إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تركيا لا تمتلك ترف المناكفة وعليها استكمال استدارتها بدون مواربة والقبول بشروط روسيا وإيران

محمد شريف الجيوسي - البناء

نسخة للطباعة 2018-09-18

إقرأ ايضاً


تدخل المؤامرة الإقليمية الكونية على الدولة الوطنية السورية مرحلتها شبه الأخيرة، بإنجاز التحرير المنتظر لمحافظة إدلب، وهو الموضوع الذي عُقدت لأجله في طهران قمة الدول الضامنة لإتفاق سوتشي روسيا ـ إيران وتركيا ، يوم الجمعة الموافق 7 أيلول 2018 بحضور رؤساء هذه الدول بوتين وروحاني وأردوغان على التوالي.

لقد اتفق القادة الثلاث بحسب المعلن على أمور رئيسة وهي:

ـ وحدة وسيادة سورية على كلّ أراضيها.

ـ ضرورة تحريرها من العصابات الإرهابية بما في ذلك إدلب .

ـ فصل المعارضة المعتدلة عن العصابات الإرهابية وتجنيب المدنيين عمل عسكري مرتقب.

ـ عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.

لكن درجات الموافقة والالتزام بالأمور الرئيسة، تفاوتت، فقد كانت موافقة أردوغان خجولة، وهو ما كشف عنه بعد أيام صراحة رئيس وزرائه، بن علي يلدريم، بذريعة أنّ حملة عسكرية سورية ضدّ إدلب ستمسّ المدنيين وستتسبّب بهجرة كبيرة جداً إلى تركيا وأوروبا محاولاً تحريض أوروبا لتشديد حملتها ضدّ تحرير إدلب من الإرهاب في الوقت الذي تعرقل فيه تركيا وأوروبا عودة اللاجئين الى بلادهم، وفي حين كانت تركيا قد أقامت مخيماً 5 نجوم على أراضيها قبل أن تبدأ الحرب الدولية ضدّ سورية، لاستقبال نحو 100 ألف لاجئ، وعملت على تعظيم هجرة السوريين إليها لاستخدامهم كورقة ضغط واستعداء ضدّ الدولة الوطنية لسورية، واليوم تستخدم ذات الورقة بشكل مزدوج مركب، لتعميق الأزمة، وإعاقة عملية التحرير.

لكن هل سيستمرّ العناد التركي طويلاً… بمواجهة روسيا وإيران ونسبياً تجاه العراق، ذلك أنّ المماطلة تعني تعطيل مصالح اقتصادية وأمنية وسياسية، ذات طبيعة استراتيجية مع هذه الدول، في وقت لم ينفعها الاتحاد الأوروبي ولا الناتو ولا الولايات المتحدة الأميركية ولا الكيان الصهيوني في شيء، بل هم شكلوا أعباء على نظام أردوغان المرتبط بالأخونة وما يعكسه ذلك على موقعه الذي يحاول فيه تجاوز دور السعودية في العالم الإسلامي وفي الجمهوريات الطورانية… كما أنّ الاتحاد الأوروبي لم يقبل تركيا فيه ولن يقبلها، وواشنطن تحاصرها اقتصادياً، كدولة، بما يمسّ استقلاليتها وسيادتها، رغم ما قدّمته من خدمات جلّى ليس أكثرها قاعدة «أنجرليك».

ثمة مصلحة تركية استراتيجية مع إيران تتعلق بالملف الكردي، وعندما نقول إيران فهذا يعني حكماً سورية والعراق أيضاً، وهو الملف الذي تفاقم في تركيا بعد الدور التخريبي الذي مارسته في سورية وتصعيدها له في العراق، إنّ طيّ هذا الملف غير ممكن دون تنسيق تركي مع الدول الثلاث… وهو ما باتت تدركه تركيا فيما يبدو أو هكذا يفترض وفي الظرف الراهن يمكن أن نضيف روسيا بحكم تناغمها مع إيران في الملف السوري وأمور أخرى .

لقد باتت الجماعات الإرهابية كبالع الموسى لتركيا، ففيما كانت تشارك مع دول وأطراف أخرى في إحتضانها وتدريبها وتمويلها وتسليحها إلخ… الآن هي في حيرة من أمرها، فلا هي قادرة على معاندة روسيا وإيران طويلاً والدخول في مواجهة مسلحة معهما ومع سورية وأنصار هذا التحالف كالصين التي تحرص على عدم عودة الإيغور تجنيباً للصين من الإرهاب.

ولا هي أيّ تركيا قادرة على محاربة هذه الجماعات فتقع في تناقض مع ذاتها ومع مكتب الإرشاد العالمي الإخواني وطموحها في إعادة المجد الزائل لبني عثمان، ولا هي على قدر عال من الحماقة والمغامرة لتسمح لهم بالعبور إلى أراضيها والاستقرار فيها والإخلال بمعادلة الأمن الاجتماعي والديمغرافي والسياسي والاقتصادي، ولا هي قادرة على رفض الضغوط الأوروبية والأميركية و»الإسرائيلية» في إعاقة عملية تحرير إدلب.

وحيث انّ محور المقاومة هو المنتصر، فهو المؤهّل لفرض شروطه في المنطقة لا التحالف الأميركي المنهزم، بخاصة أنّ لتركيا مصالح اقتصادية مهمة مع دول هذا المحور فضلاً عن الملف الكردي .

فالتبادل التجاري التركي الإيراني نما خلال خلال الأشهر العشرة الأولى من هذا العام بالقياس لذات الفترة من العام الماضي بنسبة 60 ، متجاوزا 13,5 مليار دولار، وتعتبر إيران أكبر مصدّر للنفط لتركيا… وقد ازداد بنسبة 4 خلال الربع الأول من هذا العام، وأعلن مسؤولون أتراك أنّ بلادهم ستستمرّ في استيراد النفط والغاز من إيران ولن تلتزم بقرار الحظر الأميركي. وأكد وزير التجارة التركي أنّ بلاده سترفع حجم التجارة بينهما إلى 100 مليار دولار.

وتركيا مستفيدة من خط الغاز الروسي شبكة السيل التركي الذي يمرّ عبره 63 مليار م3 سنوياً منها 47 مليار م3 لأوروبا و16 لتركيا… وهي ثاني مستورد للغاز الروسي بعد ألمانيا. وتستورد نحو 30 مليار م3 عبر خطي أنابيب بلو ستريم الذي يمرّ تحت البحر الأسود والخط الغربي عبر البلقان.

وقد تضاعفت أعداد السياح الروس 10 مرات خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2017، ويأتون في المرتبة الثانية بعد السياح الألمان. كما أنّ تركيا وجهة مفضلة للسياح الإيرانيين.

أقول إنّ تركيا لا تمتلك ترف الإبقاء على الوضع الراهن في إدلب ومناكفة روسيا وإيران المحور المنتصر وخسران مصالحها مع دوله في الملف الكردي الأمني والاقتصادي، في ظلّ هزيمة المحور الأميركي الذي كانت تركيا عنصراً فاعلاً فيه… والذي لم يعد يمتلك عنصر المبادرة.

وعليه فإنّ على تركيا استكمال استدارتها دون مواربة، والقبول بخريطة روسيا وإيران، فالخاسر لا حصة له في كعكة الانتصار ولا يفرض شروطاً، وعليه تحمّل نتائج مغامراته ومؤامراته، وفي ظني أنّ روسيا وإيران ستأخذان بعين الاعتبار تعاون تركيا الجزئي معهما رغم مناورات أردوغان وتقلّباته، وستساعدانه على الخروج من المأزق بأقلّ قدر ممكن من الخسائر، بالتنسيق مع سورية، لقاء شروط وتعهّدات ملزمة ستفرض عليه لا مجال للعب عليها.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024