شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-12-28 |
ملف المفقودين المُهمَل ... وشبكات الابتزاز: من ينقذ الأهالي من الخيبات؟ |
يقع الكثير من عائلات المفقودين فريسة المتاجرين بآلامهم، من بعض الزاعمين معرفة مصائر هؤلاء المغيّبين، وهو ما يكلّف الأهالي الكثير من المال، وسط طيّ الدولة ملف الصراع في مناطق عدة، من غير حل ملف المفقودين. وإذ يتقلّب هؤلاء بين الأمل والخيبة، فإن الصدفة وحدها قد تأتيهم بخبر شافٍ مع الاستعدادات للاحتفال بقدوم رأس السنة السابعة على البلاد المشتعلة، يخبو الأمل أكثر في قلوب أمهات المفقودين. فإن كانت أم الشهيد وعائلته تكتم لوعتها للفراق الحتمي، تتقلب عائلات المفقودين على نار الاحتمالات. مدن بحالها عادت إلى سيطرة الدولة السورية، من غير حل إنساني لملف المفقودين. صرخات بلا طائل، وأسئلة تعجز الحكومة عن تأمين إجابات شافية لها. مطالب الأهالي ليست تعجيزية. يطلبون أضعف الإيمان... شاهدة قبر، أو جثماناً يدفن في أرض قريبة، لتواسيهم زيارته كلما أعياهم الفراق. وبينما تهتم الدولة بطيّ صفحة الصراع في إحدى المناطق، يغلق الستار على الكثير من الأسرار المجهولة، بما فيها من مقابر جماعية وأجوبة عن مصائر المخطوفين ضمن تلك المنطقة. وخلال معظم مفاوضات المصالحة والتسويات المحلية، لم يكن ملف المخطوفين حاضراً، إذ اكتفت الدولة بتبادل مخطوفين يظهرون في تسجيلات مصورة باستمرار، مع معتقلين لديها. أمر يفسره البعض كنوع من رفض السلطة الضغط عليها، عبر أي ملف كان، خشية عرقلة إتمام تسويات تسعى إلى عقدها بأسرع ما يمكن. ويبقى كل هذا عصيّاً على الفهم لدى أم فقدت ابنها وتتلهف لسماع صوته أو أي خبر مؤكد عنه. شبكة «مرتزقة» مع استعادة مختطفي ريف اللاذقية، العام الفائت، اشتعل الأمل مجدداً في نفوس أهالي مفقودي مناطق أُخرى. وذلك رغم اختلاف الظرف المتمثل بتواصل هؤلاء المخطوفين مع عائلاتهم، طوال فترة غيابهم، وسط انقطاع أخبار مخطوفين في مناطق أُخرى. وسعى مسلحو الغوطة الشرقية إلى استخدام المختطفين كورقة ضغط قوية في يدهم، بمداومتهم على عرض تسجيلات مصورة عنهم، ونشر أخبارهم بين فترة وأُخرى، أملاً في إحراج الحكومة السورية لمبادلة أسرى لديها بهم. لا إجابات لدى وزارة المصالحة عن ملف المفقودين. بل عبّرت على لسان وزيرها علي حيدر، في مناسبات عدة، عن تفريقها تسمية «المفقودين» عن المخطوفين، باعتبارهم مجهولي المصير. مثل هذه الإجابة حوّلت الأهالي إلى متابعين يوميين لأخبار التنسيقيات وصفحات المسلحين، مع الاعتماد على أفراد يعملون في المصالحات المحلية، للحصول على معلومات متفرقة عن أبنائهم. تدفع أم أحمد كل حيلتها في سبيل معلومة واحدة عن ابنها الغائب، بما يطمئنها إلى أنه ما زال على قيد الحياة. المرأة الستينية فقدت ابنها الأول شهيداً، فيما انقطعت أخبار ابنها الثاني قبل أقل من 3 أشهر. يرجّح زوجها العامل في منطقة الرمل الفلسطيني في اللاذقية، أن ابنه الجندي كان مشاركاً في عملية تحرير قرية عقيربات في ريف حماه. غير أنه يعجز عن التأكد من استشهاده، ويقول: «عبر اتصالنا على جواله ردّ علينا أحدهم. أخبرنا أن ابننا لديه. ودلنا على منطقة ليجري تسلّمه فيها. الغريب أن المنطقة تابعة لسيطرة الدولة السورية». ويضيف: «لم يطلبوا مالاً بعد، ما يزيد من احتمال استشهاده، ومحاولتهم ابتزازنا. نحتاج ما يؤكد لنا مصيره، بدلاً من آلام الانتظار». ولدى سؤال إحدى الجهات الميدانية في المنطقة عن التعامل مع مثل هذه الحالات، أكدت أن اتصالات من هذا النوع تأتي دوماً إلى عائلات الشهداء والمفقودين. وتضيف أن «شبكة من المتعيّشين على آلام الناس ولدت في هذه الحرب. شخصيات كوّنت ثروات جراء المتاجرة بأوجاع الأهالي، وللأسف فإن الأمهات والآباء يصدقون أي أمل يزعمه هؤلاء، ويدفعون كل حيلتهم في مقابل أي خبر، مهما كان عامّاً». وبحسب جهات عدة، إن التعامل مع هذه الأمور يتمثل بلجوء بعض الأهالي إلى جلب مذكرة مراقبة للخط الخلوي، غالباً ما تثبت أن المتصلين ليسوا الخاطفين نفسهم، بل مجرد مبتزين يعرفون معلومات عامة عن فقد ابنهم. وفي مجمل الحالات، لا يكون الوقت لمصلحة الأهالي، إذ تنتهي القضية بإفلات المتصل من العقاب، عبر تخلصه من بطاقة الخط الخلوي، قبل الوصول إليه. مسلح خاطف... وموالٍ يبتز ولا يخفى على أحد استخدام المسلحين للمخطوفين لديهم في أعمال حفر الأنفاق، ما يعني الإبقاء على أقوياء البنية منهم، مهما ساءت حالتهم الصحية. ولعل المعلومات المتناقلة عن تصفية أعداد كبيرة من المخطوفين، قبيل تسليم المسلحين مناطق عدة وخروجهم منها عبر تسويات مع الدولة السورية، فيها من الاستفزاز لمشاعر الأهالي ما يكفي. يقول زيد، موظف ثلاثيني: «القصة لا تتمثل في أني أريد أبي حياً. نحن نريد المصالحة والتسويات وإنهاء الصراع. إنما أن ينجز هذا على حساب مفقودينا! الملف الإنساني لدينا لا يشغل بال الدولة. يكفي أن تنشر حكمتها لتسوية أوضاع المسلحين وعودتهم إلى حضن الوطن». ويضيف بقهر على والده المفقود: «حضن الوطن لا يتسع لوالدي وغيره من المخطوفين الأبرياء». قصة والد زيد تشبه في بعض تفاصيلها ما جرى مع حسّان، المقاتل في إحدى المجموعات الرديفة المدافعة عن حقل شاعر، شرقي حمص، الذي فقد الاتصال به خلال معارك المنطقة قبل عامين. وكان من الواضح استيلاء المسلحين على هاتفه، ليتبيّن من مراقبة خط الاتصالات أن الهاتف موجود في إحدى مناطق ريف سلمية الواقعة تحت سيطرة مسلحي «داعش». وبعد أشهر، جاء اتصال إلى عائلة حسان من رقم هاتف غريب يطلب فدية مقابل تسليم معلومات عن المفقود. المبلغ المطلوب مبدئياً تعبئة خطوط هاتفية بمبلغ 500 ألف ليرة. وبعد تقديم عائلة المفقود طلب مراقبة للخط المتصل، تبيّن أن المتصل موجود في شارع في مدينة حمص، وهو مصنف من المناطق الآمنة طوال الحرب. وعلى اعتبار أن عائلة حسان لم تسقط في الفخ، وطلبت سماع صوت ابنها، فقد عمد المتصل سريعاً إلى التخلص من شريحة الخلوي. ويشير عسكريون عدة من العاملين في المنطقة التي فقد فيها أثر حسان ورفاقه، أنه استشهد غالباً، وسط معلومات متناقلة عن العثور على مقابر جماعية في أراضٍ تابعة لبلدتي التوينان وعقارب، في ريف سلمية. أسعار المعلومات! «هناك الكثير من الساعين إلى معرفة معلومات عائلية أو شخصية عن المفقودين لاستعمالها في ابتزاز أهلهم»، يقول سعيد. الشاب الثلاثيني الذي فقد قريبه عدنان المقاتل في إحدى المناطق يعي جيداً ألعاب الابتزاز الدائرة في البلاد، غير أن والدة المفقود دفعت الكثير في محاولة معرفة مصير ابنها. يقول سعيد: «أحد وجهاء منطقة قريبة لمكان فقد أثر قريبي، ذكر حاجة عدنان إلى ملابس داخلية، ريثما يجد طريقة لاستعادته، عبر وساطات أهلية. وطلب 100 ألف ليرة لإيصال هذه المستلزمات إليه، بحجة تكاليف سيدفعها بنفسها». كثر اتبعوا الأسلوب ذاته، كطلب تحويل أرصدة إلى خطوط هاتفية، حتى اكتشفت العائلة بمحض المصادفة أن ابنها في أحد سجون «جبهة النصرة»، ويخضع لدورة استتابة وتحفيظ القرآن. قبل أن تصل تسجيلات صوتية أخيراً لابنهم ينفي فيها تواصل أي كان معه، وانتظاره مع رفاقه تبادلاً ما، عبر وساطة دولية، للحصول على حريته. الأخبار الأخيرة وضعت أم عدنان أمام أوجاع جديدة، على الرغم من فرحها بحياة ابنها. «ترى متى يغير الجلّاد رأيه ويقضي على ابني؟» يقول لسان حالها، أسوة بأمهات مفقودين آخرين يطالبن الدولة بإطفاء نارهنّ ووضع حد لمآسيهن. اتفاق إجلاء وتحرير جزئي في الغوطة بعد مفاوضات استمرت لأكثر من أسبوع، جرى التوصل إلى اتفاق بين الحكومة السورية وفصيل «جيش الإسلام» في غوطة دمشق الشرقية، أتيح بموجبه إخراج عدد من الحالات الطبية الحرجة من الغوطة، مقابل إطلاق سراح عدد من المخطوفين لدى «جيش الإسلام». الاتفاق أتى بوساطة من رئيس «الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فرانشيسكو روكا، الذي زار العاصمة دمشق منذ مدة قريبة، والتقى الرئيس بشار الأسد. وخرج بعد منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء أربعة مرضى، بينهم أطفال من الغوطة الشرقية، وفق ما أعلنت «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» عبر حسابها على «تويتر»، صباح أمس. وأوضحت المتحدثة باسم «اللجنة» في سوريا، انجي صدقي، أنه «جرى إجلاء أربعة أشخاص مع عائلاتهم»، مضيفة القول: «نأمل أن تستمر هذه العملية خلال الأيام القليلة المقبلة». بدوره، قال «جيش الإسلام» إنه سيطلق سراح 29 محتجزاً. وفي المقابل ستسمح الحكومة بإجلاء 29 من بين الحالات الطبية الأكثر حرجاً. |
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |