إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

سلطة الزعيم

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1941-02-28

إقرأ ايضاً


كثيرون سألوا ويسألون: لماذا هذ السلطة غير المحدودة للزعيم؟


وبديهي أن تسعة وتسعين بالمئة من هؤلاء السائلين ولا نقول مئة بالمئة، هم من العامة الجاهلة أو من الذين لا ثقافة صحيحة لهم نظرية وعملية في الأوضاع السياسية والحقوقية وتطوراتها وفي الحالات الاجتماعية والنفسية العامة، ومن الذين لم ينالوا قسطاً وافياً من درس التاريخ ونشؤء الدول وتنازع السيادة فيها.


حقيقة أخرى يجب تقريرها: أن جميع هؤلاء السائلين لم يحملوا في زمانهم مسؤولية ادارية ولم ينخرطوا في سلك جيش يتعلمون فيه فضائل النظام ومجابهة الأخطار واتمام الواجب والاقدام على الأمور الخطيرة، ولم ينالوا تربية سياسية من أي نوع ولم يأخذوا نصيباً حتى ولا من التمرن المكتبي البسيط. وبينهم عدد من التجار المحتالين على القوانين ومن العابثين بالمناقب والآداب الاجتماعية ومن الفوضويين المستعدين للتمرد على كل ما لا يعجبهم وما لا يكون الحكم فيه راجعاً إلى أهوائهم وميولهم.


وحقيقة أخرى أن أكثر السائلين السؤال المتقدم هم من الذين صدئت عقولهم لفرط إهمالها. فما خلا التفكير بالبيع والشراء، وأحباناً كثيرة بالقمار، لا تجدهم يروضون عقولهم في درس موضوع أو معالجة قضية. ولذلك تراهم يلتقطون الأفكار اليسيطة الشائعة إلتقاطاً من غير تفكير وكد ذهن. ولذلك تراهم يلتقطون الأفكار البسيطة الشائعة التقاطاً من غير تفكير وكد ذهن. وإذا اتفق لك أن التقيت بهم وقد عثروا بكلام جديد فالويل لك. لأنهم يهاجمونك به مهاجمة عنيفة بلا شفقة ولا رحمة. منهم، غالباً، جهال مكابرون لا يقرون بجهلهم ولا يعترفون بتفوق أحد عليهم.


هذا السؤال: لماذا هذه السلطة غير المحدودة للزعيم، هو كلام التقطوه من صحف الإذاعة "تاديمقراطية" ضد هتلر وموسوليني. فهو ليس من عندياتهم. واقتصارهم عليه من غير أي تحليل لوضعية سياسية – اجتماعية معينة دليل قاطع عاى انهم يرددونه ميكانيكياً لا اعمال فكر فيه ولا روية، وعلى انهم ليسوا على شيء من الدراسة في التاريخ السياسي وعلم الحقوق الدستورية. وان فيه دليلاً على جهلهم التام مبدأ الأسباب والمسببات ومبدأ الكفاءات والاحتجاجات.


تعطم المصيبة ببعض السائلين اذا كان قد اتفق له أن قرأ او سمع شيئاً من الحكام المستبدين في القرون المظلمة وشيئاً عن الثورة الفرنسية. فهو حينئذ لا يكتفي بهذا السؤال الاستنكاري، بل يندفع في النقاش للبرهان على عدم صلاح السيطرة الفردية وعلى وجوب رجوع الأمور الى قاعدة التمثيل الشعبي للمحافظة على حقوق الشعب ودفعاً لاستبداد الأفراد.


من هذه النقطة العالية عن المستوى العادي نريد أن نعالج هذه المسألة الخطيرة. ونضع نقطة ابتدائية هذا السؤال: ما هي أسباب الثورة الفرنسية وجعل سلطة التشريع في مجلس ممثلي الشعب المنتخبين؟

الجواب: الأسباب هي استبداد الملوك في ما لا يعود على الشعب بالنفع.


ننتقل إلى سؤال آخر: هل كان الشعب الفرنسي يثور على الملوك لو كان استبدادهم في ما يعود على الشعب بالخير؟


الجواب العامي: لا


الجواب الذي قد يعطيه بعض فلاسفة الحقوق: ان هنالك أمراً غير الاستبداد يمكن أن يكون سبباً لنزاع عنيف بين الشعب والملك. وهذا الأمر هو: قاعدة الملك الوراثي التي تفرض على الشعب حكاماً قد لا يريدهم.


من السؤالين والأجوبة المتقدمة نرى أن الأسباب للقيام ضد السلطة الفردية المطلقة نوعان: نوع مباشر وهو حصول الاستبداد في ما لا يعود على الشعب بالخير، وهو الأقوى والأشد فاعلية، ونوع مداور وهو: وراثة الحكم المطلق من غير استفتاء الذين سيجري الحكم عليهم.


ولا يمكن أن يكون هناك غير هذين السببين لحمل الجمهور على النهوض في وجه الحكام. هذا باستثناء الحركات الفوضوية التي تخرج على نظام وكل سلطة. والذي يقره المنطق والاختبار ان الشعب لا يقف في وجه المستبد لخيره، بل يحبه ويمدحه ويدعو بطول البقاء. وأخبار الحكام والملوك الذين مجدتهم شعوبهم غير قليلة في التاريخ.


لنأخذ الثورة الفرنسية قاعدة لبناء درسنا فما هي الصورة الكلية التي تتمثل فيها؟


هي صورة شعب قام ليصلح فساد الحكام. والصورة هذه واقعية، لأنها صورة الفعل الذي حدث.


إذا أردنا أن نقابل حالة سورية على هذه الصورة فما هي النتيجة التي تحصل من هذه المقابلة؟


النتيجة هي حصول صورة مقابلة، أي معاكسة، لصورة حالة فرنسة: في سورية لا نجد اليوم ملوكاً وراثيين يستمدون سلطتهم من الله ليحكموا الشعب على هواهم ويستبدوا في ما لا يعود عليه بالخير. في سورية فساد الحكم هو من فساد الشعب. فالنواب في لبنان والشام الذين يبيعون مصالح الشعب بالمزاد السري هم نواب منتخبون انتخاباً عاماً من الشعب، ولكن الشعب في حالة فساد كثير فهو يجهل حقوقه ومصالحه ولا يشعر بوحدتها ووحدة شخصيته. في سورية رجال الدين الفاسدون قد حولوا الطوائف إلى أحزاب سياسية ورجال الشعب خضعوا لسيلسة التفرقة الدينية وانقادوا إلى مقالب الانحطاط فباعوا "باكوريتهم" أو أصواتهم الانتخابية بيعاً وهم لا يدرون انهم يبيعون حقوق سيادتهم. في سورية تعلم الفرد ألا يهتم لضرر الشعب بل لمنفعنه الفردية فقط.


في سورية المناقب تحولت إلى مثالب والأخلاق انحطت. فالفساد في الشعب والشعب الفاسد الروحية يحتاج إلى اصلاح. والإصلاح، الذي لا يمكن أن يكون إلا من الداخل، يجب أن يكون من فرد انشق على فساد المجموع وتغلب على أهوائه. هذا الفرد هو الذي يحتاج إلى ضمانات السلطة ضد فساد الشعب وليس الشعب هو الذي يحتاج إلى هذه الضمانات.


إن هذا الفرد المصلح يجب أن ينال ضمانات السلطة المطلقة ليضرب بيد من حديد على أيدي تجار الحقوق القومية والمصالح الشعبية وليضع حداً لعبث العابثين بالنظام ولتدجيل المزدرين بكرامة الأمة وحقوقها، وليمنع الفوضى وليعلم ويدرب وينشىء المؤسسات الجديدة الصالحة لجمل أعباء مطاليب الحياة الجديدة وليضع قواعد سلوكية جديدة تقيم فضائل الحرية والواجب والنظام والقوة بدلاً من الفوضى والرغبات الخصوصية والعادات والمشارب تلانحطاطية والتفكك والتراخي.


وإذا درسنا جيداً تاريخ الحزب السوري القومي ودققنا في الاختبارات التي مرت به وجدنا هذه السلطة غير المحدودة للزعيم الضمان الوحيد لسلامة هذا الحزب الذي يمثل نهضة الأمة السورية. ولولا هذه السلطة لكان الأرجح أن يتفكك الحزب، وإن بقيت العقيدة، من جراء المناورات التي قام بها أفراد جلبوا معهم إلى داخل الحزب أمراض النفسية الانحطاطية وحاولوا أن يحولوا الحزب إلى ميدان تتبارى فيعه منافعهم الخصوصية وأهوائهم. والفضل في إبطال هذه المناورات يعود إلى مقدرة الزعيم وإلى سلطته غير المحدودة التي زادت ايمان مجموع الحزب به، بدلاً من إضعافه.


إن الذين لا يريدون هذه السلطة غير المحدودة للزعيم هم، في الغالب، الذين لا يريدون أن يتقيدوا بمسؤولية نظامية مربوطة إلى سلطة على أعمالهم ولها الكفاءة لمحاسبتهم على ما يفعاون انهم لا يريدون محاسبة ولا يريدون أوامر ولا يرغبون في طاعة ولا يريدون أن يقفوا تجاه مرجع أعلى يحاسبهم. ولذلك يفضلون أن تبقى المسائل "راجعة إلى العموم" وهم ما هم عليه من الجهل والفساد فتضيع المسؤوليات ويعطل الواجب ويشل النظام وتقوم المصالح الفردية، النفسية والمادية، مقام مصالح الأمة.


إذا كانت هنالك فردية استبدادية في ما لايعود على الشعب بالخير يجب محاربتها بكل شدة فهي فردية هؤلاء السائلين باستنكار: لماذا هذه السلطة غير المحدودة للزعيم؟


والطريقة الوحيدة للقضاء على طغيان هؤلاء العابثسن فساداً في الشعب هي فس تأييد سلطة المصلح المطلقة.


ويجب أن نفهم جيداً أننا في سورية لا نواجه صورة شعب غاضب على حكام أو قاعدة حكم، عامل على اصلاح فساد حكام، بل صورة شعب تغلغل الفساد في جميع طياته وأصبح في حالة مرض وشلل، وفرد قد تجرد لاستئصال الفساد واصلاح أمر الشعب، وكل ضعف في سلطة هذا الفرد المصلح قد نؤدي إلى زلة إلى الوراء وتشقق وتهدم في البناء.


نحن نعلم أنه لكثرة الفساد في الشعب قد فقدت الثقة بالأفراد ونعلم أيضاً انه لهذا السبب عينه يجب أن يعطى المصلح الخبير هذه السلطة غير المحدودة.

الزوبعة – العدد 15 – 28 شباط 1941


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024