شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1945-01-22
 

نسر الزعامة السورية القومية ووحل تكمان وذبابها < الباب الأول جزء 5 >

أنطون سعادة

صار الزعيم اينما توجه وحيثما حلّ ودار الحديث على القضية القومية وانتشار الحزب في الأرجنتين يجد انتقادات كثيرة وحادة في صدد قبول مثل جبران مسوح في عداده. وصار الزعيم يضطر لجعل أحاديثه محاضرات ليمحو الأثر السيء الذي نقشته كتابة جبران مسوح في نفوس الناس، ولا بد من الاشارة في هذا الصدد، إلى أن جميع الذين كانوا يتشاءمون من دخول جبران مسوح الحزب السوري القومي لم يكونوا من أقرباء الزعيم ولا من عائلته ولا من أصدقائه. كلهم سوريين لهم كثل ما لجبران، على الأقل، من الحق في ابداء آرائهم.

ولما أهدى ذاك المفكر العبقري، ذو الشخصية العظيمة التي اهتم الكون بأسره وادركه الغم، لاحتمال خسارتها تحت قيادة "الدكتاتور" انطون سعاده، كتابه العظيم إلى الزعيم نظر فيه الزعيم بهدوء ووجد أن قسماً من تعابيره مجار للتفكير القومي الجديد إلى حد انه يترجح انه مقتبس من بعض منشوراته (هذا الترجيح صار فيما بعد أشبه باليقين لما بدر من جبران مسوح في بعض أحاديثه أنه كان تسلم من رفيق قومي من عائلة الباوي في حماه منشورات قومية فيها مبادىء وشروح من النهضة) ورأى أن كاتب "المسيحي المسلم" قد أدخل في ذلك تفكيراً، او بالحري نزعة شعور هدام، مخرب، مجرد من الاحساس بالمسؤولية بقدر ما هو متسربل بالجهل، فكتب إلى المبتدىء القومي جبران مسوح يبدي له، بكثير من اللطف، نظرته الجلية في كتابه "المسيحي المسلم" ثم انتهز فرصة زيارة قام بها مسوح فشرح له أخطاءه باسهاب وعرفه ضعف تفكيره والقى عليه دروساً في الاجتماع والتربية وعلم النفس فهم منها مسوح المقدار الكافي ليجعله يعترف بغلطه في ما قال بجعل في صدد المحمديين وكتاب دينهم. وهكذا أنقذ الزعيم "شخصية" جبران مسوح وأخذ يوجد له مركزاً يعترف ذاك الشخص بكتابات عديدة، ان الفضل في بلوغه يعود إلى الزعيم وعطفه عليه وعنايته بتثقيفه وتوجيه أدبه.

قلما انضم أحد، يافعاً كان أو شاباً أو رجلاً أو فتاة أو امرأة، إلى الحزب السوري القومي وخلا من انتقاد من معارفه أو أصدقائه أو أهله أو أقربائه الجاهلين حقيقة الحزب وسمو غايته وعمق فلسفته. وكثير من الرفقاء، من أحداث وكبار، تعرضوا لاضطهادات كثيرة وتعذيب وتشريد من قبل أهلهم من أجل انهم آمنوا بأنطون سعاده هادياً لشعبهم وبتعاليمه التي اتخذوها منهاجاً لحياتهم. ولكن لا يوجد رفيق قومي حقيقي منهم يطاوعه عقله أو قلبه أن يذكر، ممتناً، ما قاسى وتحمل من الصعاب، التي لا يبلغ ما "عاناه" جبران مسوح منها عِشر معشارها، وأن يبرر ذلك في معرض كلام كالمعرض الذي أنشأه جبران مسوح في "اخاءه". كل قومي حقيقي يعدّ ما تعرض له في هذا السبيل مفخرة تسطع بها جبهته ووساماً يحافظ عليه بكل قوته ويذود عنه بيده ودمه. أصغر واحد منهم – أصغر أحداثهم – يستطيع أن يكون أستاذاً لأمثال جبران مسوح في معرفة الحقائق وفهم قيم الأمور. ان القومي الحقيقي ليذوب حياء قبل أن يضطر إلى تزكية نفسه تجاه الحركة القومية هذه التزكية الباطلة. كل قومي صحيح ليس مثل جبران مسوح في نفسيته ولا مثل الاعراب الذين نزلت فيهم الآية القرآنية: "وقالت الاعراب آمنـّا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم" يعلم أن شخصيته التي لا يريد شخصية غيرها هي التي اكتسبها في الحزب السوري القومي ومبادئه ونظامه ولا يجد شيئاً آخر في العالم يوازي هذا الربح العظيم فيخجل كثيراً أن يفكر في "الانتقادات التي انهالت عليه" وفي "الصعوبات" التي واجهها. ان المؤمن بقضية يجعلها هي مقياساً ومحكاً له ولا يجعل نفسه مقياساً ومحكاً له. ولكن ذاك كان شأن جميع الذين سقطوا من الحياة القومية وخرقوا مناقبها وتقاليدها. جميعهم صاروا فلاسفة يعينون الحدود الفكرية التي لم يقبلوا التعاليم القومية الاصلاحية إلا ضمن نطاقها وبعد ان وزنوا هذه التعاليم بميزان تفكيرهم الخاص ورأوا أنها تستحق أن يوافقوا عليها ويمنحونها نعمة رضاهم ويتنازلوا عن "شخصياتهم" ليشملوها بتأييدهم مضحين في هذا السبيل بانتقادات "كل اصدقائهم وكل أقربائهم وكل أفراد عائلاتهم".

يا أيها المنافقون، المراؤون، المزكون أنفسكم بأقوالكم، انتم الفقراء إلى القضية التي جاءت تنظر في نفوسكم وأموركم وتبين لكم صحيح الحياة من مفاسدها. ان تعاليمها ذات جوهر خاص بها يشع ويسطع في كل جهة وكما انه ليس لأحد فضل على النور أن يقول أني رأيته كذلك ليس لأحد فضل على الهداية القومية الاجتماعية أن يقول اني اهتديت بها!.

ان قول جبران مسوح في "اخائه": وكنت أقول دائماً: يجب أن نكون أمة ويجب أن يكون لنا وطن الخ"... هو قول خبيث مشوه للحقيقة فجبران مسوح "صار" بنعمة الهداية القومية الاصلاحية يقول وليس صحيحاً انه "كان دائماً" يقول أنه يجب أن نكون أمة ويجب أن يكون لنا وطن. وجبران مسوح قبل أن أسلم للنهضة السورية القومية يقول شيئاً في قوميتنا ووطنيتنا إلا ما كانت تدفع له الدعاوة الفرنسية من المال ليقوله في "الاخاء" التي عاد يستند اليها بعد سقوطه من الحياة القومية الصحيحة، وهو اننا شعب يأكل بعضنا البعض ولذلك يجب أن تأتي فرنسة وتحتل بلادنا لكي تمنعنا من ذلك. وكان يقول أشياء مثل الذي قالها في كتابه "المسيحي والمسلم" وإليك نموذجاً منها "وسوف تمر ألف سنة أخرى ولا يتغير المسلم ولا جزء من مليون من ناحية عقيدته الدينية" "أنا مسلم لا أتغير ولن أتغير. أنا الآن كما كنت في الماضي وسوف أبقى كذلك إلى الأبد فاعمل أنت ما تشاء". "يقولون أن فرنسة اغتصبت البلاد من اهاليها. وهذا كذب. والحقيقة انها أخذتها بالسيف من يد الاتراك، أي على ذات الطريقة التي دخل فيها خالد بن الوليد وابو عبيدة الجراح وغيرهما، فلماذا نقول عن هؤلاء شجعاناً بواسل يجاهدون في سبيل الله ونقول عن الفرنساويين كل كلمة شريرة". "ونحن النصارى مديونون لهم بأكثر من ذلك بكثير – مديونون بحياتنا – ولولاهم لما وجد منا أحد الآن". "وما أصغر الانسان الذي يريد أن يطرح لبنان بهذا الأتون (أتون الانضمام إلى سورية) لبنان بجباله وجماله ومياهه وشعرائه وادبائه وعلمائه وأذكيائه، يريد أن يطرحه بهذا (لا في هذا) الأتون ليربح كلمة "وطني حر". الشخصيات العظيمة في لبنان... هؤلاء يريدون أن يضموهم إلى سوريا لتكون قيمتهم قيمة رجال البادية الذين يعيشون بين الحيوانات والزوجات والعبيد والقمل "(صارت سورية العريقة الحضارة صحراء في علم الاستاذ جبران مسوح) "انه صار مستحيلاً علينا أن نتفاهم. لقد صار مستحيلاً أن يقف المسيحي مع المسلم في انشاء وطن واحد وقومية واحدة".. "ان التفاهم أصبح غير ممكن فليسر كل واحد في سبيله كما هو يريد. ويجب أن ندرك هذه الحقيقة لكي لا نضيع الوقت بلا جدوى".

هذه الأفكار المسوحية العظيمة، التي مزجها صاحبها باستعجال كبير مع ما وصل اليه من طلائع التفكير القومي الذي ابتدأ ينتشر في سورية بواسطة الحزب السوري القومي وأثبتها في كتابه "المسيحي المسلم" كان يراها أسمى ما يمكن أن يصل إليه الفكر فأعلن اعجابه بها بصورة دنكيخوطية مضحكة. فعرف كتابه بأنه "كتاب لم ينسج على منواله في اللغة العربية في جميع الأجيال". ورشح نفسه في كتابه لزعامة "مفكري العرب" في كل مكان! وإليك قوله بالحرف:

"هذا أول كتاب اقدمه اليك بلادي. ولا أريد فيه (لا به) تحريرك من السلطات الأجنبية. كلا. فهذا موضوع لا يستحق اهتمامي ويستطيع أن يقوم به غيري (كذا) واذا لم يتم في هذا الجيل فسيتم في الجيل الذي بعده. ولكني أريد تحرير الفكر العربي. ذلك الفكر الذي أعطى أنواراً صحيحة في أوقات مختلفة من التاريخ ثم طاردته المظالم واضطهدته وقيدته حتى لم يعد الناس يسمعون له صوتاً. أيها المفكر العربي اياك أخاطب. ها قد نبشتك من قبرك فانهض وقف على قدميك. ان القيود التي كنت مكبلاً بها وضعتها تحت قدمي. وسوف تبقى هذه القيود الملعونة تحت قدمي إلى الأبد. سوف أحطمها تحطيماً يصل دويها إلى كل مشارق الأرض ومغاربها... أيتها البشرية سوف تسمعين صوت الفكر العربي من جديد. ها هو يمشي اليك بالعظمة التي تعهدين. وسيتلو عليك ما لم تسمعه اذنك في كل العصور. يا مفكري العرب في كل مكان: هو ذا الفكر العربي (فكر جبران مسوح) ينهض أمامكم من جديد مكسراً كل قيوده. فغذوه بأدمغتكم وعقولكم وسيروا به إلى الأمام غير خائفين ها أنا أسير أمامكم إذا شئتم أو سيروا أنتم أمامي وأنا أحمي صفوفكم من وراء ولنقل جميعاً صارخين: أيتها القيود الملعونة، لن تصلي إلى الفكر العربي فيما بعد. أيها الفكر العربي: سر اينما شئت ولا تخف. ان طلائعك لا تعود الا ظافرة بعد الآن. (أي بعد كتاب مسوح) ستجد وراءك جيوشاً جرارة يعمل كل فرد منها ما يستطيعه وعليّ الباقي (أين أن كل ما لا تقدر الجيوش الجرارة على فعله يفعله جبران مسوح) سوف أكتب لأجلك كل ما لا يستطيع أن يكتبه سواي".

بتلك الأفكار السخيفة الجاهلة بلغ جبران مسوح هذه الدرجة من الغرور والدعوى الباطلة فنعَت نفسه بمحرر الفكر العربي وزعيم مفكري العرب وحامي صفوفهم والكاتب للفكر العربي كل ما لا يستطيع أن يكتبه سواه!

....

صار الزعيم اينما توجه وحيثما حلّ ودار الحديث على القضية القومية وانتشار الحزب في الأرجنتين يجد انتقادات كثيرة وحادة في صدد قبول مثل جبران مسوح في عداده. وصار الزعيم يضطر لجعل أحاديثه محاضرات ليمحو الأثر السيء الذي نقشته كتابة جبران مسوح في نفوس الناس، ولا بد من الاشارة في هذا الصدد، إلى أن جميع الذين كانوا يتشاءمون من دخول جبران مسوح الحزب السوري القومي لم يكونوا من أقرباء الزعيم ولا من عائلته ولا من أصدقائه. كلهم سوريين لهم كثل ما لجبران، على الأقل، من الحق في ابداء آرائهم.

ولما أهدى ذاك المفكر العبقري، ذو الشخصية العظيمة التي اهتم الكون بأسره وادركه الغم، لاحتمال خسارتها تحت قيادة "الدكتاتور" انطون سعاده، كتابه العظيم إلى الزعيم نظر فيه الزعيم بهدوء ووجد أن قسماً من تعابيره مجار للتفكير القومي الجديد إلى حد انه يترجح انه مقتبس من بعض منشوراته (هذا الترجيح صار فيما بعد أشبه باليقين لما بدر من جبران مسوح في بعض أحاديثه أنه كان تسلم من رفيق قومي من عائلة الباوي في حماه منشورات قومية فيها مبادىء وشروح من النهضة) ورأى أن كاتب "المسيحي المسلم" قد أدخل في ذلك تفكيراً، او بالحري نزعة شعور هدام، مخرب، مجرد من الاحساس بالمسؤولية بقدر ما هو متسربل بالجهل، فكتب إلى المبتدىء القومي جبران مسوح يبدي له، بكثير من اللطف، نظرته الجلية في كتابه "المسيحي المسلم" ثم انتهز فرصة زيارة قام بها مسوح فشرح له أخطاءه باسهاب وعرفه ضعف تفكيره والقى عليه دروساً في الاجتماع والتربية وعلم النفس فهم منها مسوح المقدار الكافي ليجعله يعترف بغلطه في ما قال بجعل في صدد المحمديين وكتاب دينهم. وهكذا أنقذ الزعيم "شخصية" جبران مسوح وأخذ يوجد له مركزاً يعترف ذاك الشخص بكتابات عديدة، ان الفضل في بلوغه يعود إلى الزعيم وعطفه عليه وعنايته بتثقيفه وتوجيه أدبه.

قلما انضم أحد، يافعاً كان أو شاباً أو رجلاً أو فتاة أو امرأة، إلى الحزب السوري القومي وخلا من انتقاد من معارفه أو أصدقائه أو أهله أو أقربائه الجاهلين حقيقة الحزب وسمو غايته وعمق فلسفته. وكثير من الرفقاء، من أحداث وكبار، تعرضوا لاضطهادات كثيرة وتعذيب وتشريد من قبل أهلهم من أجل انهم آمنوا بأنطون سعاده هادياً لشعبهم وبتعاليمه التي اتخذوها منهاجاً لحياتهم. ولكن لا يوجد رفيق قومي حقيقي منهم يطاوعه عقله أو قلبه أن يذكر، ممتناً، ما قاسى وتحمل من الصعاب، التي لا يبلغ ما "عاناه" جبران مسوح منها عِشر معشارها، وأن يبرر ذلك في معرض كلام كالمعرض الذي أنشأه جبران مسوح في "اخاءه". كل قومي حقيقي يعدّ ما تعرض له في هذا السبيل مفخرة تسطع بها جبهته ووساماً يحافظ عليه بكل قوته ويذود عنه بيده ودمه. أصغر واحد منهم – أصغر أحداثهم – يستطيع أن يكون أستاذاً لأمثال جبران مسوح في معرفة الحقائق وفهم قيم الأمور. ان القومي الحقيقي ليذوب حياء قبل أن يضطر إلى تزكية نفسه تجاه الحركة القومية هذه التزكية الباطلة. كل قومي صحيح ليس مثل جبران مسوح في نفسيته ولا مثل الاعراب الذين نزلت فيهم الآية القرآنية: "وقالت الاعراب آمنـّا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم" يعلم أن شخصيته التي لا يريد شخصية غيرها هي التي اكتسبها في الحزب السوري القومي ومبادئه ونظامه ولا يجد شيئاً آخر في العالم يوازي هذا الربح العظيم فيخجل كثيراً أن يفكر في "الانتقادات التي انهالت عليه" وفي "الصعوبات" التي واجهها. ان المؤمن بقضية يجعلها هي مقياساً ومحكاً له ولا يجعل نفسه مقياساً ومحكاً له. ولكن ذاك كان شأن جميع الذين سقطوا من الحياة القومية وخرقوا مناقبها وتقاليدها. جميعهم صاروا فلاسفة يعينون الحدود الفكرية التي لم يقبلوا التعاليم القومية الاصلاحية إلا ضمن نطاقها وبعد ان وزنوا هذه التعاليم بميزان تفكيرهم الخاص ورأوا أنها تستحق أن يوافقوا عليها ويمنحونها نعمة رضاهم ويتنازلوا عن "شخصياتهم" ليشملوها بتأييدهم مضحين في هذا السبيل بانتقادات "كل اصدقائهم وكل أقربائهم وكل أفراد عائلاتهم".

يا أيها المنافقون، المراؤون، المزكون أنفسكم بأقوالكم، انتم الفقراء إلى القضية التي جاءت تنظر في نفوسكم وأموركم وتبين لكم صحيح الحياة من مفاسدها. ان تعاليمها ذات جوهر خاص بها يشع ويسطع في كل جهة وكما انه ليس لأحد فضل على النور أن يقول أني رأيته كذلك ليس لأحد فضل على الهداية القومية الاجتماعية أن يقول اني اهتديت بها!.

ان قول جبران مسوح في "اخائه": وكنت أقول دائماً: يجب أن نكون أمة ويجب أن يكون لنا وطن الخ"... هو قول خبيث مشوه للحقيقة فجبران مسوح "صار" بنعمة الهداية القومية الاصلاحية يقول وليس صحيحاً انه "كان دائماً" يقول أنه يجب أن نكون أمة ويجب أن يكون لنا وطن. وجبران مسوح قبل أن أسلم للنهضة السورية القومية يقول شيئاً في قوميتنا ووطنيتنا إلا ما كانت تدفع له الدعاوة الفرنسية من المال ليقوله في "الاخاء" التي عاد يستند اليها بعد سقوطه من الحياة القومية الصحيحة، وهو اننا شعب يأكل بعضنا البعض ولذلك يجب أن تأتي فرنسة وتحتل بلادنا لكي تمنعنا من ذلك. وكان يقول أشياء مثل الذي قالها في كتابه "المسيحي والمسلم" وإليك نموذجاً منها "وسوف تمر ألف سنة أخرى ولا يتغير المسلم ولا جزء من مليون من ناحية عقيدته الدينية" "أنا مسلم لا أتغير ولن أتغير. أنا الآن كما كنت في الماضي وسوف أبقى كذلك إلى الأبد فاعمل أنت ما تشاء". "يقولون أن فرنسة اغتصبت البلاد من اهاليها. وهذا كذب. والحقيقة انها أخذتها بالسيف من يد الاتراك، أي على ذات الطريقة التي دخل فيها خالد بن الوليد وابو عبيدة الجراح وغيرهما، فلماذا نقول عن هؤلاء شجعاناً بواسل يجاهدون في سبيل الله ونقول عن الفرنساويين كل كلمة شريرة". "ونحن النصارى مديونون لهم بأكثر من ذلك بكثير – مديونون بحياتنا – ولولاهم لما وجد منا أحد الآن". "وما أصغر الانسان الذي يريد أن يطرح لبنان بهذا الأتون (أتون الانضمام إلى سورية) لبنان بجباله وجماله ومياهه وشعرائه وادبائه وعلمائه وأذكيائه، يريد أن يطرحه بهذا (لا في هذا) الأتون ليربح كلمة "وطني حر". الشخصيات العظيمة في لبنان... هؤلاء يريدون أن يضموهم إلى سوريا لتكون قيمتهم قيمة رجال البادية الذين يعيشون بين الحيوانات والزوجات والعبيد والقمل "(صارت سورية العريقة الحضارة صحراء في علم الاستاذ جبران مسوح) "انه صار مستحيلاً علينا أن نتفاهم. لقد صار مستحيلاً أن يقف المسيحي مع المسلم في انشاء وطن واحد وقومية واحدة".. "ان التفاهم أصبح غير ممكن فليسر كل واحد في سبيله كما هو يريد. ويجب أن ندرك هذه الحقيقة لكي لا نضيع الوقت بلا جدوى".

هذه الأفكار المسوحية العظيمة، التي مزجها صاحبها باستعجال كبير مع ما وصل اليه من طلائع التفكير القومي الذي ابتدأ ينتشر في سورية بواسطة الحزب السوري القومي وأثبتها في كتابه "المسيحي المسلم" كان يراها أسمى ما يمكن أن يصل إليه الفكر فأعلن اعجابه بها بصورة دنكيخوطية مضحكة. فعرف كتابه بأنه "كتاب لم ينسج على منواله في اللغة العربية في جميع الأجيال". ورشح نفسه في كتابه لزعامة "مفكري العرب" في كل مكان! وإليك قوله بالحرف:

"هذا أول كتاب اقدمه اليك بلادي. ولا أريد فيه (لا به) تحريرك من السلطات الأجنبية. كلا. فهذا موضوع لا يستحق اهتمامي ويستطيع أن يقوم به غيري (كذا) واذا لم يتم في هذا الجيل فسيتم في الجيل الذي بعده. ولكني أريد تحرير الفكر العربي. ذلك الفكر الذي أعطى أنواراً صحيحة في أوقات مختلفة من التاريخ ثم طاردته المظالم واضطهدته وقيدته حتى لم يعد الناس يسمعون له صوتاً. أيها المفكر العربي اياك أخاطب. ها قد نبشتك من قبرك فانهض وقف على قدميك. ان القيود التي كنت مكبلاً بها وضعتها تحت قدمي. وسوف تبقى هذه القيود الملعونة تحت قدمي إلى الأبد. سوف أحطمها تحطيماً يصل دويها إلى كل مشارق الأرض ومغاربها... أيتها البشرية سوف تسمعين صوت الفكر العربي من جديد. ها هو يمشي اليك بالعظمة التي تعهدين. وسيتلو عليك ما لم تسمعه اذنك في كل العصور. يا مفكري العرب في كل مكان: هو ذا الفكر العربي (فكر جبران مسوح) ينهض أمامكم من جديد مكسراً كل قيوده. فغذوه بأدمغتكم وعقولكم وسيروا به إلى الأمام غير خائفين ها أنا أسير أمامكم إذا شئتم أو سيروا أنتم أمامي وأنا أحمي صفوفكم من وراء ولنقل جميعاً صارخين: أيتها القيود الملعونة، لن تصلي إلى الفكر العربي فيما بعد. أيها الفكر العربي: سر اينما شئت ولا تخف. ان طلائعك لا تعود الا ظافرة بعد الآن. (أي بعد كتاب مسوح) ستجد وراءك جيوشاً جرارة يعمل كل فرد منها ما يستطيعه وعليّ الباقي (أين أن كل ما لا تقدر الجيوش الجرارة على فعله يفعله جبران مسوح) سوف أكتب لأجلك كل ما لا يستطيع أن يكتبه سواي".

بتلك الأفكار السخيفة الجاهلة بلغ جبران مسوح هذه الدرجة من الغرور والدعوى الباطلة فنعَت نفسه بمحرر الفكر العربي وزعيم مفكري العرب وحامي صفوفهم والكاتب للفكر العربي كل ما لا يستطيع أن يكتبه سواه!

....

صار الزعيم اينما توجه وحيثما حلّ ودار الحديث على القضية القومية وانتشار الحزب في الأرجنتين يجد انتقادات كثيرة وحادة في صدد قبول مثل جبران مسوح في عداده. وصار الزعيم يضطر لجعل أحاديثه محاضرات ليمحو الأثر السيء الذي نقشته كتابة جبران مسوح في نفوس الناس، ولا بد من الاشارة في هذا الصدد، إلى أن جميع الذين كانوا يتشاءمون من دخول جبران مسوح الحزب السوري القومي لم يكونوا من أقرباء الزعيم ولا من عائلته ولا من أصدقائه. كلهم سوريين لهم كثل ما لجبران، على الأقل، من الحق في ابداء آرائهم.

ولما أهدى ذاك المفكر العبقري، ذو الشخصية العظيمة التي اهتم الكون بأسره وادركه الغم، لاحتمال خسارتها تحت قيادة "الدكتاتور" انطون سعاده، كتابه العظيم إلى الزعيم نظر فيه الزعيم بهدوء ووجد أن قسماً من تعابيره مجار للتفكير القومي الجديد إلى حد انه يترجح انه مقتبس من بعض منشوراته (هذا الترجيح صار فيما بعد أشبه باليقين لما بدر من جبران مسوح في بعض أحاديثه أنه كان تسلم من رفيق قومي من عائلة الباوي في حماه منشورات قومية فيها مبادىء وشروح من النهضة) ورأى أن كاتب "المسيحي المسلم" قد أدخل في ذلك تفكيراً، او بالحري نزعة شعور هدام، مخرب، مجرد من الاحساس بالمسؤولية بقدر ما هو متسربل بالجهل، فكتب إلى المبتدىء القومي جبران مسوح يبدي له، بكثير من اللطف، نظرته الجلية في كتابه "المسيحي المسلم" ثم انتهز فرصة زيارة قام بها مسوح فشرح له أخطاءه باسهاب وعرفه ضعف تفكيره والقى عليه دروساً في الاجتماع والتربية وعلم النفس فهم منها مسوح المقدار الكافي ليجعله يعترف بغلطه في ما قال بجعل في صدد المحمديين وكتاب دينهم. وهكذا أنقذ الزعيم "شخصية" جبران مسوح وأخذ يوجد له مركزاً يعترف ذاك الشخص بكتابات عديدة، ان الفضل في بلوغه يعود إلى الزعيم وعطفه عليه وعنايته بتثقيفه وتوجيه أدبه.

قلما انضم أحد، يافعاً كان أو شاباً أو رجلاً أو فتاة أو امرأة، إلى الحزب السوري القومي وخلا من انتقاد من معارفه أو أصدقائه أو أهله أو أقربائه الجاهلين حقيقة الحزب وسمو غايته وعمق فلسفته. وكثير من الرفقاء، من أحداث وكبار، تعرضوا لاضطهادات كثيرة وتعذيب وتشريد من قبل أهلهم من أجل انهم آمنوا بأنطون سعاده هادياً لشعبهم وبتعاليمه التي اتخذوها منهاجاً لحياتهم. ولكن لا يوجد رفيق قومي حقيقي منهم يطاوعه عقله أو قلبه أن يذكر، ممتناً، ما قاسى وتحمل من الصعاب، التي لا يبلغ ما "عاناه" جبران مسوح منها عِشر معشارها، وأن يبرر ذلك في معرض كلام كالمعرض الذي أنشأه جبران مسوح في "اخاءه". كل قومي حقيقي يعدّ ما تعرض له في هذا السبيل مفخرة تسطع بها جبهته ووساماً يحافظ عليه بكل قوته ويذود عنه بيده ودمه. أصغر واحد منهم – أصغر أحداثهم – يستطيع أن يكون أستاذاً لأمثال جبران مسوح في معرفة الحقائق وفهم قيم الأمور. ان القومي الحقيقي ليذوب حياء قبل أن يضطر إلى تزكية نفسه تجاه الحركة القومية هذه التزكية الباطلة. كل قومي صحيح ليس مثل جبران مسوح في نفسيته ولا مثل الاعراب الذين نزلت فيهم الآية القرآنية: "وقالت الاعراب آمنـّا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم" يعلم أن شخصيته التي لا يريد شخصية غيرها هي التي اكتسبها في الحزب السوري القومي ومبادئه ونظامه ولا يجد شيئاً آخر في العالم يوازي هذا الربح العظيم فيخجل كثيراً أن يفكر في "الانتقادات التي انهالت عليه" وفي "الصعوبات" التي واجهها. ان المؤمن بقضية يجعلها هي مقياساً ومحكاً له ولا يجعل نفسه مقياساً ومحكاً له. ولكن ذاك كان شأن جميع الذين سقطوا من الحياة القومية وخرقوا مناقبها وتقاليدها. جميعهم صاروا فلاسفة يعينون الحدود الفكرية التي لم يقبلوا التعاليم القومية الاصلاحية إلا ضمن نطاقها وبعد ان وزنوا هذه التعاليم بميزان تفكيرهم الخاص ورأوا أنها تستحق أن يوافقوا عليها ويمنحونها نعمة رضاهم ويتنازلوا عن "شخصياتهم" ليشملوها بتأييدهم مضحين في هذا السبيل بانتقادات "كل اصدقائهم وكل أقربائهم وكل أفراد عائلاتهم".

يا أيها المنافقون، المراؤون، المزكون أنفسكم بأقوالكم، انتم الفقراء إلى القضية التي جاءت تنظر في نفوسكم وأموركم وتبين لكم صحيح الحياة من مفاسدها. ان تعاليمها ذات جوهر خاص بها يشع ويسطع في كل جهة وكما انه ليس لأحد فضل على النور أن يقول أني رأيته كذلك ليس لأحد فضل على الهداية القومية الاجتماعية أن يقول اني اهتديت بها!.

ان قول جبران مسوح في "اخائه": وكنت أقول دائماً: يجب أن نكون أمة ويجب أن يكون لنا وطن الخ"... هو قول خبيث مشوه للحقيقة فجبران مسوح "صار" بنعمة الهداية القومية الاصلاحية يقول وليس صحيحاً انه "كان دائماً" يقول أنه يجب أن نكون أمة ويجب أن يكون لنا وطن. وجبران مسوح قبل أن أسلم للنهضة السورية القومية يقول شيئاً في قوميتنا ووطنيتنا إلا ما كانت تدفع له الدعاوة الفرنسية من المال ليقوله في "الاخاء" التي عاد يستند اليها بعد سقوطه من الحياة القومية الصحيحة، وهو اننا شعب يأكل بعضنا البعض ولذلك يجب أن تأتي فرنسة وتحتل بلادنا لكي تمنعنا من ذلك. وكان يقول أشياء مثل الذي قالها في كتابه "المسيحي والمسلم" وإليك نموذجاً منها "وسوف تمر ألف سنة أخرى ولا يتغير المسلم ولا جزء من مليون من ناحية عقيدته الدينية" "أنا مسلم لا أتغير ولن أتغير. أنا الآن كما كنت في الماضي وسوف أبقى كذلك إلى الأبد فاعمل أنت ما تشاء". "يقولون أن فرنسة اغتصبت البلاد من اهاليها. وهذا كذب. والحقيقة انها أخذتها بالسيف من يد الاتراك، أي على ذات الطريقة التي دخل فيها خالد بن الوليد وابو عبيدة الجراح وغيرهما، فلماذا نقول عن هؤلاء شجعاناً بواسل يجاهدون في سبيل الله ونقول عن الفرنساويين كل كلمة شريرة". "ونحن النصارى مديونون لهم بأكثر من ذلك بكثير – مديونون بحياتنا – ولولاهم لما وجد منا أحد الآن". "وما أصغر الانسان الذي يريد أن يطرح لبنان بهذا الأتون (أتون الانضمام إلى سورية) لبنان بجباله وجماله ومياهه وشعرائه وادبائه وعلمائه وأذكيائه، يريد أن يطرحه بهذا (لا في هذا) الأتون ليربح كلمة "وطني حر". الشخصيات العظيمة في لبنان... هؤلاء يريدون أن يضموهم إلى سوريا لتكون قيمتهم قيمة رجال البادية الذين يعيشون بين الحيوانات والزوجات والعبيد والقمل "(صارت سورية العريقة الحضارة صحراء في علم الاستاذ جبران مسوح) "انه صار مستحيلاً علينا أن نتفاهم. لقد صار مستحيلاً أن يقف المسيحي مع المسلم في انشاء وطن واحد وقومية واحدة".. "ان التفاهم أصبح غير ممكن فليسر كل واحد في سبيله كما هو يريد. ويجب أن ندرك هذه الحقيقة لكي لا نضيع الوقت بلا جدوى".

هذه الأفكار المسوحية العظيمة، التي مزجها صاحبها باستعجال كبير مع ما وصل اليه من طلائع التفكير القومي الذي ابتدأ ينتشر في سورية بواسطة الحزب السوري القومي وأثبتها في كتابه "المسيحي المسلم" كان يراها أسمى ما يمكن أن يصل إليه الفكر فأعلن اعجابه بها بصورة دنكيخوطية مضحكة. فعرف كتابه بأنه "كتاب لم ينسج على منواله في اللغة العربية في جميع الأجيال". ورشح نفسه في كتابه لزعامة "مفكري العرب" في كل مكان! وإليك قوله بالحرف:

"هذا أول كتاب اقدمه اليك بلادي. ولا أريد فيه (لا به) تحريرك من السلطات الأجنبية. كلا. فهذا موضوع لا يستحق اهتمامي ويستطيع أن يقوم به غيري (كذا) واذا لم يتم في هذا الجيل فسيتم في الجيل الذي بعده. ولكني أريد تحرير الفكر العربي. ذلك الفكر الذي أعطى أنواراً صحيحة في أوقات مختلفة من التاريخ ثم طاردته المظالم واضطهدته وقيدته حتى لم يعد الناس يسمعون له صوتاً. أيها المفكر العربي اياك أخاطب. ها قد نبشتك من قبرك فانهض وقف على قدميك. ان القيود التي كنت مكبلاً بها وضعتها تحت قدمي. وسوف تبقى هذه القيود الملعونة تحت قدمي إلى الأبد. سوف أحطمها تحطيماً يصل دويها إلى كل مشارق الأرض ومغاربها... أيتها البشرية سوف تسمعين صوت الفكر العربي من جديد. ها هو يمشي اليك بالعظمة التي تعهدين. وسيتلو عليك ما لم تسمعه اذنك في كل العصور. يا مفكري العرب في كل مكان: هو ذا الفكر العربي (فكر جبران مسوح) ينهض أمامكم من جديد مكسراً كل قيوده. فغذوه بأدمغتكم وعقولكم وسيروا به إلى الأمام غير خائفين ها أنا أسير أمامكم إذا شئتم أو سيروا أنتم أمامي وأنا أحمي صفوفكم من وراء ولنقل جميعاً صارخين: أيتها القيود الملعونة، لن تصلي إلى الفكر العربي فيما بعد. أيها الفكر العربي: سر اينما شئت ولا تخف. ان طلائعك لا تعود الا ظافرة بعد الآن. (أي بعد كتاب مسوح) ستجد وراءك جيوشاً جرارة يعمل كل فرد منها ما يستطيعه وعليّ الباقي (أين أن كل ما لا تقدر الجيوش الجرارة على فعله يفعله جبران مسوح) سوف أكتب لأجلك كل ما لا يستطيع أن يكتبه سواي".

بتلك الأفكار السخيفة الجاهلة بلغ جبران مسوح هذه الدرجة من الغرور والدعوى الباطلة فنعَت نفسه بمحرر الفكر العربي وزعيم مفكري العرب وحامي صفوفهم والكاتب للفكر العربي كل ما لا يستطيع أن يكتبه سواه!

....


للبحث صلة


الزوبعة، العدد 83 في 22 كانون الثاني 1945



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه