إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

في طرائق الفكر والتفكير (3) <السؤال الطامة الكبرى>

الياس ابراهيم الياس

نسخة للطباعة 2006-05-28

إقرأ ايضاً


نتعرض خلال حياتنا إلى الكثير من الأسئلة ، ونواجه عدد لا يحصى منها تستعمل بين أوساط الناس .

وبما أنّ الإنسان فكر ، والفكر سؤال ، نستطيع الحكم على كلّ إنسان من خلال أسئلته ، وعلى المجتمعات من خلال الأسئلة الأكثر شيوعاَ فيها .

الإنسان سؤال : لأن السؤال يوضح لك الخلفيّة الثقافية للإنسان ، وإلى أين توصّل ، ومنهجيّة تفكيره ، وإلى أين يريد أن يصل .

_ ففي مجتمعنا نلاحظ غلبة أداة الاستفهام ( ماذا ) على (لماذا ) ، ولكلّ أداة فلسفتها الخاصة ؛ وشتّانا بينهما .

فالأداة لماذا ، عندنا ، تسبق غالباَ أسئلتنا الحشريّة :

ماذا يأكل فلان ؟ وماذا يشرب ؟ ماذا يعمل ؟

ماذا تمتلك ( شو في عندك ) ؟

ثمّ تأتي الأداة (ما ) : ما هو وضعك ،ثمّ ألف الاستفهام :

أمتزوّج أم عازب ؟ أفقير أم غني ؟ أيائس أم سعيد ؟

ومعظم الأسئلة التي نواجهها تستفسر عن الحالة الراهنة ؛ ولا أحد يسألك عمّا تريد أن تكون ،إلاّ اللهمّ إن كنت في الصف الثلث الثانوي ومقدم على اختيار فرع في الجامعة  .وهنا يحضرني قول جبران خليل جبران عن أنّ الإنسان ليس بما هو عليه بل بما يريد أن يكون .

_ أمّا الأداة لماذا فلا تستخدم عندنا للدلالة على جوهرها الأصليّ إلاّ بالنادر ، وغالباَ ما يكون استعمالها للتأنيب :

لماذا فعلت كذا ؟ ، أو لأسئلة أسخف : لماذا لا تحبّ البطاطا ؟...

ودائما السؤال عن الحالة الراهنة ، لكن نادراَ ما نسأل.. لماذا نحن هنا ؟

لماذا دخل الأميريكان العراق ؟

لماذا نحن في تخبّط فكري ؟

لماذا لا نكون أمّة ناهضة ، على الرغم من وجود الإمكانيات المادية و الروحية لدينا؟

وإن اللهمّ طرح السؤال ، فالمجيب يضع الأسباب على الواقع الراهن ، أيضاً من ضعفنا ومن تشر ذمنا، ولكن دونما العودة للأسباب التي أودت بنا إلى هذه الحالة .

إنّ السؤال الأبسط والأعمق هو سؤال الطفل المقبل على تعلم الحياة :

(( ليش )) أي لماذا ؟

ولكننا وبأجوبتنا،لم نعتد البحث في الماضي وربطه بالحاضر ،و وضع خطّة مستقبلية لحلّ مساوئ الواقع الراهن .

بل إننا نكتفي بالحاضر دونما العودة إلى المسبّبات الأساسية له ، مع أنّ أجدادنا أورثونا القول : " إن عرف السبب بطل العجب "

هكذا ننظر ونلقي الّلوم على الحاضر وعلى معايب الحاضر؛وكم نحن (حزينين )

برؤية مساوئ الحاضر ، دونما النظر إلى محاسنه !

إذ يكفي،مثلاً ، على صعيد الدولة أن تكون مقصرة في رعاية دور العجزة ،مثلاً ،كي نحمّلها كل ما هو متخلّف في البلد !

فإذا رأينا الطرقات متسخة ً ، فالمذنب الدولة ، متناسين أننا نحن من يرمي بالمناديل ( المحارم) والأكياس وحتى الزجاجات الفارغة و... دونما أيّ اهتمام ، أحياناً ونحن نمشي وأخرى من نوافذ السيارات !! ولكن الأغرب أنّ رميها يكون بطريقة من المفاخرة والاعتزاز ؟! . وإن وُجّه لنا ملامة نقول : "إي الطرقات كلها موسّخة ومبهدلة " وبعدها يأتي السؤال الطامة الكبرى :

" شو وقفت عليي؟! "

_ .. نعم يا عزيزي وقفت عليي ، .. لأنّني أنا.. أمثّل ما يقارب خمسة ملايين إنسان في هذا البلد ؛ وإذا كلّ مننا سيقول شو (وقفت عليي ) ستصبح الطرقات مزبلة .

وإذا كلّ واحد مننا قال شو وقفت عليي بالنسبة للنظام سنعيش في حالة من الفوضى المرعبة .

_ نعم الدولة مسؤولة عن مهامها ،ولكنها ليست مسؤولة إنْ خالف مواطن نظام السير و افتعل حادثا ًأودى بأرواحٍ . لكنها مسؤولة إن لم تعاقبه .

_ وللنهوض بالمجتمع ، نعم "وقفت عليي " وعليك أيضاً ،لأنّ الدولة لن تستطيع النهوض بدون عمل مواطنيها أيضاً على النهوض .

إنّنا دائماً نبحث عمّن نحمّله أخطاءنا .

فعلى الصعيد الأخلاقي والإنساني الفردي نحمّل الله أخطاءنا ونقول :

" هو من خلقنا هكذا "

وعلى الصعيد المجتمعي نرمي الملامة على لا الدولة و المؤسّسات ،وإن أدركنا أننا مخطئين فجوابنا يأتي بصيغة السؤال الطامة (شو وقفت عليي ) !.

كما أنّ البعض مننا يتفصّح بالتعليق على القرارات لمجرد التعليق .

حتّى أنّ قرار( استعمال حزام الأمان في السيارات ) ، الذي لا غاية منه إلاّ الحفاظ على سلامة المواطنين ، قد لاقى استهجان من البعض !

_ نعم الدولة مقصّرة ، وبرأيي أنّ أكبر تقصير لها هو تخفيض العقوبات أو عدم فرض عقوبات قاسيّة :

فمثلاً لو كانت الدولة قد فرضت على كلّ من يرمي منديلاً ( محرمة ) في الشارع عقوبة السجن لمدة خمسة أعوام ، أو غرامات ماليّة باهظة أو حتّى الإعدام ، ونفّذت قرارها هذا بثلاثة أشخاص على الأكثر ،لأصبحت شوارعنا تضاهي الشوارع الأوروبية نظافة ، ولن تعد الحالة أنّه كلّما هبّت ريح حملت معها عشرات الأكياس والفضلات الفارغة و... , ... تتطاير فوق رؤوسنا .

ألم يقولوا الأقدمين "أنّ العصا من الجّنة "

_ ولو فرضت الدولة عقوبة الإعدام على المرتشي ، لأصبح لصوص المكاتب في بلدي شرفاء رغم أنفهم .

_ ولو فرضت على كلّ صاحب شاحنة يزجّ (أشكمانه ) في أنوفنا عند مروره بقربنا سواءً كنّا نتمشّى على الطريق أم كنّا بالسيارة ، لو فرضت عليه الموت مستنشقاً غازات (اشكمونه ) هذا ، لخفّت نسبة السرطان بالبلد ، وأعتقد أنّ إعدام واحد منهم فقط يكفي لإنهاء الحالة هذه ، لأنّ الآخرين سيعتبرون .

ولو فرضت عقوبة السجن المؤبّد مثلاً على كلّ رئيس بلدية يسمح بأن تحفر الطريق الواحدة خمسين مرّة في العام : مرّة لكابلات الكهرباء ،و أخرى للمياه وأخرى لكابلات الهواتف ، لأنقصنا نسبة الهدر بشكل كبير ، و لنفّذنا بهذه النسبة من الهدر مشاريع رفاهيّة وجمالية أخرى ، و لأصبحنا نرى طرقاتنا بدون هذه الحفر التي أصبحت شيئاً من سمات الطرقات في بلدنا ( كما التراث ) .

ولو كان كلّ مننا يقول لنفسه ( وقفت علييّ) لكان البلد بألف خير .

فكفانا نحمّل أخطاءنا وقلّة نظامنا وعشوائيّتنا ، وتقاعسنا عن العمل لنهضة مجتمعنا للمؤسسات وغيرها ؛ فليس من إنسان ولد على هذه الأرض إلاّ ويعرف الحق من الباطل والخير من الشّر .

_ فلو نظرنا إلى الأمم الناهضة الآن وبحثنا في ماضيها سنعرف أنّها في الماضي كانت متخلّفة أكثر مننا بكثير ، لكن لو كان كلّ فرد من تلك الشعوب يقول :

( شو وقفت عليّي ) لما أدركت نهضتها .

وإنّما نهضت بهمّة الشعب والعمل الدؤوب والجاد ،وعدم فقدان الأمل عند مواطنيها و مفكريها وشبابها ، ولزمن ٍليس بقصير .

فلا تبنى النهضة بالتقاعس، بل بالاعتراف أولاً بتخلفنا وأخطائنا وتقاعسنا ، وعدم البحث عمّن يكون شمّاعة لأخطائنا .

ثمّ بمعرفة أسباب هذا التخلّف والعمل لإزالته .

وتحقّق النهضة بتبني روح المسؤوليّة ، مسؤوليّة كلّ فرد عن المجتمع الذي هو جزء منه .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024