إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

المرايا وبيت الرّعب الأميركيّ

نديم محسن

نسخة للطباعة 2006-12-26



الحكومة في لبنان سنّيّة وتدعمها أميركا، أمّا الحكومة في فلسطين فسنّيّة ولكن تعاديها أميركا، بينما حكومة العراق شيعيّة وهذه المرّة تؤازرها أميركا!


الرئاسة في فلسطين سنّيّة وتدعمها أميركا، لكنّ الرئاسة في لبنان مارونيّة وتهمّشها أميركا، وأمّا الرئاسة في العراق فسنّيّة كرديّة تؤازرها أميركا.


الأكراد في شمال العراق تدعمهم أميركا لأنّهم خير مَن يعضُدها في العراق لكنّهم يهدّدون بنزعتهم الإنفصاليّة أو الإستقلاليّة إستقرار تركيا من خلال تحفيز الأكراد فيها على الإستقلال، غير أنّ تركيا هي في الآن نفسه حليفة استراتيجيّة لأميركا وعضو في حلف الناتو... فتدعمها أميركا بموازاة دعمها للأكراد!


في لبنان هلّلت أميركا لحقّ التعبير الشعبيّ في 14 آذار 2005 وهنّأت لبنان على ديمقراطيّته إذ استجاب رئيس الوزراء عمر كرامي لضغط جزء من الشارع واستقال. ولكن أميركا ذاتها، بإدارتها ذاتها، أنّبت التعبير الشعبيّ في 1 كانون الأوّل 2006 و10 منه واعتبرت استقالة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة تحت ضغط جزء أكبر من الشارع بمثابة خضوع لمطالب "الإرهاب" و"محور الشرّ"! (مليون ونصف لبنانيّ إرهابيّ شرّير؟)


وأميركا ثبّتت الرئيس السابق صدّم حسين على رأس بعثه والعراق وحالفته، وهي ذاتها عادت وأسَرتْه ودمّرت العراق (في استعادة لعلاقتها بنورييغا – باناما وطالبان – أفغانستان).


وأميركا أيّدت العمليّة الديمقراطيّة التمثيليّة في العراق، ولكنّها ندمت على العمليّة ذاتها في فلسطين وعاقبت الشعب الفلسطينيّ شرّ عقاب على ممارسة ديمقراطيّته!


وأميركا المتحالفة مع والحاضنة مرّتين لدخول قوّات نظام البعث العسكريّ الشاميّ لتحكم لبنان بالتكافل والتضامن معها في العامين 1976 ثمّ 1990 هي ذاتها أميركا المنقلبة على والمهاجمة لوجود هذه القوّات عمليًّا بدءًا من القرار 1559 وتصعيدًا عبر اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريريّ.


إنّها لعبة المرايا المكسّرة في بيت الرّعب الأميركيّ، حيث لا منطق ولا مبدأ أو صدقيّة ولا قواعد محدّدة أو مقاييس.


وإذا كانت العيّنة أعلاه تُربِك، فلعلّ ما يوضّح الصورة الزائغة ويكشف الأصل من العكس وسط كلّ المتناقضات والإنعكاسات ثابت واحد: أينما انوجدت مقاومةٌ تتصدّى للمشروع الأميركيّ - الإسرائيليّ، ترى أميركا حتمًا تعاديها وتقاتلها. لا فرق حينئذ بين مقاومة أكثرها سنّيّ في العراق ومقاومة أكثرها شيعيّ في لبنان ومقاومة أكثرها سنّيّ في فلسطين.


من كلّ ما تقدّم، جليّ أنّ أميركا ليست مؤيّدة للشيعة بالمطلق ولا ضدّهم، ولا هي مؤيّدة للسنّة بالمطلق ولا ضدّهم، ولا هي مع الديكتاتوريّة ولا مع الديمقراطيّة، إنّما هي بالمطلق مع مصالحها ومع القوى المحلّيّة التي تخضع لمشروعها وترتضي المساومة على الثروات المحلّيّة والأسواق، شيعيّة كانت هذه القوى أو سنّيّة، ديمقراطيّة أو ديكتاتوريّة.


وجليّ أنّ الشيعة ليسوا كلّهم معها أو ضدّها، كما أنّ السّنّة ليسوا كلّهم لها أو عليها. بل إنّ أحزابًا طائفيّة وقوى سياسيّة وماليّة وإقطاعيّة درزيّة وسنّيّة وشيعيّة ومارونيّة تحتمي بطوائفها أو تسعّرها وتستجيب لوحيد القرن الأميركيّ بحسابات الربح والخسارة التجاريّين وتتعاون معه طمعًا بحظوة عنده وسلطة وتأمينًا لدورٍ تفترضه ممكنًا في شرق أوسط جديد من صنع البنتاغون.



والحال، فالصراع السنّيّ – الشيعيّ مستحدَث مفتعَل مصطنَع لإخفاء استراتيجيّة أعمق وأدهى من سطحيّته. فوحيد القرن غير قادر على نقل قوّاته إلى كلّ بقعة من العالم، وهو دائمًا بحاجة إلى قوى محلّيّة تحمل مشروعه وتتبنّى مقولاته. فليس أفضل من الحفر في ذاكرةٍ تستعيد معاوية وعليًَّا ويزيدًا والحسين، ليلعب بها شطرنجه من باكستان وأفغانستان إلى إيران وأذربيجان وتركيا إلى المشرق السوراقيّ والخليج العربيّ؛ شطرنج تحمل المربّعات فيها بشيعيّتها هنا أو سنّيّتها هناك مشروعَه بين الرقع والبقع لتقضي على أيّ مقاومة، بتبادل الموت تارة وبالغدر طورًا ودائمًا بالخداع.


إنّ درء خطر الإقتتال الشيعيّ – السّنّيّ خطوة ضروريّة لتأخير التفجير، فلعلّ الرماد يقوى على الجمر!


لذا، يشكّل تطرُّف التيّار الوطنيّ الحرّ (المعتبَر مسيحيّ في الفسيفساء اللبنانيّة) في بعض أوجه هجومه على الحكومة (المؤسَّسة المفترضة سنّيّة في الحسابات الطائفيّة السياسيّة) سحبًا للتوتّر السنّيّ – الشيعيّ وجذبًا للجماهير السّنّيّة المعبّأة في السرايا ومن خطابات قريطم التلفونيّة الجوّالة باتّجاه غير الإتّجاه الشيعيّ.


والتيّار الوطنيّ الحرّ بذلك، إضافة إلى دوره المعارِض، يساهم أيّما مساهمة في إعادة الصراع الداخليّ إلى حقيقته السياسيّة بدل انحرافه الطائفيّ، ويضع الأمور في نصابها ليعود الخلاف الداخليّ سياسيًّا وبحسب المواقف من المشروع الأميركيّ – الإسرائيليّ وإملاءات السفارات بدل الإصطفاف المذهبيًّ الأوتوماتيكيّ. فكلّما ألهب التيّار الوطنيّ الحرّ هجومه السّياسيّ على الحكومة ورئاستها وتيّارها السلطويّ، برّد من المواجهة السنّيّة – الشيعيّة، وأطفأ نار فتنة مذهبيّة ما فتئ يسكب زيتًا عليها كبير إقطاعيّي طائفة أقلّويّة إضافة إلى آل التيّار السلطويّ ورجال دِين مأمورين.



ولكنّ إطفاء النار السّنّيّة – الشيعيّة وإن كان ضرورة مُلحّة في مواجهة المشروع الأميركيّ – الإسرائيليّ إلاّ أنّه غير كافٍ، لأنّ المشروع قائم ومستمرّ، والخطّ البيانيّ للمشرق بلبنانه وفلسطينه وثمّ شامه بعد العراق يبدو انحدارًا باتّجاه الإقتتال الطائفيّ والحزبيّ، وإن تخلّلته فترات استواء وهدوء أو حتّى صعود وحلحلة. فالمجابهة الحقيقيّة تكون بالإنتقال من مواجهة ظاهر المشروع ومستحدَثاته وافتعالاته واصطناعاته إلى مقاومة لبّه وموضوعه وغايته.



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2025