شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1942-03-01
 

أول آذار 1942

أنطون سعادة

عندما انتصف شهر شباط الماضي استفاق القوميون الاجتماعيون في هذه المدينة استفاقة واحدة كأن تياراً كهربائياً هزهم وادركوا انه لم يبق لحلول أول مارس سوى أيام قلائل. فاجتمعوا وألفوا لجنة منهم تأخذ على عاتقها تهيئة الاحتفال بهذا العيد القومي الاجتماعي وقرروا، نظراً لحوادث الفوضى التي حدثت على اثر الاحتفال الذي جرى سنة 1940 وشوهت التأثير الجميل الذي حصل في المأدبة الفخمة التي أقيمت على شرف الزعيم، الاقتصار على القوميين الاجتماعيين في الاحتفال هذه السنة، منعاً لتسرب بعض العناصر الفاسدة إلى اللجان ولحركاتها الاستغلالية. ودخل في هذا القرار جعل الاحتفال في عشاء أول آذار، بدلاً من الليل، لأنه يوم واحد وهو، في الوقت نفسه، اليوم الذي تجري فيه الانتخابات العامة لمجالس الجمهورية الارجنتينية وكان يخشى ان تحدث في الليل حوادث شجار بين بعض الاحزاب المتزاحمة.


بعد تأليف اللجنة اجتمعت هذه ووضعت منهاجاً لعملها. وكان أول ما قامت به انها توجهت الى مكتب الزعيم حيث قابلته ونقلت اليه رغبة القوميين الاجتماعيين وما تقرر في الاجتماع الذي عقدوه خصيصاً لبحث الاحتفال المذكور وسألته قبول المأدبة. فنزل الزعيم عند رغبة القوميين الاجتماعيين. فشكرت اللجنة له ثقته وتشجيعه وانصرفت على أن تسعى لإعداد ما يلزم لليوم المنتظر القريب.


وكان من تحدث القوميين الاجتماعيين عن يوم أول آذار والاحتفال الذي سيجري فيه أن خبر المأدبة اتصل بعدد من الأصدقاء والمحبذين الذين أبدوا رغبة في الانضمام الى المعيدين والاشتراك في الاحتفال فقبل طلبهم وكان ذلك مشجعاً لبعض الرفقاء الذين رأوا استئذان اللجنة بتمديد الدعوة الى بعض الاصدقاء المحبذين فكان لهم ما رغبوا.


ومع أن الفصل في هذه النصف الجنوبي هو فصل الصيف الذي يهجر فيه المدينة قسم كبير من رجال الجالية وعائلتهم، فما بلغت الساعة السادسة من يوم الأحد الواقع في أول آذار، حتى أخذ المحتفلون، من سيدات ورجال، يتقاطرون الى مكان الاحتفال في القاعة الخاصة بالاحتفالات في "كنفيترية اميركة". ونحو الساعة السابعة (الساعة الصيفية) وصل الزعيم وقرينته في سيارة احد الرفقاء فاستقبلته لجنة خاصة عند المدخل ولما بلغ ولما بلغ البهو نهض الجمهور وتقدم الادباء والوجوه للسلام عليه وبينهم عدد من السيدات اللواتي يزيّنَّ مجتمعات الجالية. وبعد السلام اتخذ الزعيم مجلساً وأحاط به عدد غير قليل من الحضور يستمعون الى حديثه. ثم نهض الزعيم والجميع تلبية لدعوة مدير الاحتفال الى المائدة الواسعة واتخذ كل واحد مركزه المعد له عليها.


عندما جاء دور الانخاب نهض مدير الاحتفال من أعضاء اللجنة فقدم المأدبة بإسم الرفقاء والمحبذين الذين أبوا الا مشاركة القوميين الاجتماعيين لأنهم يعدون أنفسهم قوميين اجتماعيين مثلهم بالعقيدة وان كانت ظروف معينة حكمت عليهم بالبقاء حتى الآن خارج النطام. وعرض المتكلم لصفة الاحتفال واقتصاره على القوميين الاجتماعيين حتى أن اللجنة لم تنشر شيئاً في الصحف ولم توجه دعوة عامة الى المؤسسات وجميع الأوساط في العاصمة والداخلية.


ثم تلا المتكلم نصوص البرقيات العديدة التي وردت الى الزعيم من فروع الحزب السوري القومي الاجتماعي غي المكسيك والولايات المتحدة والبرازيل وأفريقية وجزائر الكنار ومن أوساط القوميين الاجتماعيين والمحبذين في الداخلية وهي من رفقاء توكومان، ورفقاء سنتياغو دل استيرو ورفقاء كردبة ومن السادة عبود سعاده وأولاده في كردبة ومن رفقاء فرقمينه ومن رفقاء ومحبذي سان خوان ومن رفقاء تشيلي. وبعد ذلك اخرج خطاباً أرسله الرفيق جبران مسوح خصيصاً لهذا الاحتفال فتلاه فقوطع بتصفيق حاد.


قدم المدير على الأثر، الرفيق ابراهيم أفيوني الذي تلا كلمة جيدة ثم عاد المدير فتلا قصيدة من نظم الشاعر كامل فضول المعروف بشاعر الميماس الذي منعه من القلئها بنفسه مانع من أسنانه أو حلقه فقوبات القصيدة بتصفيق كثير.


على الأثر قدم المدير الرفيق سليم خباز الذي القى خطاباً جامعاً تخلل القاءه تصفيق شديد وشرب نخب الزعيم وبعده وقف مدير الحفلة فألقى خطاباً مجّد فيه مولد الزعيم وأظهر عظمته وشرب نخب الزعيم. وكان ذلك ختام الخطب من جتنب المحتفين. فاتجهت الانظار الى الزعيم فنهض فوقف الجمهور كله احتراماً. فقال: ان هذا الاحتفال الذي وجهه القوميون الاجتماعيون والمحبذون الى شخصه قد أحيا في نفسه صور المظاهر التي كان يشترك فيها مع القوميين الاجتماعيين في الوطن، خصوصاً معاونيه في مجلس العمد الاعلى، الذين يطلب منجميع الحاضرين مرافقته في الاتجاه بالنفس نحو الوطن وفي تذكر العمل العظيم الذي قام به اولئك الاركان بثباتهم في مراكزهم التي عينها لهم الزعيم ومواجهتهم حالة الحرب وتدابيرها الشديدة بمقابلتهم المجلس العسكري واحكامه الظالمة بعزيمة قوية وايمان راسخ، منقذين على هذه الكيفية شرف الأمة السورية الذي أضاعه المتزعمون المنافقون الذين ما كادت الجيوش المحتلة تكشر عن انيابها حتى ألقوا سلاحهم ونسوا ايمانهم وخضعوا للمشيئة الأجنبية. ثم رفع الزعيم كأسه وقال انه يشرب نخب هؤلاء الأبطال الذين بيضوا صفحة الأمة السورية ورفعوا عار التسليم عنها ودعا الجمهور الى مشاركته فشرب الجميع نخب أركان الحزب السوري القومي الاجتماعي. وبعد ذلك أشار الزعيم الى الجمهور بالقعود.


عاد الزعيم الى الكلام فأتى بلمحة عن بعض شخصيات من أركان الحركة السورية القومية الاجتماعية وأعمالهم ضارباً بهم المثل في الاخلاص والتضحية في سبيل الحزب والقضية القومية الاجتماعية المقدسة وأخص منهم بالذكر الأمين جورج عبد المسيح وأبان عن تضحياته بالمال وأمر مستقبله، بالمال الذي أرسلهُ إليه أقرباؤه في المهجر ليهاجر ملتحقاً بهم وكيف أنه إبان محن الحزب كان يطوف في البلاد مشياً على قدميه ليثبت الأعضاء في الفروع فكان يسير من بيروت الى زحلة ومن هذه الى مشغرة وجزين ثم يهبط الى صيدا وصور ويعود الى بيروت. وفي تجواله في بعض المناطق الجبلية نقب نعل حذائه وتمزق وصارت رجلاه تقعان على حجارة الطريق فأصيبتا بجراح دامية. فلما وصل الى محجته وقام بمهمة حاول متابعة سيره ولكن الرفقاء هناك اكتشفوا حالة رجليه فأمسكوه وأبوا عليه المسير حتى تبرأ جراحه وعمدوا اليه فضمدوا رجليه ووضعوه في الفراش حتى شفي وأوصوا له بحذاء جديد وزودوه بأدعيتهم.


وانتقل الزعيم الى الكلام عن الحركة القومية الاجتماعية فتناول قول الرفيق جبران مسوح عن طريق الشدائد وقال: ان شدائد كثيرة اعترضت طريق الحركة السورية القومية الاجتماعية وهو أمر طبيعي لأن هذه الحركة تقوم بعمل عظيم شاق وترمي الى تغيير وجه التاريخ. وأوضح الزعيم حقيقة بعض الصعوبات الداخلية وامتاز الحزب السوري القومي الاجتماعي في ان حركته قومية عامة. بينما جميع الاحزاب والهيئات والشركات السياسية في سورية اعتمدت على فكرة الملة او الطائفة، ولذلك لم تتمكن هذه الهيئات من احداث حركة او ثورة عامة ولا من ايجاد تعاون أكيد واسع بين عناصر كثيرة من جميع الملل.


تطرق الزعيم، على الأثر، الى ما أورده الرفيق خباز عن الأعداء داخل الحركة. فقال انه لا أعداء للحركة السورية القومية الاجتماعية في داخلها وانه قد يندس، بين حين وآخر، بعض الأعداء في الصفوف القومية الاجتماعية ولكنهم لا يلبثون ان يتضح امرهم فيرزلون ويطردون ويعودون باخفاقهم من حيث أتوا. وزاد انه يوجد عدد كبير من ضعفاء النفوس يدخلون الحزب السوري القومي الاجتماعي فيتفق ان تصيبهم قبل رسوخ الايمان بعض الزعازع التي تلم بالحركات التي من نوع حركة الحزب السوري القومي الاجتماعي فيظهر ضعفهم ويتزعزعون ويسقطون. وأردف انه لا يخلو الأمر من بعض خيانات ولكنها قليلة وادارة الحزب العليا لا تتوانى في استئصال شأفتها.


مما قاله الزعيم وكان له أحسن وقع هو أن الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يعتمد في ايمانه بنجاح قضيته المقدسة، على أساس الأفراد ورضاهم، بل على العقيدة هي الأساس الراسخ، الثابت على الأيام والسنين والعقود والأجيال، اللذين قد أصبحا قبلة أنظار الشعب السوري، لا يمكن ولا يجوز أن توضع قيمتهما في محل قيمة الأفراد. ولا يمكن ولا يجوز ان يكون الأفراد محكاً لهما، بل يمكن ويجب أن يكون العكس اي أن يكونا هما محكاً للأفراد. فحين الاختيار بين العقيدة والنظام من جهة وفرد أو أفراد من جهة أخرى نحن لا نتردد في التمسك بالعقيدة والنظام وترك الأفراد لمصيرهم. وفي مثل هذه الظروف نبذت الحركة القومية عدداً من الأفراد لا يبلغون الواحد في الألف والألفين من القوميين الاجتماعيين.


وحمل الزعيم على المأجورين من الدعوات الأجنبية ذات المطامع الاستعمارية ليشوهوا سمعة الحزب السوري القومي الاجتماعي باتهامه بالعمل لمصالح بعض الدول الأجنبية. وشبههم بالمشعوذين الذين يلفتون انظار الناس الى عمل او حركة بينما هم يقومون بلعبتهم الخفية أثناء انشغال الناس بما يغرونهم بتتبعه. فقال أن هؤلاء المأجورين المتمرنين في فن الخداع أخذوا يرمون الحزب السوري القومي الاجتماعي بالتهم الواقعين هم تحتها ليحولوا أنظار الناس عنهم ويخفوا حقيقتهم الأثيمة وراء ستار الغيرة الزائفة بالطعن في الحركة القومية الاجتماعية التي فضحتهم وشعوذاتهم.


وبعد أن شرح الزعيم نفاق أصحاب العروبة الدينية والمتاجرين بها وأصحاب دعوة الاستقلال اللبناني وأوضح التصادم الداخلي بسبب هذه الدعوات الفاسدة أظهر كيف تجعل الحركة السورية القومية الاجتماعية أبناء الأمة السورية متكاتفين ومتجهين اتجاهاً واحداً لمقابلة العدو الخارجي وكيف أن الأحزاب الملية تجعلهم متقابلين بعضهم ضد بعض بينما الأجانب يطعنون في جوانبهم.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه