شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-09-23
 

ميشال عون.. ظاهرة مقاومة

هاني الحلبي - البناء

كان لافتاً أن يحمل الرئيس ميشال عون، عمره المديد، خبرته المكنوزة، شجاعته المشهودة، وجرأته الفارقة، وصراحته المسؤولة، وبصوته الخافت، والمتلاشي حيناً، ويُطلق موقفاً تردّد في أروقة نادي الأمم العالمي، كعصف فكري جديد لم يعهده برئيس لبنان سابقاً. موقف يفخر به كل مواطن لبنان حرّ.

ومن العدالة أن نسجل أنه لحسن حظنا الملتبس كجيل، أن نشهد ظاهرتين مقاومتين في رئاسة الجمهورية اللبنانية تفرّدتا في قيادتهما للمسؤولية بنبل ومسؤولية، فخامة المقاوم الرئيس إميل لحود وفخامة المقاوم الرئيس ميشال عون!

كنتُ أستمع، ونادراً ما تتاح لي فرصة استماع كهذه، لكلمة الرئيس عون عبر منبر جمعية الأمم المتحدة أول امس الخميس، ولولا أنه المتحدث لأول مرة فيها، لكان كافياً أن أقاطع منبراً لمؤسسة إمعّة لم تتمكّن من تكريس ما تلاغت به من قيم إنسانية لبشرية متكاملة في السلم والإخاء، منذ سبعة عقود، إذ يكفي أنها الجهة الدولية التي أقرّت قرار تقسيم فلسطين، وكانت لديها مسودات قرارات تقسيم أخرى تنتظر الإبرام النهائي إذا نجحت سيناريوات فرض الأمر الواقع بالحرب والفتنة والإبادة والمجازر والتهجير.. لكن لم تتمكن هذه المرة تلك الإرادات الدولية الذئبية من تنفيذ مخططها التدميري المتلاحق منذ أكثر من مئة عام في الهلال الخصيب، بسبب تبلور قيادة مقاومة متماسكة وعليمة بما يتم التخطيط لبلادنا، منذ عقود، وكانت بلسان الرئيس بشار الأسد خير مصداق على وعيها والتزامها التاريخي، بلاءاته المدوّية لكولن باول بُعيد احتلال العراق. كثيرون رأوا بالرفض السوري المقاوم مغامرة، لأنهم قاسوا الموقف السوري على قواعدهم، التي تتم برمجتها وفق معادلة المثير والاستجابة في مختبرات علمية وأمنية غربية. فمن الطبيعي ان يكون النسر مغامراً بالنسبة لسلحفاة!

لكن قانون الحياة وقانون الانتخاب الطبيعي، الذي يتأهل به الكائن من مقوّمات واستعدادات تجعل النسر نسراً والسلحفاة سلحفاة، والقائد قائداً والمقاوم مقاوماً، تنتجه تجربة تاريخية وتؤهله لوقفة عز وقرار يغير التاريخ، لا كما يرسمه الأعداء ولا كما يتوقعونه.

كما مثّل الرئيس بشار الأسد الأحرار كافة برفضه الإملاء على إرادته القومية وتسليم عنق المقاومة للنطع وقطع تحالفاته الاستراتيجية لقاء بضع خردة من فتات العدو، كذلك مثل الرئيس عون أول أمس، كل حرّ في لبنان وفي العالم العربي، فنطق باسم لبنان المقاوم، وسورية المقاومة، وفلسطين المقاومة والعراق المقاوم.. إذ من حق مَن شرّدتهم المجازر المبرمجة وطاغوت الإرهاب، من فلسطين والجمهورية العربية السورية والعراق، أن يعودوا إلى ملاعب صباهم ومراتع طفولتهم وأن يستخدموا مفاتيح بيوتهم ولو صدأت، وأن يناموا في حدائقها مستأمنين.

ولم يتردّد الرئيس عون، بتسجيل النقاط في نسق نقدي راقٍ يليق برجل دولة رفيع من طرازه. ليقول غامزاً من قناة الدول الكاسرة أنّ عالمها أنتج الجريمة والإرهاب وهو الأقلّ أمناً بسبب فقدان قيم الإنسان فيه والعدالة والديمقراطية والحق. وأنّ نهجها في الاغتصاب والحرب الظالمة الذي تنتهجه سينقلب عليها، بحيث ستدفع الثمن الأغلى منه، وفي كلّ حال نحن أصحاب الإرادة الأولى على أرضنا ونحن من نقرّر ماذا نريد وماذا نفعل ونحدّد مصالحنا بدقة ووعي.

ولم ينسَ بفطتنه وخبرته الاستراتيجية أن يحدّد ضرورة قيام سوق اقتصادية مشتركة تضمن الحرية والعدل وحقوق الإنسان في العمل والتنقل والتعبير والمستقبل كخطة نظامية معاكسة لم يعد مندوحة من اعتمادها لإعادة إعمار المشرق العربي بعد استشراء الهدم والدمار بأيد داخلية مدعومة من عشرات الدول وبينها عدو الوجود، الكيان اليهودي، طوراً تحت يافطة حرية ، وطوراً آخر تحت يافطة حق تقرير مصير لفئة، وتشريع استفتاء يمهد لانفصال وحرب داخلية لا تبقي ولا تذر، وطوراً ثالثاً بتسعير الحرب الدينية العرقية لتهجير ما يسمّى أقليات إلى معسكرات اعتقال وإذلال لتغريبهم عن هويتهم وتفريغ أوطانهم منهم ليصعب الدفاع عنها، بينما هي تعاني قلة الفَعَلة والحصاد كثير.

ميشال عون، رئيساً مقاوماً، بفخر، تمثلني في زمن تنازع الأمم البقاء.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه