إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

انتهاكات حقوق الطفل العراقي في ظل الاحتلال: المظاهر والنتائج* ( 1 / 2 )

د.عبدالله تركماني

نسخة للطباعة 2005-10-13

تقف قضايا حقوق الإنسان اليوم ضحية تناقضين: أولهما، الإرهاب، باعتباره يمثل اعتداء صارخا على الحقوق الأولية للإنسان. وثانيهما، مكافحة الإرهاب، التي تستخدمها كافة حكومات العالم لتبرير عدم التزامها بالمعايير والإجراءات التي يفرضها التزامها بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان. لقد أدى إعلان " الحرب على الإرهاب " إلى تفاقم ظاهرة انتهـــاك " الحق في الحياة " لا سيما على مستوى ما يحدث في العراق. وإذا كان المؤرخون ينزعون إلى رصد وتنظيم الوقائع وإجلاء دلالاتها عبر وضعها في منظار تعاقب زمني قصير الأمد أو متوسطه تلبية لحاجات التحقيب التاريخي، فإنّ الأمر يختلف بالنسبة إلى مؤرخي الظواهر الإنسانية التي تنطوي على دلالات في الأمد الطويل. ويمكن لهذه الفئة من المؤرخين العاكفين على مثل هذه الظواهر أن يجدوا معالم من هذا النوع في بعض وجوه ودلالات سلوكات تتعلق بوقائع انتهاكات حقوق أطفال العراق في ظل الاحتلال. إنّ واقع الحال في العراق يتطلب استخدام القانون الدولي الإنساني لمحاكمة مجرمي الحرب على الجرائم التي اقترفوها بحق العراقين، ونحن نقصد بهذا القانون كل الشرائع والأنظمة والاتفاقات المتعلقة بحقوق الإنسان وحمايتها، وعلى الأخص :


- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948.


- اتفاقيات جنيف الأربع الصادرة عام 1949 حول الحماية خلال الحرب، علاوة على بروتوكولي عام 1977 المضافين إلى تلك الاتفاقيات.


- اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لعام 1968. و القرار 3074 الصادر عن الجمعية العامة عام 1973، والقاضي بتعقب واعتقال وتسليم ومعاقبة المذنبين بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.


- اتفاقية حقوق الطفل الصادرة في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1989. حيث ورد في المادة (38):


1- تتعهد الدول الأطراف بأن تحترم قواعد القانون الإنساني الدولي المنطبقة عليها في المنازعات المسلحة وذات الصلة بالطفل وأن تضمن احترام هذه القواعد.


4- تتخذ الدول الأطراف، وفقا لالتزاماتها بمقتضى القانون الإنساني الدولي بحماية السكان المدنيين في المنازعات المسلحة، جميع التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح.


إنّ معاهدة جنيف الرابعة تفرض على قوى الاحتلال حماية وصيانة الخدمات والصحة العامة، كما تفرض عليها أيضا ضمان إمدادات الأغذية والأدوية. إذ خصص جزء من هذه الاتفاقية من المادة 42 حتى 56 والخاص بالسلطة العسكرية على أراضي الدولة المحتلة، حيث يحمل هذه السلطة كافة المسؤوليات المتعلقة بضمان وسلامة المدنيين.


وعندما نطّلع على نتائج الاحتلال الأمريكي على حياة الأطفال العراقيين لا نشك لحظة في أنّ قوات الاحتلال تنتهك حرمة الاتفاقيات الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية جنيف الرابعة حول حماية حقوق المدنيين أثناء الحرب.


وإذا كان صحيحا القول بأنّ الشعب العراقي كان ضحية للحروب المتتالية والحصار الظالم على مدى ثلاثين عاما، فإنّ الصحيح أيضا أنّ الأطفال هم الفئة الأكثر تضررا في المجتمع العراقي. فهناك الأطفال الذين أصبحوا ضحايا للحروب وآثارها وتعرضوا للإصابات المباشرة، جراء الصواريخ والقنابل العادية والعنقودية أو الألغام والقنابل غير المنفلقة التي ألقت الطائرات الأمريكية بالآلاف منها على مواقع الجيش والمدن وما زال الكثير منها ينفجر بين وقت وآخر، مسببا المزيد من الضحايا، وهذه الأسلحة كان اكثر ضحاياها من الأطفال الذين قد يعبثون بها دون أن يدركوا مخاطرها.


وفي الواقع، لا يوجد في العالم أتعس من أطفال العراق. ففي ثمانينات القرن الماضي حرمتهم حروب النظام السابق من الاستمتاع بطفولتهم البريئة. وفى التسعينيات تسببت العقوبات الدولية والحصار الاقتصادي الذي فرض على الشعب العراقي حرمان الأطفال الرضع من الرعاية الصحية والغذائية، فافترست الأمراض بشتى أنواعها جيلا من الصغار، ومات بسبب العقوبات التي استمرت 12 عاما أكثر من مليون طفل قهرهم المرض بعد أن فقدت أسرهم الأمل في إيجاد دواء لتخفيف آلامهم وأوجاعهم، كما تسبب الحصار غير الإنساني أيضا في أن أصبح ربع أطفال العراق يعانون من سوء التغذية.


وها نحن نعيش الحاضر، ولم يتخلص أطفال أرض الرافدين من معاناتهم وآلامهم ومخاوفهم. ففي ظل الاحتلال الأمريكي - البريطاني والعنف الدامي المتواصل، صار الموت يطارد كل صغير، وهذه المرة بفعل آلة الحرب التي تستخدمها ما تسمى نفسها بقوات التحالف أو بأيدي الانتحاريين الذين يسيئون إلى تاريخ شعب العراق المناضل وينسبون أنفسهم إلى المقاومة الوطنية.


العراق الآن تحرر من الحكم المستبد السابق، ولكنه في قبضة احتلال لم يوفر الحد الأدنى من الأمن والاستقرار لشعب العراق، ولا يوفر للأطفال سبل الحياة والرعاية الصحية والغذائية اللازمة.


مظاهر الانتهاكات


تخبرنا الإحصائيات الموثقة بأنّ نسبة 44 % من مجموع السكان البالغ عددهم 26 مليون نسمة هم من الأطفال، أي تحت سن الخامسة عشرة، منهم ما يزيد على 4 ملايين طفل هم دون سن الخامسة. واحد من كل ثمانية أطفال يموتون تحت سن الخامسة، وهي واحدة من أعلى النسب في العالم. 20 % من الأطفال في سن الدراسة لا يداومون في المدارس. في العراق حاليا حوالي 25 % من الأطفال دون الخامسة من العمر في طريقهم إلى الموت بسبب سوء التغذية، و 78 % من البيوت تصلها الكهرباء ساعات قليلة في اليوم، وفقط 37 % من مساكن المدن (وبالكاد 4 % منازل القرى) فيها أنظمة لصرف المجاري، وفقط 61 % لديها مياه للشرب، وتم تدمير 7 % من البيوت بسبب القصف أو مهمات التفتيش التي جرت، وواحد من كل عشرة منازل في المناطق الريفية يمكن الوصول إليه عبر طرق معبّدة، وتزداد نسبة الأمية بين الشباب.

وهكذا، يقف أطفال العراق في طليعة من تطاولهم الآثار السلبية للحرب على نحو مباشر وعميق. ويمكن تحديد أهم الانتهاكات كما يلي:


(1) - سوء التغذية


تضاعفت نسبة الأطفال العراقيين الذين يعانون من سوء التغذية، إذ حذر صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة " يونيسيف " في مايو/أيار 2003 من أنّ أكثر من 300 ألف طفل عراقي يواجهون الموت بسبب سوء التغذية. فقد سمحت عملية تقييم قامت بها المنظمة بالتوصل إلى نتيجة أنّ نسبة سوء التغذية الحاد لدى الأطفال العراقيين، ما دون سن الخامسة، تضاعفت مرتين عما كانت عليه في دراسة أجريت في شهر فبراير/شباط من العام 2002. كما كشف بحث نرويجي، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية والمكتب المركزي لتقنية المعلومات والإحصاء العراقي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2004 أن حالات سوء التغذية بين أطفال العراق قد تضاعفت بعد الغزو الأمريكي - البريطاني للعراق. إذ قال معهد " فافو " للعلوم الاجتماعية التطبيقية، الذي اضطلع بالدراسة: إنّ حالات سوء التغذية قد ارتفعت بين الأطفال من سن ستة أشهر إلي 5 أعوام من 4 % إلى 7.7 % منذ مارس/آذار 2003. ورجحت الدراسة أنّ حوالي 400 ألف طفل يعانون من حالات سوء التغذية وهي أرقام أكدتها الحكومة العراقية المؤقتة.


وفي مايو/أيار 2005 أظهر أول مسح عن الأحوال المعيشية للأسرة في العراق، أعلنت نتائجه وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أوضاعا مأساوية يعيشها العراقيون وتدنيا كبيرا في مستوى الخدمات. وأكد ستيفان دو ميتسورا، ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، في كلمة خلال إعلان نتائج المسح أنّ الوضع يزداد سوءا خصوصا فيما يتعلق بوضع الأطفال، وأشار إلى أنّ ربع أطفال العراق يعانون من أمراض سوء التغذية.

كما بينت دراسات طبية عديدة نقص معدل النمو لدى الأطفال العراقيين، حيث تبين أنّ نموهم يقل عن المعدل الطبيعي بنسبة 7 % ويعتبر هذا الأمر مؤشرا خطيرا. وإذا كانت مثل هذه الدراسات قد أجريت في سنوات الحصار، فإنّ النسبة اليوم هي أكبر وأخطر بعد الاحتلال الأمريكي - البريطاني للعراق. وكانت نتائج الفحوصات الطبية الميدانية، التي أجرتها البعثات الدولية المشتركة الموفدة من قبل منظمة الأغذية والزراعة FAO وبرنامج الغذاء العالمي WFP، برئاسة العالم الأمريكي بيتر بليت - استاذ التغذية بجامعة ماساتشوسيتس- قد بينت أنّ أطفال العراق، الذين نشأوا في فترة الحصار الاقتصادي، يعانون من قلة الكتلة الجسمانية، حيث تقل لدى الذكور بنسبة 25 % ولدى الإناث بنسبة 16 % عن المعدل القياسي العالمي، وهذه الظاهرة تشمل جميع السكان، وذلك لانّ السلة الغذائية، التي قدمتها اتفاقية " النفط مقابل الغذاء" لم تسد الحاجات التغذوية الخاصة بالأطفال والنساء والحوامل والشيوخ والعجزة.


ومؤخرا، حذر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في 21 سبتمبر/أيلول الجاري من أنّ الأموال الخاصة بعملية توفير الغذاء لأكثر من ثلاثة ملايين شخص في العراق، أكثر من نصفهم من الأطفال، هي على وشك أن تنفذ. وتهدف الحملة التي بدأت في سبتمبر/أيلول من العام 2004 إلى توفير 67 ألف طن من الغذاء لمساعدة 1.7 مليون من أطفال المدارس الابتدائية يعيشون في فقر مدقع، و220 ألف طفل يعانون من سوء التغذية وعائلاتهم، و350 ألفا من الحوامل والمرضعات وأكثر من ستة آلاف مريض بالسل.


(2) - الواقع الصحي

في ظل إمعان قوات الاحتلال بسياستها العدوانية يواجه أبناء الشعب العراقي، وخاصة الأطفال، ظروفا حياتية متردية للغاية، وبدأت التقارير والشهادات بالواقع الصحي المتدني الذي يحيط بالعراقيين. فعلى سبيل المثال، بعد سنوات على انتهاء حرب الخليج عام 1991 بدأت الطبيبة العراقية سلمي حداد تلاحظ تكاثر حالات إصابة بسرطان الدم لدى أطفال ينقلون إلى مستشفي المنصور في بغداد. وتعتبر هذه الطبيبة أنّ سرطان الدم، الذي سجل عند الأطفال، له علاقة بإشعاعات ناتجة عن استخدام قوات التحالف لذخائر تتضمن اليورانيوم المنضب. وبعد العدوان والاحتلال الأمريكي - البريطاني للعراق بدأت المخاوف تتكاثر من مشاكل صحية جديدة. وجاء استخدام ما يزيد على الألف طن من اليورانيوم، خلال الأيام الثلاثة الأولى من الغزو في عام 2003، ومواصلة قوات الاحتلال استخدامها حتى اليوم كمادة طالية للقنابل العنقودية، ليزيد من حجم الكارثة البشرية والبيئية.

وتدل الأرقام الصادرة من مستشفي الأطفال والولادة في البصرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2004 بأنّ 56 % من المصابين بأمراض السرطان في العراق هم من الأطفال تحت سن الخامسة بالمقارنة مع نسبة 13 % قبل 15 سنة. ويؤكد التقرير الصادر عن المستشفى علي وجود زيادة 20 % من الإصابات بالمقارنة مع عام 2003، آخذين بنظر الاعتبار عدم إحصاء الحالات في المستشفيات الخاصة.

كما سجل صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة " اليونيسيف"، بعد العدوان على العراق في يونيو/حزيران 2003، أكثر من 2000 حالة تيفوئيد، وارتفاع معدلات الإصابة بالإسهال وما يصاحبه من أمراض، بشكل خطير بين الأطفال العراقيين. وأنّ معدلات الإصابة بتلك الأمراض، ومنها الكوليرا والدزنتريا والتيفوئيد، ارتفعت بمعدل 2.5 مرة عنها في نفس الوقت من عام 2002. وإلى جانب هذه الأمراض، انتشرت أمراض معدية أخرى، كالسل والتهابات الكبد الوبائي والسحايا الدماغية وذات الرئة، والحمى السوداء، والملاريا، جنبا إلى جنب مع أمراض السرطان والسكري والتشوهات الولادية والعلل العصبية والعضلية الوخيمة.


(3) - واقع التعليم


فيما كانت خطوات أكثر من ستة ملايين تلميذ عراقي تتوجه إلى المدارس مع بداية العام الدراسي الحالي، كانت شكاوي العراقيين من الوضع الأمني المتدهور ترسم صورة مخيفة لواقع التعليم في العراق، حيث يعاني الأهالي من إيصال أبنائهم إلى المدارس خوفا من تعرضهم للموت بسبب ارتفاع معدلات التفجيرات والعمليات المسلحة في العراق.


إضافة إلى أنّ العديد من المدارس يغرق بصورة كاملة في مياه المجاري الثقيلة هي والطرق المؤدية إليها، وأغلبها بلا خدمات ماء وكهرباء وبجدران مهدمة وساحات تملؤها الأنقاض. وبالتالي سيكون ذهاب التلاميذ إلى هذه المدارس، لاسيما مدارس البنات، مجازفة كبيرة.


وأكد مسؤولون في وزارة التربية العراقية أنّ هناك معوّقات عديدة تعترض العملية التربوية، فهناك أكثر من 70 تلميذا في أغلب الفصول الدراسية بعضهم يجلسون على الأرض، كما تشكو معظم مدارس العراق من سوء أبنيتها بينما هناك مئات المدارس المدمرة في الفلوجة والنجف وسامراء والمدن الأخرى التي تعرضت لهجمات أمريكية.


ومن جهة أخرى، تدل إحصائيات اليونيسيف إلى أنّ نصف الأطفال الذين هم بعمر التسجيل في المدارس لا يداومون الآن، وتزداد النسبة في حالة الإناث منهم، مما يهدد العراق بكارثة حقيقية على المستوى التعليمي بشكل عام، وعلى مستوى النهوض بواقع المرأة العراقية بشكل خاص. وقد انعكس تدهور الوضع الأمني والسياسي على المستوى التعليمي، حيث باتت أيام الغياب من المدارس تزيد على أيام الدوام والتعليم، وزاد الأمر سوءا غياب المدرسين ومغادرتهم العراق حرصا على سلامتهم.


وكان بختيار أمين وزير حقوق الإنسان قد أعلن في أوائل العام 2005 أنّ هناك حوالي مليون طفل متسرب من المدارس في العراق، ونفس العدد من الأطفال المعاقين والنازحين. وأشار إلى أنّ 80 % من المدارس في العراق بناياتها غير لائقة تماما لممارسة العملية التربوية، كما أنّ 50 % من المدارس تعاني من شح المياه الصالحة للشرب ولا تتوفر فيها الخدمات الأساسية الضرورية كالقاعات الدراسية المناسبة والمرافق الصحية والتشجير.


(4) - أطفال الشوارع والأيتام

تضخم جيش الأيتام في العراق وأصبح يزداد يوما بعد آخر، ومما زاد وضعهم سوءا هو قلة الرعاية من المجتمع والدولة على حد سواء. إذ هناك الذين فقدوا آباءهم أو أسرهم أثناء الحروب المتعددة التي مرت على العراق، أو بسبب أعمال العنف المنتشرة في مدن العراق الآن، أو عند التعرض للإصابات نتيجة القصف الأمريكي للمناطق السكنية والطرق العامة.


أما أسوأ الضحايا، ضمن هذه الشريحة، فهم أطفال الشوارع الذين فقدوا أسرهم أو هربوا منها نتيجة الانفلات، أو دفعتهم بعض الأسر للبحث عن الرزق في الشوارع بدلا من التوجه إلي المدارس والعيش بصورة طبيعية أسوة ببقية أقرانهم في مثل أعمارهم. وأطفال الشوارع تجدهم هذه الأيام في كل مكان في مدن العراق المختلفة، في تقاطعات الشوارع وزوايا الطرق المختلفة بهيئة متسولين أو باعة لبعض الأشياء أو حتى العمل في مجمعات النفايات بحثا فيها عن أي شيء يمكن الاستفادة منه.


وتشير الدراسات الاجتماعية، التي أجريت حديثا، بأنّ معظم الأسر التي فقدت معيلها وبسبب صعوبة المعيشة وعدم وجود معيل بديل لها، اتجهت نحو دفع الأبناء، بما فيهم الأطفال، لترك الدراسة والتوجه إلى العمل في الشوارع والمحلات للمساعدة في توفير مورد رزق يعوض ما فقدوه من الموارد المالية لراعي الأسرة المفقود.


(5) - اعتقال الأطفال


اعتقل بعض الأطفال الصغار مثل الكبار في سجن أبوغريب الذي صار وصمة عار في تاريخ العسكرية الأمريكية، فقد كشفت وثائق رسمية حصل عليها اتحاد الحقوق المدنية الأمريكي عن احتجاز أطفال دون سن الحادية عشرة في هذا السجن. وقد اعترفت الجنرال جانيس كاربينسكي، المسؤولة السابقة عن السجن، بتفاصيل عن صغار ونساء محتجزين هناك، مما اضطر البنتاغون للاعتراف بذلك. ومن الجرائم التي ذكرت قيام الجنود بتلطيخ صبي، هو ابن لواء عراقي سابق، بالطين وأجبروا والده على رؤيته وهو يرتجف في البرد. وقالت كاربينسكي: إنها حرصت خلال توليها مسؤوليتها عن السجن، بين يوليو/تموز ونوفمبر/تشرين الثاني 2003، على زيارة السجناء الصغار، وقابلت طفلا سجينا بدا لو أنه في الثامنة من العمر، قال لها وهو يبكي: إن شقيقه في السجن معه وطلب السماح له بالاتصال بأمه.


(6) - الحالة النفسية


لقد ترك الاحتلال الأمريكي للعراق، وما رافقه من أعمال عنف، آثاره السلبية على الحالة النفسية للشعب العراقي. فموت الرجال المسؤولين عن إعالة أسرهم والإحباط الذي ينجم عن البطالة القسرية، يؤديان إلى زيادة حادة في ارتكاب أعمال العنف. ويتوقع، بالنظر إلى ارتفاع نسبة السكان الذين هم دون الثامنة عشرة من عمرهم، أن يؤثر ذلك كثيرا في الجيل المقبل طوال سنين عديدة آتية، إذ أنّ مشاعر الخوف من المستقبل ومشاعر اليأس تتملك الكثيرين.


إنّ جميع الأطفال في العراق تأثروا بحالة العنف المستشرية على الصعيد النفسي لكن بنسب متفاوتة، إذ نجدها أكثر عند الأطفال الذين تعرضوا بشكل مباشر للاعتداء، الذين أصبحوا يعانون من قلة النوم والأرق والخوف والأحلام المزعجة والتبول اللاإرادي وضعف في التركيز والتحصيل العلمي. وإلى جانب الانعزالية والانطواء بدأت تظهر صفة العدوانية، حيث أصبح الأطفال يفرّغون مشاعر الغضب من ما يشاهدونه بالآخرين مثل الأم والمعلم.


وقد حذر أطباء ووكالات إغاثة دولية من ارتفاع هذه الحالات التي تمتد آثارها لسنوات وسط المجتمع، وناشدوا الجميع حماية الأطفال في العراق من كل ما يؤثر سلبيا عليهم من الناحية النفسية والجسدية، منطلقين من وخامة تداعيات الصدمة والأزمة النفسية، التي يصاب الأطفال بها أثناء الحرب، حيث ستؤثر على نموهم، وتنعكس على شخصيتهم وسلوكياتهم وتدوم لسنوات طويلة، ومن نتائجها جنوح الأطفال، والسلوكية العدوانية، والعنف، وانتشار الجرائم. وفي السنة الماضية حذرت المنظمة الدولية " أطفال ضحايا الحروب " في لندن مـن " كارثة إنسانية لأطفال العراق، الذين يواجهون وضعا أسوأ مما كان عليه الحال إبان العقوبات، وهم يعانون من العنف ومن الأزمة المدنية والاجتماعية ". وأوضحت جو بيكر- مديرة المنظمة - في 13 مايو/أيار 2004 " إن كل طفل في العراق يعاني من صدمة نفسية على مستوى أو آخر ".



(*) - قدمت في إطار المؤتمر العالمي حول انتهاكات حقوق الإنسان تحت الغزو والاحتلال للعراق، الذي انعقد في طرابلس - ليبيا يومي 28 و 29/9/2005 بدعوة من جمعية " واعتصموا للأعمال الخيرية "، ضمن المحور الثاني " انتهاكات حقوق المدنيين تحت الاحتلال " في 28/9/2005.



* كاتب وباحث سوري مقيم في تونس






 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024