وحذاءه خلفه، بينما صمد لها رفيقه، فقتلها. ولما جلس منهكاً من صراعه معها، استغلّ المنافق تعبه وانشغاله باستعادة أنفاسه ليكمل طريقه الحافلة بالمنافقين في محطاته كلها، ليصرخ بالمارة والناس بأعلى صوته، ولكثرة ما ردد نفاقه صدقه: قتلتُها قتلتُها.. أنا قتلتُها!!

الفارق، أن الشرفاء ليسوا منهكين في حربهم المقدسة، وأن المنافقين ولو صدّقوا نفاقهم، أن لو ترك لهم همُّ الخلاص من الإرهاب لأخرجوه بالسياسة والمهابة.. وهم عن ضبط ألسنتهم عاجزون، وله حليفون..

المسؤولية الوطنية، حالياً، تفرض على مَن يتحسسها، أن يحاسب نفسه، وأن يتعاون مع التحقيق الرسمي، والتحقيق الشعبي الذي يدور في الإعلام، ليكشف فصول التقصير أو التواطؤ، فليس مَن كان في سدة المسؤولية وحده مسؤول، بل أيضاً من كان بيده القرار الحقيقي، ويعين المسؤولين ويمثلون اتجاهه، والذي لا يقطعون خيطاً من دون فتواه.

دماء الشهداء، كرامة أسرهم، شرف الجيش الوطني الجسور، وقيمة لبنان هي كلها في بلوغ التحقيقات نهاياتها، مهما كانت، ليتعلم الجميع من هذه العبرة، أن جيشنا ليس للتفريط، وأن جنودنا لا يمكن إهمالهم، وأن لا غطاء طائفياً يمكن الركون إليه في الحرب ضد التكفير والظلامية، وأن التقصير، من بعض رجال الدين والسياسة في المواقف لا يشرفهم، وأن القائد ينبغي أن يكون قائداً حقاً وفعلاً.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه