إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

المرسال باين من عنوانه

الياس ابراهيم الياس

نسخة للطباعة 2005-05-10

إقرأ ايضاً


قد صدر كتاب للطبيب باصيل دحدوح مؤرخ ب 7 /12 /2004 بعنوان " القومية الديمقراطية " نظرة معاصرة للفكر القومي .

في بادئ الأمر يوحي هذا العنوان للقارئ أنه مشتق من القومية الاجتماعية ( قومية سعادة ) ولكن شرط أن تمارس هذه القومية بديمقراطية وكأنه يلمح إلى ديكتاتورية في فكر سعادة .

ويقول قراءة معاصرة للفكر القومي : فتراه بالظاهر مرتكزا على القومية الاجتماعية بينما وبعد قراءته تجده ناسفا لفكر سعادة و كأني بالكاتب يريد أن يظهر بمظهر يجذب له دعاة القومية الاجتماعية مع تأويل باطني ناسف لما تحتويه هذه القومية من قيم .

فنراه يلعب على الظاهر لإيصال فكرة الباطن المعاكسة .

والحقيقة أني لا أعلم الوصف الدقيق لهكذا أسلوب , هل هو ديفلوماسية الفكر ؟!

أما عما جاء في الكتاب فإني أكتفي بتفصيل المقدمة :

ففي بداية المقدمة وتحت عنوان الديمقراطية و الأيديولوجية يقول :

" إن الديمقراطية تبحث باستمرار عن متغيرات جديدة بينما الأيديولوجية تكرس ثوابت معينة وبهذا المعنى فقط فإنهما على طرفي نقيض "

فهو في هذا الكلام وفي المقدمة كلها يسوق لفكرة " سقوط الأيديولوجية " التي هي سياسة أمريكية أرادت أميركا طرحها و التسويق لها لتسيطر على شعوب العالم بهيمنتها , ولتفرغ الشعوب من أيديولوجياتها فلا يبقى إلا ( الفكر الديمقراطي ) المنفتح على العالم الذائب فيه ! وذلك لتشييد القرية الكونية و إسقاط القوميات .

- ولقد ارتأيت أنه من المفيد هنا التوسع قليلا بمصطلح " سقوط الأيديولوجية " :

* (( إن مصطلح"سقوط الأيديولوجية " هو من أكثر المصطلحات الجديدة تسويقا و ذلك منذ تفكك الاتحاد السوفيتي , وتخلي دول أوروبا الشرقية عن الأيديولوجية الماركسية , التي سادت فيها طوال الحقبة الممتدة من العام 1945 – 1990 .

* إن المصطلح الأم " لسقوط الأيديولوجية " هو " نهاية التاريخ " الذي أعلنه الموظف في وزارة الخارجية الأمريكية ( والمفكر لاحقا ؟! ) فرانسيس فوكوياما .

يشير مصطلح " نهاية التاريخ " , صراحة إلى أنصار " النموذج الأمريكي " مقابل هزيمة "النموذج الشيوعي " في التاريخ , وهو أمر أبطل الصراع بين النموذجين و بنهاية الصراع في التاريخ ينتهي التاريخ مستسلما في أحضان " الحالة الأمريكية " ونموذجها وأطيافها ومجالاتها ... مع افتراض عدم تطبيق " النموذج الأميركي والأوروبي " عموما تحت خانة النماذج والأنظمة الأيديولوجية ؟ ... تستهدف هذه المحاولة , باستجلابها لهذا المصطلح , تشكيل أداة استبدادية " إرهابية " , تعمل على فرض منطق معكوس في قراءة المتغيرات الجغراسية و تأثيرها على تاريخنا القومي

ومستقبلنا ,ومن شأن هذا المنطق المعكوس فيما لو قدر له النجاح السيطرة على الإنتاج الأدبي والفكري عموما , مما يوفر مناخا مناسبا للدعوات المزَيِّفة / المزَيَّفة , التي تستهدف إبعاد أمتنا عن رؤية ذاتها الحاضرة والمستقبلية , وفق المنطق القومي الضامن لها , وحيدا , صفاء الرؤية وسلامتها إن المنطق القومي الاجتماعي , خارج النفوذ الفلسفي لمصطلح " سقوط الأيديولوجية"

غير أن القدرة الدعائية لهذا المصطلح و أصحابه والمروجين  له , تحاول جاهدة الإيقاع بهذا المنطق وفلسفته و نظامه , باستجلابه قسراً إلى مقبرة الأيديولوجيات العامة , التي تمت صياغتها بقصد استثمارها "من قبل القوى المنتصرة الآن " .

ذلك يعني أن المنطق القومي الاجتماعي  ,في معركة مفتوحة وضارية مع التجليات الدعائية لمصطلح " سقوط الأيديولوجية " , وهو يحتاج في مختلف أطوار هذه المعركة إلى الإفساح له كي يعبر عن نفسه فلسفة ونظاما وأخلاقا , وغاية نهائية )) الثقافة عدد 22 سقوط الأيديولوجية ونهاية القرن .

_ وكأني بالطبيب باصيل يريد الانطلاق "من لا ثوابت " , من الفضاء إ لى الفضاء . فلا يجب أن يكون لدينا ثوابت حسب رأيه إذ يقول فيما يقول :

"... ولعدم التسليم بأن ما هو مقرر مقرر بصفة نهائية ... "

أيرى حضرة الطبيب أن ثابتتا بأن . " سورية للسوريين والسوريون أمة تامة " يجب أن لا يكون ثابتا مقررا نهائيا , وأنه من الديمقراطية, مثلا, أن يأتي يوم ونقول به سورية للأمريكان والديمقراطية حاكمنا ؟ ! ...     

يتابع حضرة الطبيب فيقول :

" يمكننا أن نقول أن ثورة المعلومات أتاحت فرصة للتجديد المستمر لتصور الإنسان عن عالمه المحيط   ,ومن شأن ذلك توجيه ضربة من الصميم إلى الجمود الفكري وبشكل أعم إلى الفكر الشمولي   الذي يقرر للواقع صورة نهائية تتعارض مع التجديد ."

أو ليس هذا الفكر الشمولي هو الفكر السوري القومي الاجتماعي , إذ إن إحدى أهم ميزات فكر سعادة "الشمولية " . والنظرة الشمولية هي التي تمكننا من أن نكون دقيقين بالأحكام , وإن أكبر الأخطاء المرتكبة من أدبائنا وسياسيينا هي بسبب افتقادهم للنظرة الشمولية .

ويتابع حضرة الطبيب فيقول : "

لكن ثورة المعلومات هذه لم يكن بالإمكان أن تحدث لولا الإنجازات العصرية في مجال التكنولوجيا وتطبيقاتها في المعلوماتية والاتصالات الإلكترونية , إذ انبثق عنها ما يمكن أن نسميه " الذكاء الجمعي " .... وبدأ يتشكل بناء تراكمي للمكتشفات والإجتهادات على نحو يحقق " للجماعة البشرية " , أ, على الأقل للجزء المتقدم منها , تضامنا في البحث العلمي وتكاملا لم يكن لها مثيل من قبل .  

_ وهنا نرى الطبيب يعطي توصيفا لشريحة ما وهي "الجماعة البشرية " وهذا التوصيف خاطئ حسب علم الاجتماع ومنافي لنشوء الجماعة , فسعادة يقول في نشوء الأمم ص 48 :

" لا بشر حيث لا أرض ولا جماعة حيث لا بيئة ولا تاريخ حيث لا جماعة "

فهل من الممكن أن نسأل الطبيب : أية بيئة توجد فيها هذه الجماعة البشرية ؟ , أهي بيئة صالات الإنترنيت المنتشرة في بقاع العالم التي استطاعت أن تجعل منها " جماعة " ؟!!.

ونرى حضرة الطبيب يأخذ من الصفات أساسا لهذه الجماعة , بينما سعادة يقول :

" هل مجرد انتشار ثقافة , مادية روحية , واحدة بين عدد من الجماعات البشرية يولد من هذه الجماعات متحدا رابطته الثقافة ؟ إذا كان الجواب نفيا ولم تكن الثقافة الواحدة أساسا للمتحد فما هي عوامل المتحد وروابطه " .

ويقول : " إن الثقافة العامة تفرق بين أنواع المتحدات لا المتحدات ... فالمتحد هو دائما أمر واقع اجتماعي  .. وأن الصفات تتبع المتحد لا المتحد الصفات "

ويقول : " إن الاشتراك في الحياة يولد اشتراكا في العقلية والصفات كالعادات والتقاليد واللهجات , و عدم الاشتراك بالحياة يوهي أ شد الروابط متانة كالرابطة الدموية " .

فأين الاشتراك بالحياة بين أعضاء جماعة الطبيب ؟

وردا على بعض الدروس العلمية والاجتماعية التي تنعت مرتبة الرابطة الاجتماعية والاقتصادية بمرتبة أو مظهر العلاقة الاختيارية يقول سعادة في كتابه نشوء الأمم ص 136 _136 :

" إن الاجتماع البشري ليس اجتماعا مطلقا أو اختياريا مطلقا .

فإذا كان الاجتماع صفة عامة في الإنسانية فهذا لا يعني أن الإنسانية مجتمع واحد يسري فيه الاجتماع بمجرد الإنسانية ... لا يختار الإنسان المجتمع الذي يعيش فيه أكثر مما يختار والديه ... ليس المجتمع   contrat sociale  أساسه الفرد " .

فإذا كان حضرة الطبيب على كل هذا التناقض مع سعادة , فلماذا لا يعلن مباشرة لا مداورة أنه صاحب فكر مناقض لفكر سعادة ولماذا يوهم الآخرين أنه يتكنا بسعادة و أنه يعتنق قوميته ؟!

ثم يقول حضرة الطبيب : " يمكن القول أن الديمقراطية أكثر ملاءمة لعالم ثورة المعلومات من عالم العقائد الشمولية وعالم اليقينيات الأيديولوجية كما سادت في القرنين 20 _ 19 .

_ وإني لأرى في هذا دعوة أو ترويجا بعيد المدى للإقامة القرية الكونية وللعولمة .

ويقول الطبيب في نهاية المقدمة : " هل يمكن القضاء على الأيديولوجية ؟ محال ! ... ما زال الإنسان يطرح الأسئلة ويبحث عن أجوبة لها . "

فيما كان يتساءل في بداية المقدمة : " شهد القرن العشرون انتصار الأيدولوجيا ثم لما يبدوا هزيمتها. هل يشهد القرن العشرون انتصار الديموقراطية؟. "

_ أوليس انتصار الديموقراطية هو هزيمة الأيدولوجيا التي هي أجوبة على الأسئلة المطروحة من قبل الإنسان؟.

فإذا كان " محال " سقوط الأيدولوجيا فإلى أية ديموقراطية يسير وإلى أي محال ...!؟

ثم يقول حضرة الطبيب:

_ " التكنولوجيا كونها علماًُ فهي تطبق قوانين الطبيعة التي هي قوانين حتمية، أي أنها ينطبق 100% بينما قوانين علم الإنسان قوانين احتمالية... وهنا مطب الماركسية التي أرادت أن تطبق قوانين الطبيعة الحتمية على الإنسان.وقوانين علم الإنسان تفترض وجود الاحتمالات أي البدائل  . "

نراه هنا في نهاية المقدمة ضد التكنولوجيا (التي تطبق قوانين الطبيعة) التي هي قوانين حتمية ويلوذ إلى علم الإنسان الذي يقدم الاحتمالات أو البدائل، فيما كان في منتصف مقدمته يمجد ثورة المعلومات التي ما كانت بالإمكان أن تحدث لولا الإنجازات العصرية في مجال التكنولوجيا وتطبيقاتها في المعلوماتية و الاتصالات الإلكترونية... التي أدت            (للذكاء الجمعي)...والتي حققت تضامناً (للجماعة البشرية) في مجال البحث العلمي.

فعلى أي بحث علمي استند حضرته في بحثه للوصول إلى ما وصل إليه للدعوة إلى ديموقراطية.

ثم يتابع قوله في نهاية المقدمة، وهنا يريد أن يوهمنا أن سعادة موافقا له فيما يقوله:

" و هذا ما قاله أنطون سعادة من أنه يجب اختيار البديل المناسب إن كان ظاهراً، أو كامناً وتنشيطه وإن ارتفاع مستوى الوعي لدى المجتمع هو الذي سيسمح باختيار البديل الأنسب."

_ عن أي بديل يبحث و ما الذي يريد أن يبدله، هل هو العقيدة القومية الاجتماعية؟

وهذا ما يتضح معنا من خلال متابعة قراءة كتابه هذا...

في حين أن سعادة يقول فيما يختص بالقوانين الطبيعية في نشوء الأمم ص 136 : " يجب أن لا ننسى أننا نستخرج النواميس من الحياة فيجب أن لا نجعلها تتضارب مع المجرى الطبيعي الذي نعرفه بها  …. وإذا كنا قد اكتشفنا سنة التطور فيجب أن لا نتخذ من هذه السنة أقيسة وهمية تذهب بنا إلى تصورات تنافي للواقع و تغاير الحقيقة ."

فلا أعلم أين يتوافق سعادة هنا مع حضرة الطبيب .

* ويقول سعادة :" إن الحياة البشرية , ككل حياة أخرى , تجري وفاقا لناموس عام هو ناموس العلاقة البيولوجية المثلثة الأضلاع ( الجسم – النفس ( الدماغ ) – المحيط ) . "

ويقول " أن الناموس هو اصطلاح بشري لمجرى من مجاري الحياة أو الطبيعة ."

وأي بديل يريدنا حضرة الطبيب أن نأخذ . هل هو الديمقراطية الغير واضحة في مفهومها , التي لا ترتكز على أي ثابت من ثوابت الأيدولوجيا التي هي أجوبة على أسئلة الإنسان . أيريد أن يقودنا إلى المطلق المبهم فينا , سعادة يرى أن :

" المطلق الغير الواضح هو لا شئ , و إنما المطلق الذي هو شئ هو المطلق المحدد ."

 فإذا كان مثلنا الشعبي يقول " المرسال يبان من عنوانه " فبرأيي أن الكتاب يبان من عنوانه و مقدمته , ة للقارئ الحكم .

و برأيي أن هذه المقدمة و الكتاب : يد ممدودة إلى أميركا و تمهيدا لبسط سيادتها و سياستها و سواد فلسفتها -  سواء أكان عن قصد أم عن غير قصد .

وختاما فإننا نقول للعالم أجمع جوابا على " من نحن " لا كما يقول حضرة الطبيب " أن الهوية الثقافية فرضت نفسها في العالم الحديث كالأكثر أهمية بالنسبة لمعظم الناس … و رؤيتنا للعالم يجب أن لا تنطلق من مبدأ " نحن وهم " بل من مبدأ " نحن معهم " …" ص10

ولكن نقول لهم :

" أننا سوريون , سوريون بكل ما في النفس السورية من حق وخير وجمال و إبداع "

وأكرر مع الماهاتما غاندي :

" أتمنى أن تهب على بيتي جميع ثقافات العالم , و من كل الأبواب , و لكني لن أسمح لأي منها أن تقتلعني من جذوري ."


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024