|
||||||||||||
|
||||||||||||
إتصل بنا | مختارات صحفية | تقارير | اعرف عدوك | ابحاث ودراسات اصدارات |
إسرائيل ــ روسيا: رهانات تل أبيب تنقلب عليها | ||
| ||
لم تنفع الاتصالات السرية والعلنية، ولا انكفاء سلاح الجو عن مواصلة اعتداءاته في الساحة السورية، في تليين الموقف الروسي. ولم تنجح كل محاولات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حتى الآن، في استدراج موافقة الرئيس فلاديمير بوتين على لقاء ثنائي يجمعهما بهدف بحث مستجدات الساحة السورية، ومحاولة ترتيب صيغة تنسيق جديدة تمنح الجيش الإسرائيلي هامشاً واسعاً في مواصلة اعتداءاته. ومع أن نتنياهو ومعه المؤسسة الإسرائيلية، بدوا خلال الأسابيع الماضية كمن يتذلل لعقد مثل هذا اللقاء، إلا أنهم تعاملوا على أساس أن هذا الأداء بمثابة ضريبة لا بد منها، خدمة لمصالح إسرائيل القومية، وبهدف التمكّن من مواجهة التهديد الذي تشكله استعادة الدولة السورية قدراتها، وتعاظم محور المقاومة في سوريا والمنطقة. واستندت تل أبيب أيضاً إلى رؤية محدَّدة لمفاعيل مساحة التباين مع طهران وحلفائها في الموقف من الصراع مع إسرائيل، الأمر الذي سيدفع موسكو – من منظور إسرائيلي – في هذه المرحلة إلى العودة والاقتراب من تل أبيب. في المقابل، أتى نفي الكرملين على لسان الناطق باسم الرئاسة، ديميتري بيسكوف، ليؤكد صحة التقارير الإعلامية الإسرائيلية التي تحدثت عن إلغاء لقاء مزمع بين الرئيس الروسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي في العاصمة الفرنسية «كونه لم يكن... كي يلغى». لكن بعد هذه المحطة، باتت إسرائيل أكثر إدراكاً لاستعداد الطرف الروسي للذهاب أبعد مدى مما خطر على بال المؤسستين الأمنية والسياسية الإسرائيليتين، وخارج إطار رهاناتهما التي استندوا إليها منذ الثامن عشر من أيلول الماضي. ومن الواضح أن تل أبيب اكتشفت أيضاً أنها لم تقرأ بشكل دقيق خلفيات الموقف الروسي وحدوده. وتبيّن أنها حاولت أن تسقط رؤيتها على تقدير القيادة الروسية لمصالحها في سوريا والمنطقة. في هذا السياق، أصاب موقف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «مقتلاً» من الرهان الإسرائيلي عندما اعتبر أن «تجدد القصف الإسرائيلي على أهداف سورية ليس فقط سيعرض الأمن للخطر، بل سيؤدي إلى عدم استقرار المنطقة». وتنبع أهمية هذا الموقف تحديداً، والرسائل التي تنطوي عليه، أنه يتعارض مع الرهان الإسرائيلي بأن مواصلة الضربات العسكرية، واللعب على حافة التدحرج نحو مواجهة واسعة سيدفع الروسي للضغط على الجانب الإيراني وعلى الدولة السورية، من أجل عدم إعادة بناء وتطوير القدرات الصاروخية والعسكرية في سوريا، تجنباً لصدام واسع مع إسرائيل انطلاقاً من أن ذلك قد يطيح بالإنجازات الروسية. لكن الذي حصل في هذه المرحلة، أن النتائج كانت معاكسة لما راهنت عليه إسرائيل، فبدلاً من أن تكون وجهة الضغوط الروسية، نتيجة التلويح بالتصعيد الإسرائيلي، باتجاه محور المقاومة، انقلبت رياح الضغوط واتجهت نحو تل أبيب. بل ذهبت موسكو، على لسان لافروف، إلى حد تحميلها مسؤولية أي خطوات عملانية تؤدي إلى تصعيد عسكري. وفي هذا الإطار رأى لافروف أيضاً أن «العمليات القتالية الإسرائيلية في سوريا تساهم فقط في زيادة التوترات الإقليمية». وكشف موقف وزير الخارجية الروسي أيضاً حين قال إن «إسرائيل عرَّضت حياة العسكريين الروس، بالقرب من تدمر، للخطر، بعدم تنفيذ التزاماتها حول سوريا أمام روسيا»، عن أن موسكو قررت ألا تعاقب إسرائيل فقط على حادثة سقوط طائرة «إيليوشن 20» ومقتل طاقمها، بل أيضاً عن كافة الضربات التي كان بالإمكان أن تؤدي إلى سقوط خسائر روسية في ضربات سابقة. ولكن موسكو اكتفت في ذلك الحين بتنبيهات أو ملاحظات سرية وعلنية، كونها لم تؤدِ إلى سقوط خسائر بشرية روسية. وهو ما يكشف عن خلفية السقف الروسي المرتفع في صيغة التنسيق التي تقول عنها تل أبيب أنها ستساهم في تقييد حركة سلاح الجو. في أعقاب هذه المستجدات وما تنطوي عليه من تبديد رهانات إسرائيلية، في هذه المرحلة، يصبح مفهوماً الإطار الذي تندرج فيه المواقف التصعيدية على ألسنة وزراء من أعضاء المجلس الوزاري المصغر، والتي أظهرت منسوب القلق لدى مؤسسة القرار في تل أبيب. وأكدت على إدراكها لمحدودية خياراتها، والأخطار التي ارتفعت في ضوء تصلب الروسي وإصراره على مواقفه. وفي هذا السياق، أتى تحذير وزير البيئة زئيف إلكين، من أنه في حال استخدم السوريون صواريخهم الدفاعية الروسية المتطورة، «أس 300»، التي تم تسليمها مؤخراً لإسقاط طائرات سلاح الجو في الأجواء الإسرائيلية، فسيتم استهداف المنصات، حتى لو أدى ذلك إلى تهديد حياة العسكريين الروس الموجودين في مواقع الإطلاق. وأقر إلكين بالتهديد الكبير الذي تشكله منظومات «أس 300» على القوة الجوية، لافتاً إلى أن تزود الجيش السوري بها «قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الوضع». هذا مع الإشارة إلى أن أهمية مواقف إلكين تنبع أيضاً، من كونه رئيساً مشاركاً للجنة الحكومية الروسية – الإسرائيلية المشتركة، وكان مترجماً خلال لقاءات بين نتنياهو وبوتين. وذهب زميله وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان إلى الدعوة إلى «ضرورة مواصلة استهداف الوجود الإيراني في سوريا، حتى لو أدى ذلك بثمن نشوب مواجهة على الجبهة الشمالية». وأكد أن إسرائيل ستواصل هذا الخيار «لأن التمركز الإيراني في سوريا يشكّل خطراً وجودياً مستقبلياً على دولة إسرائيل». مع ذلك، وبعيداً من مدى جدية الرسائل الإسرائيلية في التعبير عن الاستعداد لخوض مواجهة عسكرية واسعة، والاصطدام بالروسي مباشرة، لم يعد أمام تل أبيب سوى الاستعانة بالولايات المتحدة، لتبني موقفها بشكل أكثر جدية وحزماً في مقابل موسكو. وهو ما قد ينطوي على مزيد من التعقيد ويحوِّل هذه القضية إلى ورقة ابتزاز روسية في مواجهة واشنطن. ومع أن دعوة مبعوث الإدارة الأميركية إلى سوريا، جيمس جيفري، موسكو إلى «السماح لإسرائيل بمواصلة هجماتها على الساحة السورية»، كما كانت تفعل ذلك سابقاً، تعكس الموقف السياسي الأميركي المؤيد للاعتداءات الإسرائيلية، لكن تل أبيب تحتاج إلى ما هو أبعد من ذلك. وفي ظل انتصارات محور المقاومة، وتطور قدراته، لم تعد تل أبيب تكتفي بتصدي الولايات المتحدة للدفاع عن أمنها ومصالحها، عبر فرض عقوبات اقتصادية على إيران، ولا بمطالبة واشنطن عدم إخراج قواتها من سوريا حتى لا يتكرس التواصل الجغرافي لمحور المقاومة، ولا بحمايتها في المؤسسات الدولية من أي قرارات تحد من إجرامها بحق الشعب الفلسطيني، ولا بمساعيها لشرعنة احتلالها... بل باتت الآن أيضاً أحوج لحمايتها من مفاعيل الموقف الروسي المتصلب، وما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات تصب في مصلحة محور المقاومة، وفي الساحة السورية تحديداً. |
||
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |