شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2023-10-14 |
مقدمة كتاب "صدى المناقب" بقلم الأمين نزار سلوم |
شكرا امين نزار سلوم. منذ أيام استلمت من الرفيق العزيز غسان الخالدي (صاحب دار ومكتبة التراث الادبي)(1)، الكتاب الذي أصدرته عن سيرتي ومسيرتي ويحمل عنوان "صدى المناقب"، متوجها بالشكر الى مجموعة من الرفقاء والرفيقات الأحباء الذين تنادوا لتأمين تكاليف طباعة هذا الكتاب الذي ابصر النور منذ أيام. في الكتاب المذكور مقدمة لافتة، محبة وبليغة جدا للكاتب الأمين الصديق نزار سلوم، أنشرها كما وردت متوجها مرة ثانية بالشكر الى حضرة الأمين الجزيل الاحترام على امل ان نلتقي. ل. ن. * لبيب ناصيف: قفْ مكانك. أنتَ مُصَادر، أملاك عامة. -1- حسناً... منذ أن صدر المرسوم الرئاسي 15 / 58 تاريخ 2 نيسان 1970، بتعيين الرفيق لبيب ناصيف رئيساً لمكتب عبر الحدود، ممهوراً بخاتم (مُصَادر)، تمت على وجه نهائي عمليّة (تأميم) لبيب ناصيف واعتباره بمثابة (أملاك عامة) تعود للحزب بمختلف أجياله وتعاقبها عبر الزمن. وبهذا المعنى وحده يمكن تفسير الصمود الأسطوري للأمين لبيب في متابعة مهماته الحزبيّة بدرجة عاليّة من الكفاءة وعلى نحوٍ دؤوب لا يكلّ ولا يمل، وسط كل الظروف التي مرّ بها الحزب، وفي مختلف فصول أزماته المتلاحقة التي أدت إلى إقصاء العديد من الكفاءات بعيداً... فيما استعصى عليها (العنيد) لبيب ناصيف! -2- يمكن استخلاص الكثير من العبر من سيرة ومسيرة الأمين لبيب ناصيف، ويمكن بالطبع التأكد من أن هذه المسيرة تلتحف قيم النهضة وتتحد بمثلها العليا على نحو يحيلها إلى (نموذج) يحتوي مختلف الميزات التي يمكن إدراجها كمادة دراسيّة في علوم الالتزام بالنهضة وأخلاقها ومتطلبات تقدمها وصولاً لانتصارها. وإذا كان من السهولة تتبع هذه السيرة عبر زمن يشير إلى اكتمال العقد الماسي لها، حيث ابتدأت فصولها النهضويّة في الخمسينيّات من القرن العشرين، وتواصل صياغة هذه الفصول عبر هذا البحث المضني والتنقيب المستمر في تاريخ الحزب وسير قادته ومؤسساته ومنجزاته وخيباته وانكساراته وأماكنه ومواقعه ومعاركه... إذا كان من السهولة تتبع مسيرة الأمين لبيب بتعاقب زمني واضح في الفصول التي دوّنها، والغنيّة بأحداثها التي تبتدئ بالمشهد الاستثنائي لتشييع الشهيد غسان جديد عميد الدفاع الذي تم اغتياله على يد عملاء مخابرات عبد الحميد السّراج في بيروت، لتتتابع مع المحاولة الانقلابيّة ومرحلة العمل السّري والقيادة المؤقتة في الستينيّات، ومن ثم مؤتمر ملكارت وبداية أزمة جديدة في الحزب في السبعينيّات... ولا تكتمل فصول هذه السيرة لتصل إلى المشهد الراهن، حيث آثر صاحبها التوقف في ثمانينيّات القرن الماضي، وربما سيستكملها لاحقاً، بل من المؤكد أنّه سيواصل السرد وصولاً إلى اللحظة الراهنة التي نحن فيها... -3- إن كان ذلك ممكناً لكل مطلع على هذه السيرة، غير أني هنا سأكثّف قراءتي مأسوراً بميزتين استثنائيتين تعودان للأمين لبيب ناصيف. ميزتان أراهما منذ تعرّفت إليه وحظيت به في (ملاك الحزب)، ووجدتهما للتو في سيرته. أولاً- المثاليّة: لا تأخذ المثاليّة التي يغطس في عمقها الأمين لبيب، معنى الانفصال عن الواقع والابتعاد عن معطياته، بل تتجه للتعامل مع هذا الواقع بشروطها النظاميّة والأخلاقيّة. وبهذا المعنى يأخذ الأمين لبيب معنى المثاليّة من ما وضعه سعادة في مقالته الشهيرة (المثاليّة الأولى)، التي كتبها في مطلع صيف العام 1948، عندما رأى كيف بدأ (الواقع العفن) ينخر في جسد الحزب وروحه. بهذا المعنى تسلّح الأمين لبيب بـ (المثاليّة النظاميّة والعقديّة)، مثاليّة (الإيمان بالقضيّة القوميّة المقدّسة)، وبهذا السلاح مارس واجباته كـ (جندي في الإدارة) كما طلب منه زعيمه تماماً. في خلال ممارسته لتلك الواجبات وبين حقبة وأخرى، كان يعمد إلى تعميم مقالة (المثاليّة الأولى) على فروع الحزب، لشعوره وتيقنه أن مكافحة العفن والتسوّس مسألة دائمة ومستمرة. وفي خلال مسيرته تعرّف إلى عدد كبير غير قابل للإحصاء من الأفراد الحزبيين السوريين القوميين الاجتماعيين في الوطن وعبر الحدود، كما تعرّف إلى غيرهم. تعرّض لضغوط عامّة اجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة، وترك عمله ودخل السجن وانخرط في قيادة المرحلة السريّة، ومن ثم رافق كل مراحل الحزب وصولاً إلى اليوم. في كل ذلك ورغم ذلك، بقي الأمين لبيب عصيّاً على العدوى، فلم يُصب لا بالفرديّة ولا بالأنانيّة ولم تفتر همته ولم يخف من مستقبل غامض ولم يتمكن أحد من التجرؤ على إغرائه بما لا يحق له... ظل جنديّاً محارباً بسلاح المثاليّة الأولى ولا يزال، ورغم زحف البشاعة والتلوّث الأخلاقي والخطايا التي تصل حد الارتكاب، لا يزال يرفع رايته عالياً علَّ الأجيال الآتية تتجنب السقوط في المستنقع وترتفع على منصّة (المثاليّة الأولى)، التي كانت اللقاح الذي أخذه عن طريق أوردة الوعي والقلب معاً وجنبه الوقوع في عدوى الأمراض الشائعة. ثانياً-الرواقيّة: لبيب ناصيف رواقي؟ بلى، لأنّه سعاديّ، وسعاده بمعنى واضح كان استمراراً لفلسفة السمو الزينونيّة، فلسفة القيم والمناقب ورؤية الانسانيّة في وعاء العدل والخير العام. على أنَّ الرواقيّة التي وجدتها في الأمين لبيب، ليست في فكره بمقدار ما هي في سلوكه، أي هو قومي سعاديٌ بسلوك رواقي. صفتان كبريتان رواقيتان ميزتا سلوك لبيب ناصيف ولا تزالان تميزانه: الصبر العظيم والمحبة الكبرى. الصبر هو جسر الانتصار، والمحبة هي الروح التي تعبر على ذلك الجسر. دونهما سنبقى دون عبور، سنبقى قبل الجسر، في العالم القديم والانسان العتيق. لبيب ناصيف قضى مسيرته ولا زال كـ (صابر عظيم) وكـ (محب كبير)، لن ييأس من فتور هنا وإهمال هناك، سيبقى يلاحق البرودة بصبره وستكون محبته كفيلة بتلقيحها بالدفء واشتعالها ناراً. لبيب ناصيف سعاديٌ كما يجب: بمثاليته ورواقيته. -4- العنيد – الظاهرة، كان مع أبو واجب وإنعام رعد سويّة...! معقول! بلى، هو مُكرّسٌ كـ (أملاك عامة) ... خادمٌ أسطوري في معبد النهضة. -5- بعد عقد ماسي من تأميمه كـ (أملاك عامة)، هل هو نادم؟ أكيد أنه ليس نادماً، هو يقول ذلك، ولكنه حزين، لأنّ المثاليّة الأولى لم تعد إلى الحزب، ولأنَّ الحزب لم ينتصر.
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |